نبيذ قديم.. بزجاجات جديدة
عمار الحديثي - خاص ترك برس
لو صح لك القيام بجولة في العراق الآن.. (سيكون بالفعل إنجازًا أن يُسمح لك بفعل ذلك)، وسألت الناس العاديين الذين لا ينتمون لفئة المحللين السياسيين عن سبب الوضع المزري الذي يعيشه البلد.. سيُجمع الناس كما لا يُجمع أهل العراق عادة على أن الحكومة الحالية والسابقة هي السبب الحقيقي وراء ما وصل إليه العراق الآن من احتلال المراكز الأولى عالميًا في الفساد والتخلف وغياب حقوق الإنسان.
لقد أثبتت المجموعة المتواجدة في العملية السياسية، فشلًا ذريعاً في تحقيق أي تقدم حتى لو كان بسيطًا في كل المجالات. فكل الأحزاب الموجودة الآن، أخفقت بكل المقاييس المعمول بها في بلدان العالم المعمورة منها والمخروبة، فلا الإسلاميون استطاعوا تقديم نموذج "عمر وعلي" في النزاهة والعدل، ولا العلمانيون منهم قدموا النموذج الأوروبي في الحداثة، لكن ما الذي جعل هذه الطبقة تبقى في السلطة حتى الآن؟!
ربما يكون اللعب على عواطف الناس ومخاوفهم واحتياجاتهم هو العامل الأبرز، فالفارق بين الإخفاقات والإنجازات كما بين السماء والأرض.
انظر إلى الأحزاب الشيعية مثلًا، فالمناطق الجنوبية لا تعاني من الإرهاب الذي تعاني منه المناطق الساخنة (وهي ذريعة الحكومة في منع الخدمات عن منطقة بعينها)، إلا أن منطقة الجنوب ما زالت تفتقر لأبسط حقوقها الخدمية وتعاني من تردٍ كبير على في مستوى الخدمات المقدمة إن قُدمت، إذن كيف تستطيع الأحزاب المنتمية لتلك المناطق البقاء في الحكم؟! والمحافظة على حاضنتها الانتخابية؟!
المراهنة على مخاوف الناس هناك وتخويفهم من عدو مريع هو العنصر المستخدم دائما، قد يكون العدو هو من يتغير قليلًا باختلاف المرحلة: مرة داعش والبعث مرة أخرى، هو الإرهاب السني في أغلب الأحوال..!
أما فيما يخص الحالة السنية (وبمناسبة الاجتماع الذي تم عقده مؤخراً في أنقرة) نظرة واحدة تكفي لمعرفة ان جميع الحضور قد تمت تجربتهم في الساحة السياسية لمرات عدة على أقل تقدير، لم يحققوا فيها الحد الأدنى من الشعارات التي رفعوها هم بأنفسهم، ليس ذلك فقط، وإنما جرَّت اختياراتهم لكوارث وويلات أصابت جمهورهم في مقتل.
تجربة الكيان الجديد يذكرنا بالتجمع الذي أنشأه إياد علاوي عام 2010، كانت تسويق تلك المجموعة (التي خرجت من دورة انتخابية فاشلة) قد تم بطريقة جديدة مستحدثة، تحالف قيل عنه إنه سيحل كل المشاكل في العراق وسيتخطى الحساسية الطائفية، لكن ماذا حصل بعد ذلك؟
كانت النتيجة كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى... معرفة ان إحدى مخلفات هذا التحالف هو عالية نصيف، أكبر دليل على هذا..!
انتخابات 2018 تشهد نفس المحاولة، والتسويق رغم اختلاف الشكل، لكنه يسير على نفس القاعدة القديمة في محاكاة متطلبات ومخاوف السنة وطموحاتهم، ويبدو أن الطائفية اليوم هي الزجاجات الجديدة التي سيتم بها تسويق النبيذ القديم الذي شربه أهل المحافظات الستة حتى القيء..!
العناصر التي اجتمعت لإنشاء التحالف الجديد على أية حال، تثير تساؤلات قد يطرحها الناخب مع نفسه:
- ما هو الجديد الذي سيقدمه التحالف الجديد بحيث يخرج الناخبون من بيوتهم المدمرة الى مراكز الانتخاب (التي تمت العناية بها جيداً وإعمارها قبل أي شيء آخر)؟
- لا يكاد حزب أو تجمع من الأعضاء المتجمعون في "اجتماع أنقرة" يختلف اختلافا بينًا عن نظراءه في الاجتماع نفسه، كيف حصل هذا التجمع إذاً؟ وهل شعر المسؤولون فجأة بحقوق ناخبيهم فقرروا (عن حسن نية) الاجتماع معًا ونسيان الخلافات (والثارات القديمة)؟!
- هناك بعض المفارقات تخص بعض الحضور في "اجتماع أنقرة" فبعضهم لا يتخذ قرارًا إلا بعد استشارة طهران، فما الذي ذهب بهم إلى أنقرة؟!
إن توقع أداء بعض أعضاء التحالف الجديد (المجربين) بعد وصولهم إلى الحكم (أو بقاءهم فيه بعبارة أصح) قد لا تحتاج إلى دكتوراه في الفيزياء النووية! فهم موجودون في الحكم منذ 2003.
إن حال العراق اليوم لا يحتمل تجربة مأساوية أخرى قد تؤدي إلى فشل عام يودي بكل أعضاءه ويرمي به في نقطة اللاعودة، ووضع السنة اليوم خصوصًا لا يحتمل وجود عاهات سياسية جديدة تريد أن تبيع بضاعتها المزجاة على مواطني المحافظات التي أُرهقت كثيرا واستنزفت بفعل المعارك التي جرت على أرضها مقابل بقاءها خلف أسوار المنطقة الخضراء وتتنازل عن حقوق أهلها تحت ذريعة أخف الضررين.
قد يقول البعض إنه لا خيار آخر أمام سنة العراق سوى هذا الحل، الحقيقة غير ذلك، فالعراق لا يحتاج الى مكون طائفي جديد حتى لو كان سنيًا لاستعادة عافيته من أمراض الطائفية، الحاجة تكمن في كيان وطني عابر للطائفية التي أنتجتها العملية السياسية عقب الاحتلال عام 2003.
قد لا يكون الغباء في العجز عن إيجاد حلٍ لمشكلةٍ ما، لكن الحماقة تكمن بتوقع نتائج جديدة باستخدام حلولٍ استُخدمت 4 في دورات انتخابية سابقة، أو كما يقول نيوتن..!