الغارة الإسرائيلية وأبعاد الردّ الصاروخي
و في السابعِ من أيارَ/ مايو من العام 2013، كتبَ العميدُ المتقاعدُ في الجيشِ الاسرائيلي والمديرُ السابقُ لمكتبِ وزيرِ الدفاعِ "مايكل هرتسوغ" في صحيفة "غارديان" البريطانية أن الهدفَ الحقيقيَ لإسرائيلَ ليس سوريا بل حزبُ الله.
تقاطعَ تقريرا "هرتسوغ" والاستخبارات الإسرائيلية في ضرورةِ تطبيقِ ما سُمِّيَ بقانونِ "التَّبِعاتِ غيرِ المقصودة": أي منعِ نقلِ أسلحةٍ نوعيةٍ الى حزبِ اللهِ ولو عبرَ شنِّ غاراتٍ داخلَ الاراضي السورية. هذا القانونُ حظيَ بضوءٍ أخضرَ اميركي؛ حتى اِنَ واشنطن أعلنت مرتينِ عن غارتينِ إسرائيليتينِ على سوريا قبلَ أن يَصدُرَ أيُ موقفٍ من تل أبيب. لم يخفِ المحللون الإسرائيليون في تلك الفترة نوايا تل ابيب باستهداف ما تسميه "السلاح الكاسر للتوازن". ومع تواصل الحرب في سوريا، بدأ التفكير الاسرائيلي بنقل تجربة "التبعات غير المقصودة" إلى لبنان،أي تنفيذ عمليات عسكرية داخل الأراضي اللبنانية.
تراقب اسرائيل عن كثب مساعي حزب الله لتطوير قدراته، وهي تتعامل بجديّة بالغة مع تهديدات نصر الله ومعادلاته الردعية منذ انتهاء حرب تموز/يوليو 2006. تركزت معظم معادلات السيد على معطّى تقرأه تل أبيب بخطورة: القدرة الصاروخية للحزب باتت نوعية. في كل تصريحاته بخصوص الحرب طوال السنوات الماضية، تتقاطع تهديدات نصر الله حول القدرة على إصابة الأهداف والتسبب بمأزق للجبهة الداخلية الاسرائيلية.
لمست اسرائيل جديّة هذه التهديدات، في سياق دراستها ومتابعتها للحزب، وبدأت بالتفكير في أن شنّ غارات على أهداف نوعية وحيوية داخل لبنان قد يمرّ دون رد، وتعالت أصوات تدعو لتطبيق عملية تماثل "الوزن النوعي" في بدايات حرب تموز 2006. آنذاك، زعمت اسرائيل أنها قضت على قدرة حزب الله الصاروخية في الأيام الأولى للحرب، ليتبين لاحقًا أن الحزب استطاع إدارة نيرانه والحفاظ على معدل إطلاقه للصواريخ باتجاه المستوطنات وفقَ وتيرة محددةٍ ومقررةٍ مسبقًا.
ولتسويق التوجه الجديد، اعتمدت الأصوات العسكرية الاسرائيلية تسميةَ "معركة بين الحروب" للعمل المرتقب داخل الأراضي اللبنانية؛ أي بكلمات أخرى، تروّج إسرائيل أن قيامها بغارات نوعية داخل لبنان ستؤدي الى ردٍ محدودٍ من حزب الله الذي لن ينجرّ الى حرب واسعة، بحسب تقديرها. تقررّ اختبار هذه النظرية مرةً جديدة فجرًا في سوريا. هذا التوجه الإسرائيلي بنقل تجربة "التبعات غير المقصودة" الى لبنان تم تسميته بـ"معركة بين الحروب" في عدة تقارير عسكرية اسرائيلية كانت محل رصد دقيق من قبل حزب الله وسوريا.
كلام السيد نصر الله قبل عام في مقابلة الميادين يؤكد معرفة الحزب المسبقة بالنوايا الاسرائيلية. الرد بالصواريخ على الغارة الاسرائيلية فجرًا يعقد الحسابات الإسرائيلية مجددا، و يصوّب تحديدا نحو نظرية "معركة بين الحروب". لهذا ولأسباب عملياتية أخرى وصفت تقارير الإعلام الإسرائيلي ما جرى خلال الساعات الماضية بـ"الدراماتيكي".
كانت اسرائيل تفترض أن الغارة ستنتهي بتقارير في الإعلام الغربي، كما حصل سابقًا. لكن الإعلان السوري أجبرها على الإعلان عن الغارة. دلالات هذا الإعلان تتخطى المسؤولية السورية الرسمية، وتبعث برسالة واضحةٍ إلى تل أبيب حول مستوى التنسيق بين سوريا وحلفائها. وقد أشارت عدة تقارير إسرائيلية إلى أن الرادارات السورية التقطت الطائرات الإسرائيلية أثناء تحليقها فوق الأراضي المحتلة. هذا تطور عسكري نوعي ستضطر اسرائيل إلى التعامل معه بجدية من الآن وصاعدًا. كما أن هذه هي المرة الأولى التي تضطر اسرائيل فيها إلى الاعتراف بتشغيل منظومة "حيتس" للتصدي لصواريخ من داخل سوريا. لهذا الأمر وقعٌ معنوي كبير على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فضلًا عن الحسابات العسكرية التي تستوجب اختبار قدرات المنظومات الدفاعية الجوية الأعلى قدرة من القبّة الفولاذية.
وعلى الرغم من أنه من مصلحة إسرائيل الحديث عن صواريخ "متطورة ونوعية" سورية تم إطلاقها، إلا أن الصواريخ التي يتم الحديث عنها ليست من ضمن التشكيل الصاروخي الذي أحضرته القوات الروسية معها إلى سوريا، بل هي صواريخ موجودة في سوريا منذ سنوات سابقة لبدء الحرب فيها. في هذا المعطى رسالة أخرى لتل أبيب بشأن قرار المواجهة لدى محور المقاومة.
في الخلاصة، يبدو أن إسرائيل ستعمد إلى تقويم الحادث من زاوية اختبار نظرية "معركة بين الحروب". والأهمّ أن تنفيذ عملية ما ضمن الأراضي السورية او داخل لبنان بات محل مراجعة. فالسيد نصر الله حوّل كلامه قبل عامٍ عبر الميادين الى فعلٍ، والكرة الآن في مرمى إسرائيل.