أحوال المدنيين العرب في الحروب
إننا نرى بوضوح في أيامنا هذه أن القوات النظامية في أكثر من بلد عربي أبتليَ بخريف العرب باتت تقصف تجمّعات المُسلّحين المعارضة بأسلحة برّية وجوّية بشكل مستمر ومتواصل وعلى مدى سنوات، وذلك من دون أدنى اكتراث بالضحايا المدنيين الذين تجاوزت أعدادهم عشرات الآلاف.
المعارضة المسلحة مزودة بصواريخ برّية وجوّية
كل ذلك بحجّة القضاء على المجموعات المُسلّحة غير الشرعية تارة ومكافحة الإرهاب تارة أخرى، هذا وطبعاً من دون أن تغيب الرؤية المقابلة المُتمثّلة في أفعال العديد من المجموعات المُسلّحة، مُتعدّدة الولاءات لقوى اقليمية ودولية، والتي تحارب بالسلاح أنظمة حُكم بلدانها،بحيث لم تقصّر هي الأخرى في قصف التجمّعات المدنية بصواريخ قديمة وأخرى غير دقيقة بالإضافة إلى عبوات ناسفة وأجساد مُفخّخة، ما أحدث وما يزال خسائر بشرية فادحة في صفوف المدنيين،لا تقل فظاعة ووحشية عما أحدثته جيوش الأنظمة، والتي مجتمعة قتلت من المدنيين العرب الأبرياء أكثر بكثير مما قتله منهم الغُزاة الصهاينة أو التحالف الغربي أو مما قُتل في الحربين العالميتين الأولى والثانية.ونجد الأمر نفسه واضحاً بجلاء أيضاً في مسار حروب ومعارك قوى التحالفات الغربية بقيادة الولايات المتحدة ضدّ المدنيين في عدد من الدول العربية والإسلامية، وذلك تحت ذريعة محاربة الإرهاب تارة ومحاربة النظم المستبّدة ذات (أسلحة الدمار الشامل) تارة أخرى، ما أفضى لاحتلال دول وفقدانها لسيادتها الوطنية كما ترتّب عليه شيوع (الفوضى الخلاّقة) بين فئات وطوائف ومذاهب العرب الذين باتوا من جديد تحت سلطات احتلال غربي (صهيوني) غاشم ليس له أي شرعية البتّة، وترتّبت عليه أيضاً إثارة الفتن الدموية بين مكوّنات المجتمع العربي المسلم وإشعال حروب ومعارك طائفية ومذهبية ما تزال مستعرة ومستمرة حتى الآن، بحيث ذهبت بأرواح الآلاف وتدمير أعيانهم المدنية وتراثهم الحضاري كالمكتبات الوطنية التي هي السجلّ الحضاري لمنتجات العقول من كتب ومخطوطات ودوريات ومواد سمعية وبصرية وخرائط، وتدمير الممتلكات الأثرية والتحف النادرة الدالّة على عظمة الحضارات التي توالت على أرض العرب وسرقتها وبيعها في أسواق عالمية للصوص والتجّار والمافيات العالمية.ما سبق ذكره كله يرجع إلى غياب ثقافة وأدب وأعراف وقواعد الحروب عن الجيوش والمجموعات المسلحة المنخرطة في هذه الحروب العبثية، فضلاً عن عدم تحكيم قواعد وسلوكيات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف المُلزِمة، وانعدام الحدّ الأدنى لحقوق الإنسان العربي في الحياة والعيش والكرامة والحرية والحق في الرأي والتعبير وتأسيس الجمعيات والأحزاب والتجمّعات والتنظيم المدني وانتقال السلطة وتداولها سلمياً وبالوسائل والطرق الديمقراطية، هذا بالإضافة إلى غياب أيّة تجربة صادقة لأيّة انتخابات برلمانية ورئاسية حرّة ونزيهة تحت إشراف دولي مُحايد وأمور أخرى مماثلة.
وهذه هي نفس الأسباب التي تقف وراء عودة قوى كبرى وإقليمية غربية وصهيونية (إسرائيل) ونُظم وحركات سياسية ومجموعات مُسلّحة عربية عديدة إلى عصور الظلام وشريعة الغاب، بكلّ ما تحمله من ثأر وقتل ودمار وقطع أعناق وحرق أسرى وجرحى عسكريين ومدنيين، وهي مجازر وجرائم تُصنّف ضمن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب، والتي هي جرائم من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، والتي لا تتقادم مع مرور الزمن.
وسيخضع إن شاء الله كلّ مُرتكب سياسي وعسكري لها للمُقاضاة الدولية، طال الزمان أم قصر، وذلك في ضوء شيوع مبدأ الاختصاص الجنائي أو القضائي الدولي الذي باتت تطبّقه في محاكمها ما يقرب من خمسين دولة، وهو اختصاص يتيح لأية محكمة أو قاضٍ في هذه الدول إصدار مذكرة قبض أو توقيف ضدّ كل شخص ارتكب أو ساهم في ارتكاب جريمة من تلك الجرائم في أي مكان من العالم، ما يعني أن تطوّر القضاء الإنساني لحماية المدنيين بات الآن أكثر من أي وقت مضى يُقلق راحة وبال القوى والمجموعات التي تمتهن قتل المدنيين في أي مكان من الدنيا، طبعاً من دون أن نُغفل طابع المحكمة المُسيّس والذي سوف يكون دائماً متأثراً بحسابات المصالح للدول الكبرى وتغليب طرف على حساب الآخر.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً