محلل: روسيا لا ترغب في صدام أميركي كردي - تركي شمال سورية
ترك برس
رأى الكاتب المحلل السياسي، جورج سمعان، أن روسيا نأت بنفسها عما يجري في مدينة منبج شمالي سورية، لأنها لا ترغب في صدام أميركي كردي - تركي قبل اتضاح مستقبل علاقاتها مع الإدارة الأمريكية الجديدة.
وفي مقال له بجريدة الحياة اللندنية، قال سمعان إن جميع الأطراف المعنيين بالحرب في الرقة أمام خيارات صعبة، مبينًا أن الإدارة الأميركية الجديدة تحاول عبثاً حتى الآن التوفيق بين الكرد وتركيا، خصوصاً في سورية، وترغب في التعاون بين الطرفين، لكن المسألة معقدة.
وأضاف سمعان: "هذا ما دفعها إلى دخول منبج لقطع الطريق على أي مواجهة بين الطرفين. أرسلت وحدة مدفعية من مشاة المارينز لمساندة قوات سورية الديموقراطية وجلها من وحدات الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي ترى إليه أنقرة ذراعاً لحزب العمال المصنف إرهابياً أميركياً وأوروبياً وتركياً بالطبع".
وأشار إلى أن هذه الوحدة على قلة عديدها تشي صراحة بأن واشنطن تريد توكيد قدرتها على تحرير "عاصمة الخلافة" من دون الحاجة إلى سند تركي، أو أن هذا السند يجب أن يظل في إطار قيادتها، مبينًا أن واشنطن تريد أيضاً أن تأخذ زمام المبادرة لحسم المعركة ميدانياً، تماماً مثلما أشرفت روسيا على إنهاء معركة حلب. بالطبع لا ترغب في مشاهدة الرئيس رجب طيب أردوغان يذهب بعيداً في "شراكته" مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وبرأي للكاتب، فإن الرئيس التركي هو الآخر يخوض امتحان خيارات صعبة. يعول على تصحيح العلاقات مع واشنطن بعدما شابها فتور كبير أيام إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وقدم جملة من التصورات والخطط للتعاون في تحرير الرقة. لكنه سرعان ما فوجئ بالعلم الأميركي يرفرف في منبج. وأدرك أن للرئيس ترامب تصوراً خاصاً.
بل بدأت دوائر في حكومته ترتاب في أن الولايات المتحدة ربما تعمل على إقامة منطقة آمنة للكرد السوريين شرق الفرات تسهل لها حضوراً قوياً في بلاد الشام. والأخطر أنها تعي تماماً أن قيام كردستان جديدة شمال شرقي سورية تخضع لنفوذ عبدالله أوجلان يفاقم مشكلتها مع الأكراد في الداخل وعلى الحدود.
هي تتعايش مع كردستان العراق حتى الآن لأنها تعول على تنسيق واسع مع رئيس الإقليم مسعود بارزاني. فالأخير يحتاج بدوره إلى توسيع دائرة تحالفاته لمواجهة صعوبات مصيرية. إنه على خلاف مع بغداد، ومع شركاء لدودين في الإقليم من حزب الاتحاد الوطني و"حركة التغيير"، وأخيراً مع "حزب العمال" الذي بات يقتطع مساحات واسعة في سنجار ومحيطها إلى داخل سورية في مناطق سيطرة "وحدات حماية الشعب"، وينسق مع "الجيش الشعبي" العراقي.
لذلك لا يجد أردوغان بديلاً من مواصلة نهج التوجه نحو روسيا التي قدمت له دعماً في حسم معركة الباب بعد أشهر صعبة لم تحرك فيها قوات التحالف الدولي ساكناً لمده بالعون اللازم. لكن مشكلته أنه لا يمكن أن يجمع بيد واحدة بين القطبين الأميركي والروسي، علماً أن الطرفين قد يقبلان على مواجهة حول الدور الإيراني في المشرق العربي كله، إذا لم يتوصلا إلى تسوية أو صفقة تبدو بعيدة المنال حتى اليوم.
وهو إنما يخوض صراعاً لتقليص نفوذ طهران، ولا يمكنه المغامرة في الخروج من حلف شمال الأطلسي مهما بالغ في التقرب من موسكو وفي توتير علاقاته مع أوروبا وألمانيا بالتحديد. علماً أن الكرملين اقترح صيغة دستور جديد لسورية يمنح الكرد ما يشبه الحكم الذاتي. ومعروف أنه اقترح في مناسبات سابقة صيغة فيديرالية. وهو ما لا يروق لأنقرة.
واعتبر الكاتب أن "الخيارات تضيق أيضاً أمام الرئيس بوتين، هناك تشكيك بأن تدخل قواته العسكرية وما حقق للنظام السوري من أرجحية ميدانية لم يترجم حتى الآن قدرة على تسويق تسوية سياسية ترغم شريكيه السوري والإيراني على القبول والانصياع لمشروعه أو خططه. وهو يدرك أن أي تفاهم محتمل مع واشنطن سيدفعه إلى مواجهة مع هذين الشريكين.
فالإدارة الأميركية الجديدة لن تقبل ببقاء الرئيس الأسد، وتنادي من اليوم بوجوب خروج القوات الإيرانية وميليشياتها من سورية. وهي دعوة حملها إليه أخيراً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي أعلن أنه لا يمكن القبول بأن "يحل الإرهاب الإيراني مكان إرهاب داعش والنصرة". وطالب موسكو بضمانات لمرحلة ما بعد التسوية في سورية وأولها منع الجمهورية الإسلامية من تعزيز وجودها في بلاد الشام. وهو ما لا يقدر عليه الكرملين من دون المجازفة بعلاقاته مع طهران. أي أن التفاهمات التي كانت قائمة بين الرئيس بوتين ونتانياهو حتى الآن تواجه وضعاً جديداً الآن.
ولا يمكن الزعيم الروسي في التحولات الجديدة التوفيق بين مطالب إسرائيل وطموحات إيران. أبعد من ذلك كان لافتاً أن موسكو أدت دوراً وسيطاً، في اجتماع أنطاليا الثلاثي لقادة الأركان الأميركي والروسي والتركي. نأت بنفسها عما يجري في منبج لأنها لا ترغب في صدام أميركي كردي - تركي قبل اتضاح مستقبل علاقاتها مع الإدارة الجديدة. علماً أنها لم تعد تعلق آمالاً واسعة على تنسيق أو تفاهم مع واشنطن، أقله في المدى المنظور.