قطاع الاسكان ودوره في إنعاش الاقتصاد الوطني
الكاتب / د. حيدر حسين آل طعمة
يلزم الهبوط المزمن لأسعار النفط صناع القرار الاقتصادي في العراق على التفتيش عن قطاعات اقتصادية بديلة لدعم وإسناد الاقتصاد الوطني وابعاده عن الجزء الحاد من الازمة، خصوصاً مع استمرار تراجع الايرادات النفطية وضغوط النفقات الناجمة عن حرب داعش وتكاليفها المادية والانسانية. ويزيد من عمق الازمة الراهنة انزلاق الاقتصاد العراقي مجددا بفخ المديونية الخارجية مما ينذر بمصاعب اقتصادية جسام تحيق بالمشهد الاقتصاد في الامد القصير والمتوسط.
وقد عزمت الحكومة في برنامج الاصلاح الاقتصادي على توجيه بوصلة السياسات صوب تنشيط القطاعات الاقتصادية المولدة لفرص العمل والمحفزة للنشاطات الاقتصادية المحلية لعزل الاقتصاد العراقي، ولو جزئياً، عن تموجات اسعار النفط العالمية وتحقيق المزيد من الاستقرار في معدلات النمو والاستقرار المالي والاقتصادي، فضلاً على تأمين منافذ بديلة لتمويل الموازنة العامة. وفي هذا السياق يبرز قطاع الاسكان كقاطرة للنمو وتنشيط الاقتصاد الوطني نظراً لما يولده من مزايا على صعيد الاقتصاد الكلي لعل اهمها:
– يؤمن قطاع الاسكان جبهة من فرص العمل ولمختلف الاختصاصات والمهارات المتوفرة وبما يضمن تشغيل نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل خصوصاً مع توقف الحكومة عن توفير المزيد من الوظائف للباحثين عنها بسبب تخمة الجهاز الحكومي بالموظفين الحكوميين من جهة وانحسار الموارد المالية اللازمة للتوظيف من جهة اخرى.
– يتميز قطاع الاسكان في العراق بالديناميكية والتشابكات الامامية والخلفية مع كافة القطاعات الاقتصادية في البلد مما يعني امكانية اعتماد هذا القطاع كمحرك للنمو وتوليد فرص العمل بدلا عن قطاع النفط المتذبذب من حيث العوائد والاسعار. حيث تحفز المشاريع السكنية مختلف مصانع النجارة والحدادة والمواد الانشائية والصحية والكهربائية وغيرها من المستلزمات المطلوبة لإنجاز هذه المشاريع بشكل نهائي.
– يعاني المواطن العراقي منذ عقود من أزمة سكن خانقة استفحلت مع ضعف الحكومات في رسم وتنفيذ سياسات اسكانية ناجحة وتزايد عدد السكان بشكل مذهل منذ العقد الاخير من القرن الماضي ولغاية الان. مما يحتم على الحكومة الركون الى سياسات وأطر جديدة في التنفيذ والمتابعة لإنجاح جهود الحكومات السابقة في التصدي لهذه الازمة.
– تسهم اسعار المنازل وايجاراتها بشكل كبير في تحديد مستويات الاسعار لأي بلد، وفي العراق يشكل هذا المتغير وزناً كبيراً في مؤشر الرقم القياسي لأسعار المستهلك والذي يمثل معدل التضخم النقدي في البلد. ويعني ذلك بان حل مشكلة السكن، وبما يضمن هبوط اسعار المنازل وايجاراتها، يمثل ضرورة ملحة لتحسين مستويات الاسعار ورفع رفاهية المواطن العراقي.
ومع ذلك، ورغم ما ذكر من اهمية كبيرة لقطاع السكن في تحفيز الاقتصاد العراقي، فإن جهود الحكومات المتوالية اتسمت بالتواضع والتراجع حتى في ظل الموازنات الانفجارية التي ترتبت على انتعاش اسعار النفط لأكثر من 100 دولار للبرميل حتى النصف الاول من العام 2014. ويتسق ذلك مع ضعف منظومة السياسات الاقتصادية في البلد واخفاق دوائر التخطيط والتنفيذ في الحكومة على تشخيص ومواجهة التحديات الجسام باستغلال الموارد والفرص المتاحة في العراق.
ويمكن الاشارة لأبرز التحديات التي اعاقت نمو وانطلاق هذا القطاع رغم توفر كافة المبررات لذلك:
– النقص الكبير في البناء التحتي للمدن والخدمات العامة مما يحد من توسع وامتداد الحركة العمرانية في البلد، خصوصاً مع افتقار حاد للطرق وشبكات الصرف الصحي وخدمات الماء والكهرباء في احياء مشيدة بالكامل.
– تقلب المزاج السياسي في عراق ما بعد 2003 في منح وتخصيص الاراضي السكنية لمستحقيها من الموظفين والشهداء وبشكل عادل نظراً لتعدد قرارات الحكومات في هذا الخصوص وتقلبها بتقلب المواسم الانتخابية.
– رغم ما وفرته الحكومة العراقية من قروض اسكان لكافة المواطنين في البلد الا انها لم تكن بمستوى الطموح لدعم هذا القطاع الرائد. فقد اتسمت بالتعقيد والشحة وتعدد الضمانات والقوانين اللازمة للحصول عليها مما حد من الاستفادة القصوى من جسور التمويل الحكومي في مد هذا القطاع بالتمويل اللازم. تزامن ذلك مع انزلاق البلد في أزمته المالية الراهنة والناجمة عن تدهور اسعار النفط.
– انخفاض كفاءة الانفاق الاستثماري الحكومي المكرس لقطاع التشييد والبناء واخفاق معظم المشروعات الحكومية الرامية الى انشاء مجمعات سكنية كبيرة من حيث الجودة والكلف ومواعيد التنفيذ قد زاد تدهور هذا القطاع. وقد أسهم الفساد الاداري والمالي المستشري في معظم الحلقات الحكومية في ضعف تنفيذ ما مخطط من مشروعات سكنية ورداءة ما منجز منها.
– بالإضافة لما ورد اعلاه، القت تحديات اخرى، كالوضع الامني وانتشار العشوائيات وغيرها، بظلالها على معدلات نمو قطاع الاسكان وازدهاره في البلد الى دون الطموح.
واخيراً تجدر الاشارة الى ضرورة ان تركز السياسات الاقتصادية الحكومية في التفتيش عن قطاعات اقتصادية واعدة تكون بديلاً عن القطاع النفطي، نظراً لما يعانيه سوق النفط العالمي من تخمة قد تستمر لسنوات طويلة. وتفصح الانشطة الاقتصادية المحلية في العراق عن اهمية قطاع السكن في تحريك مختلف الطاقات الانتاجية واستيعاب جزء كبير من الايدي العاملة وبمختلف التخصصات.
هذه المزايا تلزم الحكومة على رسم استراتيجية وطنية للنهوض بهذا القطاع ليكون رافعة للنشاط الاقتصادي في البلد عبر مده بالتمويل اللازم وتذليل كافة القيود والكوابح التشريعية والقانونية وتأمين البنية التحتية الملائمة لنمو وتوسع هذا القطاع. على ان يتزامن ذلك مع تقوية صلات هذا القطاع بالقطاعات الانتاجية الوطنية الاخرى كمعامل الاسمنت والحديد وغيرها من الصناعات الوطنية. وبذلك قد تنجح الحكومة في ايجاد منافذ جديدة للتوظيف ومصدرا مهما لتمويل الموازنة العامة فضلاً على حل مشكلة السكن التي يختنق بها البلد منذ عقود.