اخبار العراق الان

شيـــعي في مسـجد السنـة

شيـــعي في مسـجد السنـة
شيـــعي في مسـجد السنـة

2017-04-18 00:00:00 - المصدر: سومر نيوز


18 ابريـل.2017 - 10:07 | عدد القراءات: 289   

رشيد العالم

بينمَا كنتُ برفقـَةِ صَدِيق شِيعي عِرَاقيٍّ مِن مَدينـَةِ (كربلاء) حَيثُ قبرُ (الحُسين) رضوان الله عليه، نتجَوّلُ في شوارع مَدينة (لــيل) الفرنسيّة، قادنا الحَدِيثُ في السِّيَاسَة إلى مَوْضُوع الصِّرَاع السُّنِي الشـِّيعِي، أبدَى صَديقِي الشـِّيعِي أسفـًا عميقـًا وحُزنـًا دَفِينـًا عَلى مَا آلت إليه الأوضَاع فِي العِرَاق التِي اضرَّتهُ إلى الفرَار مِن الحَرب، لينعَمَ بشَمْس الحُريَّـة في أوروبَا حَيْثُ النـَّاسُ سَوَاسيَة أمَام القـَانـُون، حيث العدالة وحقوق الانسان وحيث العَلمَانية التِي تصُون المتدَيِّنَ وغَيْرَ المُتدَيِّن بل وتصونُ حتى الدَّولة من مَغبة الوُقـُوع فِي حَربٍ دِينيّةٍ بين أفراد مُجتمَعِهَا الوَاحِدْ.

صَديقي الشيعِي الكربَلائِي لمْ يَكن مُتعَصِّبًا ولم يكن من أنصَار حِزب البَعْث الشعبي ولا من أنصَار حِزْب الله اللبنانِي ولا مِنْ جمَاعة (ياسر الحبيب) الشِيرَازي المُحَرض على الحَرب ضد السُّنة أينمَا حلوا و توَاجَدُوا، والذِي شكلَ جيشـًا شيعيًّا مِن بريطانيَا كمَا أسَسَّ لقناةٍ فضَائيّة (فدك) تنفثُ سُمُوم الكرَاهيّة بَيْنَ السُّنـة والشيعة حَيث يعْكفُ طوَال الوَقتِ عَلى لعْن الصَّحَابة وسَبّ وشتـم عَائشة زوجة النبي، كما هو الحال عن بعض شيوخ السنة الذين يكفرُون الشيعَة بل ويذهبون إلى القول بأن الصَّهَاينـَة أرحَمُ وأرفـَعُ من الشـِّـيعَة !!

كان اليَومُ يَومَ الجُمُعَة، في البداية اقترحْتُ عَلى صِديقي أن نصَلـِّي، لكنه أعتذر لي وقالَ بأنَّ طريقـَة صَلاتِي تختلفُ عَنْ صَلاَة أهل السُّنة، أقنعتهُ بأنَّ هَذا التفكيـرَ غَيرُ مَنطِقي، وأنَّ عليهِ أنْ يُخلصَ قلبَهُ لله وحدَهُ، وأن لا يَنظرَ إلى طبيعة المَسْجد إذا كان سُنيًّا أو شِيعِيًّا لأن الصلاة في النهاية صِلة بالله وليْسَتْ صِلة لا بأهل السّنة ولا بأهل الشيعة ...

بَعدَ جُهدٍ جَهيد أقنعْتُ صِديقي الشـِّيعِي بالذهَاب إلى مَسجدِ الايمَان الذي يأمُّه الدكتور والداعيَة المَغربـِي الشَّهير (عمر لصفر)، رَئيس اتحَاد المنظماَت الاسلامية بفرنسا UOIF.

في المَسجد أبدَى صَديقي الشـِّيعِي عَدَم ارتيَاحِهِ، لنظرَات الآخرين التي ترمُقهُ بشدَّة، ولكي أشْعِرَهُ بأنْ لا شَيءَ يَدْعُو إلى الضَّجَر والقلق، صَلـَّيتُ صلاة تحية المسجد دُون قـَبْضْ، كمَا يَفعَلُ الشـِّيعَة، لأن جُلَّ أفرَاد عَائلتِي يُصَلـُّون بالسَّدل، لم أذكر فِي أيِّ يَومٍ بَدَأتُ أصلي بالقبضْ ولأيِّ سَبَبٍ...

فِي خُطبة الجُمُعَة أشار الخطيب إلى مَجْمُوعة من الأزمات التِي تعَانِي منهَا المُجتمعَات الإسلامية وخاصَّة فِي بلاد الشَّـام، وعَلى رَأس هَذِهِ الأزمَات أزمَة السّنة والشّيعَة، تغـَاضَى الخَطِيبُ عَن أهل السُّنـَّة لينشغـِلَ بمُهَاجَمَة الشـِّيعَة قائلا بأنهُم أصْلُ الفـِتن !! منذ مَتـَى وكانَ الشـِّيعَة أصل الفتن والحُرُوب وكان أهل السُّنـَّة أهلَ السَّلام والصَّلاح؟؟

لم أشعُر فِي يَوم أنـِّي ندِمْتُ عَلى شَيءٍ مثلمَا ندِمْتُ عَلى اصطحَابـِي لصَدِيقي الشـِّيعِي، تيقنـْتُ بَعدهَا أنَّ هَذِهِ المَرَّة سَتـُكون أوَّلَ وآخِرَ صلاة يُصَّليهَا فِي مَسْجدٍ سُنٍي..

بعدمَا خرجنـَا مِن المَسْجد واخترقنـَا صُفـُوفَ المُصَلينَ معـًا، شـَابَ بيننـَا صَمْتٌ.. اعتذرْتُ له عمَّا حَصَل نيابَة عَنْ الخَطِيب، وقلتُ لهُ : ' لو كنتُ أعلمُ مُسْبقـًا بأن الخُطبَة سَتتناوَلُ قضيَّة السَّنة والشيعة لما دعَوتك..'

ردَّ عَليَّ بلهْجَةٍ عِرَاقية : " مَا رَاح أحُط رجْلِي بعد اليُوم فِي مَسجد السّــنة.. الدّين مُو هِيك..مُو سَب وشـَتم.. ضَيَّجْنِي الخَطِيب وآنِي نفسِي كِنت ضَايج.."

مُشكلةُ بَعض أهل السُّنـَة أنهُم يَعتقدُون بأن تراثهم الديني مُقدَّسٌ ومَنهَجَهُم مُقدس لا يقبل المسَاسْ، ومثلُ هَؤُلاء، غالبًا مَا يَكـُونـُونَ جمرًا فِي وَجَق الفتنـَة، فمَا دَام هَذا الخِطـَاب الدِّينـِي القائِم عَلى نبذ الآخَر الذِي هُو مُسلمٌ يُؤمِنُ بالله ومَلائكتهِ وكتبهِ ورُسُلهِ..هو المُحْتكِرْ للمَنـَابر والقنوات الدِّينيَّـة.. فإننا أمام تاريخ دَمَويٍّ يُعيدُ نفسَهُ مِنْ جَدِيد، ومَا يَحدُثُ الآن أمَام أعيننـَا فِي بلاد الشـَّام لهُوَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ على أننـَا فِي حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إلى إعَادَةِ نسْج صَفحَةٍ جَدِيدَةٍ مَع إخوَانِنـَا الشـِّيعَة، لأنهم أشقائنـَا فِي الدِّين قبل أن يكونـُوا أشقـَاءًا لنـَا في الإنسَانية، فجُلُّ كبَار عُلمَاءِ المُسْلمِين لم يفتــُوا بكفـُر الشِّيعَة وهَرطـَقتِهِمْ وزَندَقتِهــِمْ.

أرَى بأنَّ الصِّرَاع بين السَّنة والشيعة لنْ يقفَ أبدًا عِندَ منعطفٍ ما، مَادَام الدِّين أدَاة ً سِيَاسِيَة تسْتثمَرُ فِي الصِّرَاعَات الإقليميَة والجيُوسيَاسِية والاقتصادية والتوسعية والاستعمارية..إلخ، الحَلُّ الوَحِيد الذِي برَأيي سَيُسَاهِمُ بشكل أو بآخر فِي وَضع نهَايَة لهَذِهِ الجاهلية وهذهِ الفتنـَة الدَّمويَّة الكبرَى، هُو الانتقال مِن الدّولـَة الدِّينيَّة إلى الدَّولـَة المَدنيَّة المبنية على أسَاس الدّمُقرَاطيَّة والعَدَالة وحُقوق الانسَان والفـَصْل بين السُّلط، وَوَضع حَدٍ لسُلطـَةِ المُرشِد الرُّوحِي أو المرشد الأعلـَى أو خَادم الحَرمَيْن أو الخـَليفــَة...على مَرَافق اتخاذ القرَار السِّيَاسي، إضَافـَة إلى إرسَاء قِيَم العَلمَانيَّة التِي قـَادتْ الغَرْبَ إلى مَا هُمْ فيهِ الآنَ مِن انسجَامٍ وتسَامُحِ وتعَايش مَعَ المُسْلمِين واليَهُود والبُوذيين والمجُوس والمَلاحِدَة...