اخبار العراق الان

الشاورما والاندماج قصة تستحق أن تروى

الشاورما والاندماج قصة تستحق أن تروى
الشاورما والاندماج قصة تستحق أن تروى

2017-03-07 00:00:00 - المصدر: ترك برس


إبراهيم دوجوس - الجزيرة الإنجليزية - ترجمة وتحرير ترك برس

صارت محلات الشاورمة منتشرة للغاية في كثير من دول غرب أوروبا على مدى السنوات الخمسين الماضية لدرجة تجعل من السهل نسيان أنها كانت ذات يوم أمرا غريبا وغير معتاد.

تختلف محلات الشاورما من بلد إلى آخر، ولكنها موجودة في كل مكان في جميع أنحاء المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها.

أما الطريقة التي أخذت بها هذه المحلات شكلا مؤسساتيا، وصارت سمة من سمات ما لا يحصى من المدن والبلدان، بحيث تحولت إلى أمر عادي، فتكتشف عن كيفية اندماج الجاليات التي جلبتها الشاورما إلى أوروبا الغربية.

يمكن النظر إلى صناعة الشاورما في كثير من الحالات، وهذا ما أعتقده، على أنها مثال ناجح للاندماج، فقد نجحت الجاليات المهاجرة من خلال العمل الجاد والأفكار الجديدة المبتكرة في أن تدمج نفسها في النسيج الاقتصادي والاجتماعي في مجتمعاتها المستقبلية.

إن وجود صناعة الشاورما في أوروبا الغربية في الوقت الحالي بات أمرا لا يرقى إليه الشك، حتى وإن كان يحلو للبعض أن يشكك في وجود من جلبوا الشاورما معهم. بمرور الوقت تغير وضع الشاورما، فتحولت  من شيء غريب لتصير الأكلة الرئيسة في المملكة المتحدة على الأقل  بالنسبة إلى معظم الساهرين في أوقات الليل المتأخرة. وخلال السنوات الأخيرة خضعت محلات الشاورما لشيء من التغيير مع تزايد أعداد المقبلين على تناول الشاورما على المقاعد.

وقد تفاعل تطور وضع الشاورما مع المجتمع من حولها. وتذكرنا قصة الشاورما في بريطانيا بنضال المهاجرين ونجاحهم في عصر البريكسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي). وهناك طريقة أخرى نمت بها محلات الشاورما في بريطانيا، وهي أن هذه المحلات لم يعد يملكها ويديرها فقط ذوو الأصول المهاجرة من الأتراك والأكراد والقبارصة المعروفين تاريخيا بصناعة الشاورما، حيث نجد اليوم أن أكثر محلات الشاورما نجاحا في بريطانيا هي من يديرها أشخاص لا تربطهم أي صلة "عرقية" بالمأكولات الأناضولية والشرق أوسطية.

في الواقع لا توجد طريقة واحدة للشاورما، وهي تختلف من بلد إلى آخر، فالشاورما الألمانية تختلف تماما عما وجدناه في فرنسا أو ما يتناول في بريطانيا.

اندماج في الاتجاهين

هذا التنوع يشير إلى عملية اندماج ذات اتجاهين، فقد تأقلمت الجاليات المهاجرة واندمجت في الثقافات التي عاشت فيها، لكنها شاركت أيضا في عملية التواصل، وجلبت معها أفكارا وعناصر ثقافية جديدة.

لن تكون برلين هي نفسها برلين من دون الجاليتين التركية والكردية، وبالمثل لن يكون شمال لندن بدونهما. لقد تجاوزت صناعة الشاورما في بريطانيا خلفيتها العرقية، مثلما تجاوز الكاري ذلك من قبل، وبهذه الطريقة تحمل الشاورما المتواضعة رسالة قوية عن الكيفية التي يمكن أن يعمل بها الاندماج، فالشاورما تميز الوافدين الجدد بنفس القدر الذي تميز به المتلقين.

والأكثر من ذلك أن الشاورما صارت عنصرا رئيسا في الحياة البريطانية يخبرنا بشئ أساس عن إنسانيتنا المشتركة. ومن خلال وجبة بسيطة من اللحم المشوي والخبز الساخن صار وجود الجاليات في المملكة المتحدة الآن أمرا عاديا بعد أن كان محل جدل في السابق.

في بريطانيا بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وحيث تتصاعد كراهية الأجانب والإسلاموفوبيا، يجدر بنا أن نذكر أنفسنا بقصة الاندماج الإيجابية تلك. علينا أن نتأكد أن هذه الصوت الإيجابي يتردد بقوة؛ لأن هناك أصواتا أخرى تقود المملكة المتحدة وكثيرا  من أنحاء العالم إلى طريق أكثر قتامة، حيث تهدد الإسلاموفوبيا القيم الأساسية لمجتمعاتنا، مثل التسامح والاندماج، وهي قيم جعلت من تلك المجتمعات مجتمعات عظيمة.

وعلى ذلك فإن من المشجع رؤية محلات الشاورما في كل مكان، وقد تجاوزت أصولها العرقية، وباتت جزءا لا يتجزأ من المجتمعات في أوروبا الغربية. وفي الوقت نفسه علينا أن لا ننسى الأصول المهاجرة لهذا الطعام في ضوء كل ما يحدث الآن، ودعونا لا ننس أن هذه الأكلة ولدت من رحم نضال مجتمع مهاجر.

الشاورما وحل النزاعات المحلية

في قصة الشاورما في بريطانيا هناك ما هو أكثر من الاحتفاء بالاندماج الناجح في المجتمع المهاجر، فقد إدرك الأتراك والأكراد الذين دخلوا في صراع في بلدهم منذ عقود، من خلال خبرتهم المشتركة في بريطانيا أن ما يجمعهم أكثر مما يفرقهم. وتجد اليوم الأتراك والأكراد يعملون معا، ومن الممكن أن تجد أيضا مجموعة كبيرة من خلفيات مختلفة تعمل معا في صناعة الشاورما في المملكة المتحدة.

وعلى أساس هذا النجاح يتجه الأتراك والأكراد والجاليات الأخرى الذين عرفوا بالشاورما ومحلاتها في بريطانيا إلى ما بعد هذه الصناعة، حيث يمكنك أن تجد الأتراك والأكراد يعملون في جميع المجالات، وفي مجموعة واسعة من القطاعات، من أصحاب مطاعم الشاورما إلى المحامين أو السياسيين، مثلهم مثل أي مجموعة أخرى في البلاد. يفتخر الأتراك والأكراد بأنهم جلبوا صناعة الشاورما إلى بريطانيا، لكنهم لم يعرفوا بها فقط.

وهنا تكمن أهمية الانخراط في تشكيل الرواية التي تتناول مساهمة جالية معينة في المجتمع، والسبب في ذلك أن كثيرا من عمال مطاعم الشاورما كانوا في مرحلة ما عرضة للتعليقات العنصرية وكراهية الأجانب. نريد أن نتحدى تلك المواقف، وأن ينظر إلى صناعة الشاورما بوصفها مساهمة مهمة من الجاليات التركية والكردية والقبرصية في الثقافة البريطانية، وهي مساهمة تجعل البريطانيين من جميع الخلفيات العرقية يستمتعون بها.

نريد أن يحظى من يعملون في هذا القطاع، بغض النظر عن خلفياتهم العرقية، بالاحترام والتقدير. فهذه الصناعة تسهم إسهاما كبيرا للاقتصاد البريطاني، فمنذ أول مطعم للشاورمة في أربعينيات القرن الماضي اتسعت هذه الصناعة لتصل إلى 3.4 مليار جنيه استرليني، وتوظف قرابة 200 ألف شخص في المملكة المتحدة.

نريد أن يشعر المنحدرون من أصول تركية وكردية ويعيشون في بريطانيا بالفخر بإنجازات جالياتهم، وأن يتمكنوا أيضا من متابعة المسار الذي يختارونه في هذا البلد.

وفي الختام أقول إن العمل على كتابة قصة المجتمع الذي نتشارك فيه لا ينتهي أبدا. دعونا نؤمن بفكرة أنك سواء كنت أبيض أو أسود، أفريقيا أو أسيويا يمكنك أن تحقق طموحاتك في بريطانيا أيا كانت هذه الطموحات، من تقديم الطعام الشرق أوسطي الرائع للمحتفلين الجائعين إلى التفوق في القانون أو الفنون أو العلوم أو أي شئ آخر.