د.طارق ليساوي: المغرب: البطون الجائعة لا تزحف لساحة المعركة…
2017-03-02 00:00:00 - المصدر: راي اليوم
د.طارق ليساوي
تعيش المملكة المغربية طيلة الأسابيع الماضية سلسلة من المفارقات الغريبة، ففي الوقت الذي تشهد فيه العديد من المدن المغربية تساقطات مطرية متوسطة بالمقارنة مع باقي بلدان العالم المتحضر، أسفرت هذه التساقطات عن غرق العديد من الشوارع الرئيسية في ضواحي عاصمة المملكة “الرباط”، هذا في الوقت الذي قدم فيه ملك البلاد مساعدات مالية لجنوب السودان لبناء عاصمة جديدة…
كثيرا ما نتردد في انتقاد أوضاع البلاد على أمل أن يستفيق المسئولين المغاربة من غفلتهم ، ويدركوا حجم المخاطر و التحديات التي تنتظر مستقبل البلاد على المدى المتوسط و البعيد ، نود صراحة أن يكون قلمنا قلما داعيا للتغيير الأمن بعيدا عن أي انزلاق قد يدخل البلاد و العباد في نفق مسدود، و هذه قناعاتنا تجاه كل البلاد العربية و الإسلامية ، نريد بلدانا تسودها قيم العدل و المساواة والحرية و احترام كرامة الإنسان في ظل حكومات رشيدة معبرة عن إرادة الشعب …
لكن للأسف السياسات المتبعة اليوم و التي لا نعرف على وجه التحديد من المسؤول المباشر عنها، تدفع البلاد بالتدريج نحو هذا النفق المسدود…فمن غير المعقول و المقبول أن تنفق أموال دافعي الضرائب المغاربة على شعوب القارة الإفريقية بينما الشعب المغربي يعاني ويلات الفقر و التهميش و البطالة ، بل حتى البنية التحتية بمجرد أن يصل فصل الشتاء تكشف عن سوءات و فساد السياسات و الصفقات و المشاريع العمومية…إن أحد أهم أبجديات الديمقراطية هو مراقبة الإنفاق العمومي، فمن حق المغاربة أن يعرفوا حجم ما يتم إنفاقه وفي أي اتجاه ينفق ؟و تحديد أولويات الإنفاق العمومي، هل هذه المساعدات السخية التي تقدم طيلة الفترة الماضية لدول إفريقية تتم مناقشتها من قبل ممثلي الأمة ؟ أم أنها تدخل ضمن نفقات السيادة؟
وموقفنا هذا ليس رفض لمبدأ مساعدة إخواننا الأفارقة، و ليس أيضا اعتراف بأن المغرب واحة للديمقراطية، فالمغرب لازال يعيش انتقالا ديمقراطيا تشوبه العديد من الشوائب، لكن اعتراضنا نابع من ملاحظتين:
الأولى – أن الإنفاق العمومي ينبغي أن يخضع لرقابة البرلمان و الشعب، فالبرلمان هو الذي يوافق على ميزانية الدولة بشقيها الإيرادات و النفقات ، وهو المسؤول عن مراقبة تنفيذ هذه الميزانيات و محاسبة السلطة التنفيذية عن أي انحراف في تنفيذ بنود الميزانية…
الثانية – لا يعقل أن نترك جزءا واسعا من المغاربة تنهشهم الفاقة و العوز و الحرمان بينما نقدم المساعدات السخية للبلدان البعيدة…فالضرائب فرضت في الأساس لتحقيق التكافل و التضامن بين مختلف مكونات الشعب الواحد، فالعالم القروي و المناطق الداخلية في المغرب أو ما أصطلح عليه في الحقبة الاستعمارية ” بالمغرب غير النافع″ لازال في حاجة إلى مجهود عمومي لرفع مستوي معيشة الساكنة و تقليص نسب الفقر و محاربة مظاهر الهشاشة الاجتماعية و التي أصبحت تتسع دائرتها لتشمل مناطق و فئات جديدة…
إن المشهد السياسي العام في مغرب 2017 لا يحفز على التفاؤل، فبلغة المؤشرات يمكن القول أن البلاد لا تراوح مكانها ، فالخدمات العمومية من صحة و تعليم تتدهور يوما بعد الأخر ، أما معدل النمو الاقتصادي فلازال مرتبط بتقلبات المناخ، و الفجوة في توزيع الدخل تزداد اتساعا، ودائرة الفقر و التهميش و الهشاشة أصبحت تمس فئات كانت في وقت قريب تعد من الطبقة الوسطى، للأسف مغرب 2017 يعيش في كنف ليبرالية متوحشة، وسباق محموم نحو تفقير الشعب و تكديس الثروات في أيدي قليلة ، و هو ما يعني إقامة حكم “أوليغارشي” تصبح فيه الأقلية الغنية هي صاحبة القرار السياسي و الاقتصادي، و هو توجه يقود عموم المغاربة إلى طريق العبودية للقمة العيش، و في ذلك ضرب لكل الآمال في إقامة وطن حر تحترم فيه كرامة كل مغربي و مغربية …
الوطن للجميع ومستقبل المغرب مسؤولية الجميع بغض النظر عن الاختلاف في الرأي أو التوجه السياسي، فاحتكار السلطة و الثروة أمر لابد من إعادة النظر فيه، فلا إصلاح سياسي و لا استقرار، ما لم يتم الفصل بين التجارة و السلطان ، و ما لم يفعل مبدأ “من أين لك هذا ؟” . المغاربة ولاسيما الشباب منهم يشعرون بالخجل عندما يرى في الجارة إسبانيا أن زوج شقيقة ملك اسبانيا يحاكم و يسجن بتهمة فساد مالي ، بينما في المغرب العديد من السياسيين والموظفين العموميين تداولت وسائل الإعلام تسريبات و تصريحات عن ممتلكاتهم التي راكموها في فترة توليهم مناصب عمومية و لا أحد يتحرك لمساءلة هؤلاء … من العيب أن تحاكم فرنسا و إسرائيل.. مسئوليها بشبهة استغلال المنصب…بينما في بلاد الإسلام المال العمومي أصبح مستباحا من قبل فئة قليلة تفعل ما تشاء دون رقيب أو حسيب، بينما بطون جائعة حلمها رغيف عيش لا تجده إلا بشق الأنفس…فهذه البطون الجائعة لن تدافع عن وطن تنكر لأبسط حقوقها…
لسنا ضد الأغنياء بل على العكس جهدهم مشكور ودورهم أساسي في النهوض بالأوطان، لكن شريطة أن يشتغلوا بشفافية و بعيدا عن استغلال المال العام أو القرب من صانع القرار السياسي ، ففي الاقتصاد المعلومة لها ثمن ، فمن هو بداخل المطبخ السياسي ليس كمن خارجه ، فهو يعرف ما يطبخ قبل الجميع وفي مثل هذه المعرفة مكاسب مالية و تجارية جمة…
فمن يدرس تاريخ أعرق الديمقراطيات يدرك أن فصل التجارة عن السلطان و مراقبة مالية الدولة، كانت البوابة الرئيسية لإقامة مجتمعات تسودها الحرية و المساواة والعدالة الاجتماعية ، و بناء مجتمعات متماسكة استطاعت أن تجد لنفسها موقع قدم بين الكبار… و الله غالب على أمره…
*إعلامي مغربي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي .