ثلاثية الغنى والفقر
الكاتب / حامد عبد الحسين الجبوري
اقصد من عنوان “ثلاثية الغنى والفقر” العوامل المؤدية إلى تحقق الغنى والفقر وهي ثلاثة، (الفرد، الحكومة، الفرد والحكومة)، نتناولها بشكل موجز، وذلك بما يتناسب مع حجم المقال. حيث إن مشكلة الفقر حال وجودها في مكان معين أو زمان ما، تُعد مشكلة معقدة لأنها ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية…إلخ، وإن معالجتها ستؤدي إلى رفع الحرمان وتحقق الغنى. وبالتأكيد إن هذه العوامل الثلاثة سواء تحقق واحد منها أو جميعا ستؤدي بالنتيجة إلى وجود الغنى أو الفقر.
متى يتحقق الغنى أو يظهر الفقر؟
يتحقق الغنى أو يظهر الفقر بناءً على ثلاثة عوامل تمثل حجر الزاوية في تحقق الأول أو ظهور الثاني، هي الفرد، الحكومة، الفرد والحكومة.
أولا: الفرد
الفرد هو النقطة المشتركة التي ينطبق عليها كلا الحالتين الغنى والفقر، ولكن ليس في آن واحد وخصوصاً الفقر المادي، نعم من الممكن حصول الغنى والفقر في شخص ما، بشرط تمايز نوع الفقر، حيث معروف إن الفقر ليس نوعاً واحداً، بل هناك أنواع كثيرة من الفقر، حسب ما أشار إليها السيد مرتضى الشيرازي في كتابه “استراتجيات إنتاج الثروة ومكافحة الفقر في منهج الإمام علي ع”، خصوصاً إذا ما عرفنا الفقر هو الحاجة والحرمان، كالحرمان من الحب والعاطفة وإفتقاد التعليم، ونقص الرعاية الصحية الشاملة، وضعف التربية البدنية، والفقر إلى المسكن المناسب، والفقر والحرمان من الملبس والمأكل والمشرب، والحرمان من الحقوق الأولية والثانوية مثل حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير، والحرمان من الفكر الصائب والثقافة السليمة، وافتقاد الاستقلال الاقتصادي والسياسي…إلخ، فمن الممكن أن يكون هناك فرداً غني مادياً لكنه فقير معنوياً أو العكس.
يرجع السبب إلى الفرد نفسه في أغلب الأحيان إن كان فقيراً سواء مادياً أو معنوياً أم غنياً سواء مادياً أو معنوياً، إذ هو اختار أن يبقى فقيراً أو يكون غنياً، وذلك من خلال الجد والاجتهاد من عدمه في العمل سواء كان مادي أو معنوي أو كلاهما في حال أراد أن يكون غني مادياً ومعنوياً في الوقت نفسه. وقد يكون هذا الاختيار للفقر أو الغنى قصدي أو غير قصدي. إذ تارة يقوم فرد ما بتصرف يؤدي إلى فقره كأن يتخذ من الإسراف والتبذير منهجاً له في إدارة شؤونه العائلية والاقتصادية أو عدم السعي لزيادة مهاراته وخبراته، مع توفرها، التي تؤدي إلى زيادة مدخولاته التي من شأنها تلبية ما يحتاج إليه من سلع وخدمات ومن ثم يقضي على الحرمان والنقص الذي يعاني منه، والعكس صحيح حال إن كان غنياً.
ويكون غير قصدي أي إنه لا يرغب ذاتياً بالفقر ويريد الغنى لكن المؤثرات الخارجية هي المسببة له هذا الفقر وعدم الغنى، فهو راغب وباحث عن كل ما يشبع حاجاته ويسد نقصه إلا إنه لا يجد ما يلبي ذلك فيكون فقير مادياً او معنوياً أو كلاهما.
ثانياً: الحكومة
مهما اختلفت الحكومات في أشكالها وأنواعها، إلا إنها في جميع الأحوال تضع في سياساتها العامة تحقيق عدة أهداف ومن تلك الأهداف الرئيسة تحقيق الرفاه لأفرادها حتى وإن لم يكن مكتوباً في خططها، لأن كل ما يسن ويشرع ويطبق يكون له هدف معين لا يخرج عن تلبية ما يحتاجه الفرد، إذ لم نسمع إن حكومة ما لا تريد الرفاه لإفرادها، ولكن في حال انحراف الحكومة عن الإدارة السليمة والابتعاد عن الأهداف التي وضعتها، سوف لن يزيد مسيرها نحو الأمام إلا مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وزيادة الحرمان لإفرادها وعدم إشباع حاجتهم، والعكس صحيح عند تطبيقها السليم لخططها الرامية لتحقيق الرفاه لأفرادها ورفع الحرمان والنقص.
فعلى سبيل المثال، إن لم تسعى الحكومة لتحقيق النظام المقابل للفوضى، والعدالة المقابلة للظلم، وعدم توفير مناخ ملائم يساعد على تقدم أفرادها بشكل عام، سيحصل التمايز في التعامل مع الأفراد وهذا ما يخلق ردة فعل لمن لم يتم حسن التعامل معهم، ضد الأشخاص الآخرين الذين تم تمييزهم من ناحية وضد الحكومة من ناحية أخرى فتحصل الفوضى وهكذا تصبح دائرة الفقر باستمرار في ظل غياب النظام.
وفي حال وجود النظام إلا إنه غير عادل بل ظالم سيؤدي إلى مزيد من الفقر المنظم، إذ إنها لم تعط كل ذي حقٍ حقه بل تزيد الفقير فقراً والغني ثراءً، حيث ذهبت إلى زيادة أعباء الأفراد الفقراء الذين يعانون من الحرمان المادي والمعنوي وإعفاء الظالم والمرتشي والمفسد فيما ارتكبه، وهذا سيشجع الظالم والمرتشي والمفسد على الاستمرار والاستفحال في عمله، وتحول جزء من الفقراء إلى إتباع السلوكيات غير المرغوبة والتي تزيد من حجم وعمق الفقر لديهم وغيرهم من أجل إشباع حاجاتهم، كل هذا بسبب غياب العدالة مع وجود النظام. فما بالك إذا كانت الحكومة هي من تقوم بالفساد المالي والإداري والتزوير والعمل لصالح دول خارجية؟
كما إن وجود النظام والعدالة، مع غياب المناخ الملائم والمناسب والمحفز للإفراد على تطوير إمكانياتهم وخبراتهم العلمية والعملية، وبالتالي تطوير المجتمع بالكامل، سيؤدي إلى وجود نوع من الركود والمحافظة على الوضع القائم، دون التقدم للأمام يعني النقص والحرمان، حيث يقول الامام علي عليه السلام: “من تساوى يوماه فهو مغبون” مع تقدم الدول الأخرى سيجعل البلد فقيراً قياساً بالدول الأخرى التي توفر هذا المناخ المشجع لأفرادها على التطوير والتقدم.
ثالثاً: الفرد والحكومة
يحصل الفقر بشكل أكثر حجماً وتمركزاً عند تضافر نقاط الضعف المؤدية إلى الفقر الفردي والفقر الاجتماعي الحاصل بسبب الحكومة، مع تباعد النقاط المشتركة التي تساهم في تقليص حجم الفقر، فعلى سبيل المثال، أن سيادة الفقر الفردي وعدم المطالبة بالحقوق وفق نظرية العقد الاجتماعي من ناحية وعدم قيام الحكومة بدورها الحقيقي لأفرادها وبالخصوص المؤسسات الخاصة بدعم الفقراء كالمؤسسات الخيرية والضمان الاجتماعي والتكافل الاجتماعي وتفعيل برامج التعليم والصحة من ناحية أخرى، هو من أبرز النقاط المشتركة التي تزيد من حجم الفقر المادي أو المعنوي وعلى مستوى الفرد أو الدولة، عند زيادة المساحة ما بينهما (الفرد والحكومة).
وبناءً على ما سبق فالفرد والحكومة وكلاهما، يتحملون مسؤولية حصول الفقر، فالنبي محمد ص يقول “كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته”، فالفرد ينبغي أن يعمل على تثقيف نفسه علمياً وعملياً حتى يستطيع رفع فقره وإشباع حاجاته المادية والمعنوية، والدولة يجب أن تعمل على تحقيق النظام وتفعيل العدالة وتوفير المناخ الملائم الذي يحفز الأفراد على التقدم في شتى المجالات، واشتراك الحكومة والأفراد في تفعيل القضايا المشتركة ذات المساس بالفقراء كالضمان والتكافل والضمان الاجتماعيين وبرامج الصحة والتعليم، مع ضمان حرية الأفراد في المشاركة السياسية والاعتقاد والتعبير لان إقصاء الأفراد من هذه الحقوق سيدخل ضمن دائرة النقص والحرمان وبالتالي يكون الفرد فقير للحريات ومفتقد لحق تقرير المصير.
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية