لا فائدة من محادثات التسویة..الکیان الصهیونی یعانی الیوم من اضطرابات داخلیة
هذا التقرير هو الثالث من ثلاثة تقارير حول ما تمخض عنه المؤتمر السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني من نتائج والذي عقد مؤخراً في العاصمة الإيرانية طهران، وهو خلاصة لندوة عقدة في هذا الصعيد وقد حضرتها لجنة من مراسلي وكالة تسنيم الدولية للأنباء "پويا" وعدد من الناشطين والخبراء في الشأن الفلسطيني، وهذا الجزء يتضمن حواراً مع الخبير الاستراتيجي الدكتور سعد الله زارعي الذي هو أحد الشخصيات الناشطة على الصعيد الإعلامي والمتخصص بشؤون منطقة الشرق الأوسط بحيث حظيت آراؤه وتحليلاته الدقيقة باهتمام مختلف وسائل الإعلام العالمية.
* وجهة المؤتمر السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني
استهل الدكتور سعد الله زارعي كلامه بالحديث عن الوجهة التي تبناها مؤتمر دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني الذي عقد مؤخراً في العاصمة الإيرانية طهران، وأشار إلى أهم الخصائص التي ميزته عن المؤتمرات السابقة التي عقدت في هذا السياق وتلك التي عقدت حول القضية الفلسطينية بشكل عام في شتى أنحاء العالم، وقال: لقد عقد هذا المؤتمر لتعظيم فلسطين والإعلان عن عزتها وكرامتها، ويمكن القول بأن اختيار هذه الفترة بالتحديد يحمل رسالة للعالم تتضمن بيان الطريق الصائب الذي يجب وأن تجري فيه القضية الفلسطينية وكذلك السبيل الأمثل لبلدان المنطقة والعالم.
* الطرق الملتوية التي يدعو لها البعض حول القضية الفلسطينية
هناك ثلاثة آراء منحرفة مطروحة في العالم الإسلامي حول القضية الفلسطينية، لذلك أقيم مؤتمر دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني في طهران بغية تجاوز هذه الآراء وطرح رأي رابع ينصب في مصلحة هذا الشعب المظلوم ويضمن حقوقه.
وأما الآراء المنحرفة حول هذه القضية المصيرية فهي كالتالي:
- الرأي الأول: أن يوافق الفلسطينيون على الاعتراف رسمياً بإسرائيل كدولة دائمة تضمن حقوق المواطنين غير اليهود بحيث تمنحهم حقوقاً قانونية لكن لا تفسح المجال لهم في المشاركة السياسية في جميع المستويات، أي أنهم يحرمون حتى من عضوية البرلمان، وفحوى هذا الرأي أن الفلسطيني ليس سوى إنسانٍ في الدولة الإسرائيلية دون أن يمتلك أية حقوق أخرى، فهو مخول بالعيش فقط على أرض فلسطين.
هذه الرؤية عادة ما تطرح من قبل بعض الأوساط السياسية الغربية ويؤيدها من يتبنى الفكر الغربي، لذا يمكن اعتبار المواطن الفلسطيني هنا كفرد له حق الحياة فقط في حين أن مجتمعه لا يعتبر كأمة لها حق الحياة، إذ يسمح له بالعمل واقتناء ما يكفيه وأسرته من قوت وملبس فحسب، ولا يحق له حتى بالمشاركة في الانتخابات.
- الرأي الثاني:الاعتراف بالشعب الفلسطيني كأمة تقطن تلك الديار منذ عهود تأريخية، والاعتراف بإسرائيل كدولة رسمية.
الهدف من هذا الرأي هو أن الشعب الفلسطيني ليس له وجود قانوني وإنما هو مجرد شريحة اجتماعية تعيش تحت كنف الدولة اليهودية " إسرائيل " وفي هذا الحالة يمتلك المواطن الفلسطيني حق المشاركة في الانتخابات والعضوية في البرلمان وحتى تأسيس الأحزاب والعضوية فيها.
هذه الرؤية غالباً ما تطرح في البلدان العربية ولا سيما مصر والأردن، فحكومتا هذين البلدين عادة ما تدافعان عنها ناهيك عن أن بعض مكونات الشعب الفلسطيني أيضاً تدعو إلى ذلك ومن ضمنها بعض الشخصيات التابعة لسلطة الحكم الذاتي.
- الرأي الثالث: عدم إمكانية إدغام الشعب الفلسطيني في الكيان الإسرائيلي، أي أن أصحاب هذا الرأي يرفضون حق مواطنة الفلسطينيين في رحاب حكومة تل أبيب بالصورتين التي أشير إليهما في الرأيين الأول والثاني حيث يعتقدون بضرورة فرض سيادة حكومة فلسطينية في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية التي يمكن للفلسطينيين الإشراف عليها.
هذا الرأي في الحقيقة يطالب بحقوق للشعب الفلسطيني أكثر مما ذكر في الرأيين الأول والثاني، ولكنه لا يدعو إلى استرجاع الأراضي الفلسطينية المحتلة أو الاحتفاظ بما في يد الفلسطينيين حالياً، وإنما يؤكد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية فيما تيسر من الأراضي التي يمكن للفلسطينيين فرض سلطتهم عليها فحسب، ولو تأملنا في مضمونه لوجدناه مرتكز على اتفاقيتي أوسلو ومدريد كما أنه مطروح سابقاً بصيغة مختلفة من قبل بعض المكونات الفلسطينية.
* الطريق الصائب للقضية الفلسطينية (الرأي الرابع)
المؤتمر السادس لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني أعلن بكل صراحة: لا لهذه الآراء الثلاثة، بل يجب وأن يعيش المواطن الفلسطيني كأي مواطن آخر في العالم بحيث يتمتع بجميع حقوق المشروعة اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ودينياً، فهو إنسان كسائر البشر ومن حقه تأسيس نظام حكم بقيادة محلية وعلى أراضي آبائه وأجداده بحيث يسن القوانين ويشرع الأحكام المدنية الخاصة وفق متبنياته الفكرية والدينية كما هو الحال في كل بلد مستقل في العالم.
ومن الناحية التكتيكية فهذا الطريق لا يتسنى في الظروف التي تعصف بالأراضي المحتلة سوى من خلال إحياء الانتفاضة، لذا فإن جميع المسلمين ولا سيما الفلسطينيين مكلفون بدعم هذه الانتفاضة لأجل إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني المظلوم وفرض سيادته الشرعية على أراضيه، والأسلوب الذي يجب وأن تتقوم عليه هو مدني وفي بعض جوانبه مسلح، أي كفاح مدني مسلح.
* نموذج الكفاح الإيراني
البلد الوحيد في العالم الذي يدعم الانتفاضة الفلسطينية بكل ما أوتي من قوة دون أية خشية أو وجل، هو إيران التي يحكمها نظام جمهوري إسلامي، وفي هذا السياق أكد قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمى السيد الإمام علي الخامنئي (حفظه الله) أن طهران ستدعم كل مكون فلسطيني يناضل من أجل تحرير أراضيه وإحقاق حقوق شعبه بغض النظر عن الإيديولوجية التي يتبناها.
هذا الموقف العظيم إلى جانب مواقف سائر المسؤولين ولا سيما رئيسا الجمهورية والسلطة القضائية والتي لمسناها بشكل عملي في المؤتمر، ينم بوضوح عن أن دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني ليس سوى موقف سياسي بحت، وإنما هو عبارة عن منظومة فكرية متناسقة يراد منها تحقق هدف سامٍ ألا وهو دعم جميع الحركات الفلسطينية المدافعة عن أرضها وأهلها، ولا فرق في ذلك بين حركة الجهاد الإسلامي أو حماس أو فتح أو القيادة العامة، فهذه الحركات ومن يسير على نهجها، تهدف إلى إقامة العدل والقسط في الأراضي الفلسطينية.
* محادثات التسوية مع الصهاينة وصلت إلى طريق مغلق
من المؤكد أن كل حوار سياسي يجب وأن يقوم في الأساس على الاعتراف بالطرف الآخر ولو بشكل مبدئي، ولكن إن اعتبر أحد الطرفين غريمه بأنه غير معترف به رسمياً من المؤكد أن نتيجة ذلك انعدام الثقة وعقم الحوار، كذلك لو كان الطرف الأول قوياً والآخر ضعيفاً فلا فائدة من الحوار إذ إن الطرف الأول بإمكانه التنصل من وعوده بسهولة وبكل استهتار، وهذا ما فعله الصهاينة، إذ إنهم لم يقصدوا من محادثات التسوية سوى كسب امتيازات من الجانب الفلسطيني ناهيك عن أنهم كانوا يضعون الشروط المسبقة للمحادثات بحسب ما تقتضيه منافعهم لكونهم الطرف القوي.
وهذا الأمر أشار إليه السيد قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي (حفظه الله) خلال كلمته القيمة التي ألقاها في افتتاح المؤتمر، ونستشف من كلامه أن محادثات التسوية لم تثمر عن أي شيء يذكر لكونها لم ترتكز على التفاهم وحسن النية، فأحد طرفي الحوار محتل ومغتصب لأراضي الطرف الآخر، وهناك طرف دخيل يحاول التفاوض نيابةً عن الطرف الثاني المغتصبة حقوقه؛ لذا لا فائدة من هذا الحوار، كما نستنتج من كلام سماحته أن الفلسطينيين أنفسهم لا يخول لهم بأن يكونوا طرفاً مباشراً في الحوار ناهيك عن أن البلدان الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الأوروبية وبعض البلدان العربية والإسلامية لا ترغب في الحقيقة بزوال الكيان الصهيوني من الوجود، لذا فإنهم ليسوا راغبين في الحقيقة إعادة الحق إلى أهله وإنقاذ الشعب الفلسطيني من المآسي التي يعاني منها.
إذن، الشعب الفلسطيني في الحقيقة لا يعاني من ظلم الصهاينة فحسب، وإنما يواجه ظلماً وجوراً من قبل الأمريكان والبريطانيين والألمان والفرنسيين والسعوديين والأتراك، وكل بلد يدعم إسرائيل، وعلى هذا الأساس فلا فائدة من الجهود الدولية لحلحلة القضية الفلسطينية، وبالتالي لا فائدة من محادثات التسوية، وتجربتا أوسلو ومدريد أثبتتا هذه الحقيقة.
* مستقبل الكيان الصهيوني
لو تتبعنا الظروف التي واجهها الكيان الصهيوني منذ تأسيسه لوجدنا أنه في العقود الخمسة الأولى حقق نجاحات على الأرض وتمكن من إيجاد حكومة سياسية وقوات عسكرية قوية مقارنة مع قوى البلدان المجاورة، ولكنه في العقدين الماضيين بدأ يتراجع عن ذلك وعلى مر الأيام تضاءلت قدراته واتضحت الصورة الحقيقية لسلطتيه السياسية والعسكرية.
السيد حسن نصرالله قائد حزب الله في لبنان أعلن مؤخراً بأن المقاومة قادرة على ضرب مفاعل ديمونا النووي، وإثر ذلك حدثت ضجة كبرى في الأراضي المحتلة وشعر الصهاينة برعب ورهبة شديدة، فهذا المفاعل الذي كان يعتبر يوماً نقطة قوة للصهاينة أمسى اليوم نقطة ضعف تؤرقهم، وأعتقد أنهم سيضطرون مستقبلاً للانضمام في عضوية معاهدة حظر الأسلحة النووية N P T لكي يوفروا لأنفسهم دعماً دولياً، وهذا الأمر إنما ينم عن مدى قلقهم البالغ ولكنه مع ذلك لا يمكنه أن يكون حلاً ناجعاً لأزمتهم فالمقاومة ليست طرفاً في هذه المعاهدة لكي تلتزم بمقرراتها.
أضف إلى ذلك أن الكيان الصهيوني يعاني اليوم من اضطرابات داخلية محتدمة واعتراضات واسعة وحتى أكثر المناطق التي كانت آمنة سابقاً أصبحت اليوم ساحة للشغب والفوضى مثل تل أبيب وحيفا، وهذا الأمر هو الآخر دليل بارز على هشاشة هذا الكيان اللقيط، كما أن الشعب الفلسطيني اليوم يمتلك ثقة أكبر بنفسه ولم يعد يخشى من اتخاذ أي إجراء لاسترجاع حقوقه المسلوبة.
* الدعم الغربي للكيان الصهيوني
الأراضي الفلسطينية الخاضعة لسلطة ما يسمى بدولة إسرائيل تعتبر منطقة استراتيجية هامة بالنسبة إلى البلدان الغربية إذ بإمكانها السيطرة على البلدان الإسلامية من خلالها، لكن المواطن الغربي لم يعد يكترث بذلك، وهذا الأمر جعل الساسة الغربيين الداعمين للصهاينة ينتهجون منهجاً آخر بعيداً عن إرادة شعوبهم إثر الضغوط التي يتعرضون لها من قبل اللوبي الصهيوني الذي لديه نفوذ أخطبوطي في الولايات المتحدة الأمريكية وبعض البلدان الأوروبية، لذا فإن الدعم الغربي لإسرائيل لا يعتبر موقفاً وطنياً ولا ينسجم مع مصالح شعوب تلك البلدان، بل هناك تضاد في الحقيقة بين مصالح الطرفين؛ وهذا الأمر يعد مؤشراً خطيراً على مستقبل الدعم الغربي لهذا الكيان اللقيط فلو اضطرت البلدان الغربية لأن ترجح مصالحها الوطنية على مصالح الدولة الإسرائيلية المزعومة سوف يضمحل المد الصهيوني ولا تبقى لهم أية قيمة على الساحة العالمية.
/ انتهى/