أيّ المعضلتين أشدّ تعقيدًا: تفكيك (المسألة السورية) .. أم تفكيك (الدولة السورية)!؟
عبدالله عيسى السلامة - خاص ترك برس
يبدو السؤال غريباً ، إلى حدّ ما .. لكنه عاديّ ، في زمن الغرائب ، الذي نعيشه !
وواضح أن الحديث ، عن التفكيك والتركيب ، هنا ، إنما هو بقصد التحليل ، لابقصد الفعل السياسي ، أو الاجتماعي ، أو العسكري.. ! فتلك أمور، لاتملكها الكلمات ، ولا تقوى عليها ؛ فهي ، في سورية ، دوّامة هائلة ، لا يُعرف أوّلها من آخرها !
لكن لابدّ - لنجاعة التحليل- من نقطة ارتكاز، يستند إليها، مَن يتصدّى لعملية التحليل ، التي قد تفضي ، إلى أمَل ما ، للشعب المسحوق ، وللعالم المبهوت ، بعجزه ، قبل أن يكون مبهوتاً، بمؤامرات القوى ، الصانعة لدوّامة الدم السوري !
نقطة الارتكاز، للمواطن السوري ، المحلّل ، هنا، هي مركز صنع القرار التركي، الحريص على سورية ، حرصَه على تركيا ؛ لارتباط الامن والمصير، بين الدولتين الجارتين ، المتداخلتين في أشياء كثيرة ، والشريكتين في أشياء أكثر !
الحالمون ، من أبناء سورية ، يقولون: إن القضية ، برمّتها ، سهلة، لاتحتاج تفكيكاً، ولا تركيباً؛ لا على مستوى التحليل النظري ، ولا على مستوى الواقع العملي ! يكفي أن يعطينا المجتمع الدولي ، حقوقنا في بلادنا ، ويقتلع النظامَ الفاسدَ ، من دولتنا ، ثمّ يتركنا في حال سبيلنا !
ولن ندخل ، هنا ، في تحديد مصطلح (المجتمع الدولي) الذي يحتاج ، هو، ذاته، إلى عملية تفكيك وتركيب – نظرياً - لتُعرف ماهيّته ، وحقيقته ، ثمّ تشابكُ القوى والمصالح ، فيه ، والمسنناتُ - الصغيرة والكبيرة - التي تحرّك ماكينته ، ونيّاتُ أصحاب القوى و المصالح ، تجاه شعبنا ، ومطامعُهم في بلادنا !
حسبُنا أن نقول : إن كل غريب ، ذي مصلحة ، في بلادنا ، يسعى إلى تفكيك دولتنا، على الأرض ، بالطريقة التي يريدها.. وإلى إعادة تركيبها، بالصورة التي تناسب مصلحته !
ونكتفي بذكر أربع دول ، هنا ، ولكل منها وكلاؤها ، في بلادنا ، من المحسوبين على شعبنا ! وهي : أمريكا ، وروسيا ، وإسرائيل ، وإيران . فكلّ واحدة ، من هذه الدول، تسعى إلى تفكيل الدولة السورية ، وإعادة تركيبها ، بالكيفية التي تخدم مصالحها، ممّا يؤدّي ، إلى أنواع من الصراع ، لها درجات مختلفة ، من الشدّة والحدّة .. ولها أساليب متباينة ، من التشابك الدافئ ، حيناً .. والاشتباك الفاتر، حيناً ، في نسق مضطرب رجراج ، سمّاه أحد المنظرين : النسق اًلزئبقيً ؛ لعدم ثباته ، على صورة معيّنة ، ولسرعة تملّص الوقائع ، على الأرض ، من أقفاص الحسابات الورقية ، لتعود هذه الحسابات الورقية ، تطارد الوقائع على الأرض ، لتبني ، على حركتها الجديدة ، حسابات جديدة، في عملية تأثر وتأثير تبادلية ، بين الوقائع على الأرض، والحسابات الورقية؛ ممّا يزيد كلاّ منهما، تعقيداً وصعوبة ، في المتابعة والحساب ! فينطبق ، على هذي وتلك ، باستمرار، المثل الشعبي المعروف : حسابُ السوق ، لا يطابق حسابَ الصندوق ! وسورية تُطحن ، بينهما ، وطناً وشعباً وحضارة !
الدولة الصديقة الوحيدة ، بين الدول المؤثرة ، في منطقتنا، وهي تركيا – حسبما أثبتته الوقائع على الأرض-هي ، وحدَها، التي تسعى، إلى حفظ تماسك الدولة السورية، لأجل سورية وتركيا معاً ! وحِرصُ صنّاع القرار فيها، على الدقة ، في التحليل، والتفكيك ، والتركيب(للمسألة السورية) – نظرياً- .. إنّما يأتي – والأصل أن يأتي - ، للمحافظة على (الدولة السورية) ، بلا تفكيك ، ولا إعادة تركيب ! لأن هذا مخالف لمصلحة تركيا ، أوّلاً ، قبل مخالفته لمصلحة سورية - في نظر صانع القرار التركي - ! كما أنه مخالف ، للمصلحة العليا، عند صناع القرار التركي ، وهي : فضيلة الالتزام الخلقي ؛ إذ فضيلة التمسّك ، بالخلق الإننساني النبيل ، هي أمّ المصالح ، لديهم ، بل هي : (روح المصالح) ، كلها ، فيما ظهر- وعرفه الناس جميعاً- من أقوالهم وأفعالهم ، كلها .. وفي أصعب ظروفهم ، وأيسرها !
ولقد نزع الكثيرون ، من قادة الدول وساستها ، هذه الروح ، التي تعَدّ من أهمّ الأسس ، في بقاء النوع الإنساني.. بشهادة واقع النوع الإنساني ، وتاريخه كله ، في سائر أعصاره وأمصاره.. نزعوها من مصالحهم ، ومن أفعالهم - وإن ظلّ بعضهم ، يتاجرون بها ، بأقوالهم-.. فما عادوا يرون العالم ، إلاّ غابة ! فاستنفروا ، في صدورهم ، غرائز الذئاب ، وشهروا مخالبهم ، وكشّروا عن أنيابهم ، لافتراس الشعوب ، وتدمير أوطانها، بسعار محموم، غريب ، تشمئز منه، حتى نفوس الشياطين ! فبرزت المعضلتان ، في سورية ، بشكل صارخ..الأولى: في الأدمغة، وعلى الأوراق ! والثانية : على الأرض ، بين الأشلاء والدماء ، والحرائق الملتهبة، والخرائط الممزقة! فأيّ المعضلتين أشدّ تعقيداً، وأصعب حلاّ ؟ وأيّ الإرادتين، أجدر بالانتصار، في معارك التفكيك والتركيب: إرادة الذئاب المسعورة ، أم إرادة الرجال النبلاء !؟