اخبار العراق الان

خيول بيروت.. إدمان الفقراء على حلبة الملوك

خيول بيروت.. إدمان الفقراء على حلبة الملوك
خيول بيروت.. إدمان الفقراء على حلبة الملوك

2017-03-16 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين


لم يعد ميدان الخيل في بيروت مقصد الطبقة الأرستقراطية، بعدما دخله "البلطجية"، هذا التعريف الملصق اليوم بزوار الميدان، يتداوله الروّاد أنفسهم للدلالة بعضهم على بعض. ما الذي تغير داخل الميدان التراثي الذي أنشئ منذ 100 عام؟ وماذا يقول "مدمنو" المراهنة؟

ميدان الخيل في بيروت

6DKLvG9r_Tg

ثمة شيء لا يتغيّر في آحاد بيروت. هنا، داخل المنطقة الحرجية التي هربت من الإسمنت والباطون، تجري المراهنات على الخيول. لن يطول الوقت حتى يملأ الحماس الهواء وتتصاعد الشتائم.أمام مدخل ميدان الخيل تصطّف سيارات، جزء كبير منها لسائقي "التاكسي". بعض زوّار الميدان إمّا ورث هواية المراهنة على الخيول من أبيه أو بفضل صديق أرشده إلى الطريق لمرة واحدة. يسارعون إلى الدخول قبل الثانية ظهراً للرهان على حظّهم في الأشواط السبعة، والرهان أيضاً على السباق الذي يجري في فرنسا. لا تمنع الأمطار الغزيرة ودرجة الحرارة المتدنية روّاد هذا المكان من الحضور. لا شيء يمنعهم.
يطغى على الجو الطابع الرجولي. رائحة الكحول تملأ المكان. هذه الرائحة طغت على تاريخ الميدان الحافل بالأحداث، مرحلة الانتداب الفرنسي والحرب الأهلية اللبنانية والاجتياح الإسرائيلي. بين زمنين استطاعت الخيول جذب الأغنياء والفقراء.
داخل الميدان، كل شخص منهمك بحساباته المعقّدة والدقيقة. عليه في النهاية أن يختار الحصان الأقوى الذي يصل أولاً إلى خط النهاية. السؤال الوحيد المتداول هنا، من هو الحصان الذي سيكسبهم المال؟ 
يقف المراهنون أمام شبّاك التذاكر للرِهان، ولكنهم يدركون خسارتهم مسبقاً، وحتى لو ربحوا فالمردود المادي قليل. تعلّقوا بالمكان الذي لا يتردّدون في وصفه بـ"الإدمان". معظم من يأتي إلى هنا، لا يتجرّأ على إبلاغ عائلته بالأمر. يبتعدون عن الكاميرا والإعلام كي يبقو ا خارج كادر الصورة. ما إن يبدأ الشوط حتى يتأهّب الجميع. بصمت لا يخلو من العصبية يقتربون من المدرج. يرتفع الحماس ويتصاعد تدريجياً كلما اقتربت الأحصنة من خط النهاية. يرتفع "الأدرنالين" في الوجوه المُسنّة. تعلو الهتافات. تنكمش الأيادي. تتوحّد الانفعالات على المدرجات ويطغو الصراخ والشتائم على ما عداها.  "Allez Allez…" كلمة تتكرّر بما يُشبه هستيريا جماعية، وهي كلمة موروثة من مرحلة الانتداب وتعني بالفرنسية "هيّا هيّا". البعض يفرح بانتصار قد لا يدوم في الجولات التالية، فيما العبوس يجتاح وجوهاً أخرى، ولكن سرعان ما يبدأ التفكير بالرهان التالي.
أحد رواد السباق "المخلصين"، منذ 50 سنة، يأتي كل أحد حاملاً معه الكحول وفي جيبه غلة ما ربحه من بيع التفاح على عربته التي يطوف بها الشوارع نهاراً. "آتي إلى هنا عارفاً أنني سأخسر، لدرجة أنني عندما أربح أتفاجأ" يقول. هو يدرك خفايا المراهنة والفساد الذي يحصل هنا. قديماً كان الدخول إلى ميدان الخيل حكراً على الطبقة الأرستقراطية، أما اليوم  فهو مقصد "للنّوَر"، على حد قوله.
التحوّل الواضح داخل ميدان الخيل، ليس أمراً خفياً، بل يدرك ذلك الأمر رواده. أحد صحافيي جرائد السباق، وهو شخص يراقب تدريبات الأحصنة خلال الأسبوع ، وبناء على ذلك يقيّم أداء كل حصان، يتحدث عن متغيرين إثنين. الأول هو في الطبقة التي تقصد السباق وغالبيتها ما دون المتوسطة، ويُطلق عليها "مدمني اللعب" . أمّا المتغيّر الثاني على صعيد المهنية في العمل "يوجد فساد لم يكن موجوداً في السابق. يتم حقن الأحصنة المتوقع أنها ستربح، بحيث لا تركض بالقوة نفسها ولا تتمكّن من الفوز"، على حدّ تعبيره.
هذه الرِهانات أوصلت أصحاب رؤوس الأموال وبعض أصحاب الخيل إلى الحضيض، لدرجة أنّ أحدهم انتحر بعدما خسر ثروته، بحسب "صحافي" آخر يعمل داخل الميدان منذ أكثر من 25 سنة. 


دي فريج: سباق الخيل على شفير الهاوية

ميدان الخيل في بيروت سنة 1920

استقبل ميدان الخيل في بيروت شخصيات مهمة كشاه إيران والملك اليوناني بول، إضافة إلى رؤساء جمهوريات ورجال أعمال. إلاّ أنّ تاريخ الميدان الحافل بتلك الشخصيات قد لا ينقذه من خطر الإقفال.
النائب اللبناني  ورئيس جمعية "حماية وتحسين نسل الجواد العربي" نبيل دي فريج يخشى إقفال الميدان خلال عام 2017، فقد "أصبح على شفير الهاوية" كما يشير. ويوضح أنّ قلقه يأتي نتيجة عوامل عدّة، منها تراجع عدد الأحصنة وبالتالي تراجع الحماس لدى الناس. إضافة إلى عدم انتهاء بلدية بيروت من إعادة إعمار الميدان بعد تدميره من قبل العدو الإسرائيلي عام 1982، كما أنّ الرهانات غير الشرعية التي تحصل خارج الميدان، استقطبت اللاعبين إليها، على حد قول دي فريج.
هذه التحدّيات التي تهدد بقاء ميدان الخيل ليست جديدة، بل شهد السباق على ظروف صعبة رافقته منذ تأسيسه سنة 1916. في ذلك الوقت، أصدر الوالي العثماني "عزمي بك" قراراً بفتح السباق. وضع العثمانيون دراسة تقضي بإنشاء ميدان سباق الخيل في حرش بيروت وكازينو. جاء القرار بعدما كان أنشئ ميدان خيل سنة 1890 في بئر حسن.
وكانت الغاية من تأسيس الكازينو سدّ الخسارة التي لا يحققها سباق الخيل. إلا أنه لم يكن مكتوباً له أن يُفتتح رغم الانتهاء من إعماره سنة 1919. في هذه السنة، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، جاء المندوب السامي الفرنسي إلى لبنان، وأعلن قيام دولة لبنان الكبير من أمام الكازينو، حيث اتّخذه مقراً لأقامته.
بعد الجلاء العسكري الفرنسي، بقي الميدان يعاني عجزاً مالياً على الرغم من الازدهار، بحسب دي فريج الذي يقول إنّه "من الأساس لا يوجد سباق خيل في أي بلد في العالم يربح، وهو أمر لا يدركه الناس".
وفي عام 1982، خلال الاجتياح الإسرائيلي، دمّرت إسرائيل الميدان، إلاّ أنّ دي فريج استغل وقف إطلاق النار لإخراج 350 حصاناً من ميدان الخيل.
وحول ما يقال اليوم عن فساد يحيط بسباق الخيل في بيروت وحقن الأحصنة، يعلّق دي فريج قائلاً "بأنّنا نسمع عدم رضى من الناس أينما كان". ويضيف "عندما يخسر المراهن، يحاول تبرير ذلك فيقول إنه جرى حقن الأحصنة"، ولكن الناس يرون أنّ الحصان ماكينة، لا يعلمون أنه قد يكون تعب فجأةً قبل الدخول إلى السباق أو عانى شيئاً ما أثناء الركض.


المصدر: الميادين نت

6DKLvG9r_Tg