"برلمان 56".. مجلس النواب "يحتال" على البصرة بمشروع عاصمة العراق الاقتصادية!
لم يكتف مجلس النواب وزعمائه بالصفقات السياسية والفساد والاختلاس والاستيلاء على أموال الدولة، ليتحول مؤخرا الى "النصب والاحتيال" على المواطنين بتشريعات وقوانين يتضح لاحقا أنها مجرد حبر على ورق، ومنها مشروع قانون "البصرة عاصمة العراق الاقتصادية"!.
القانون الذي شرّعه مجلس النواب مؤخراً، وكان حلماً يراود سكان البصرة التي تعد الأغنى بين مدن العراق بمواردها النفطية الغزيرة وإطلالتها على الخليج العربي، لتلتحق بركب العواصم الاقتصادية العالمية، لكن ما يهدد هذا المشروع والحلم البصري المنتظر طويلاً هو الصراعات السياسية المتفاقمة القائمة في بغداد.
ويعود مشروع العاصمة الاقتصادية للعراق الى عام2011 عندما طرحته كتلة المواطن البرلمانية آنذاك، وجرى تفعليه رسمياً منتصف عام 2012 بعد مصادقة حكومة البصرة المحلية على مسودة قانون المشروع.
يقول استاذ الاقتصاد في جامعة البصرة الدكتور نبيل جعفر، "البصرة العاصمة الاقتصادية للعراق مع وقف التنفيذ".
ويرى أن هذا المشروع "قرار بروتوكولي وسياسي بل هو مجرد حبر على ورق من الناحيتين العملية والاقتصادية، حيث وافق مجلس النواب على مقترح قانون قدمته اللجان المختصة في المجلس يقضي بجعل البصرة العاصمة الاقتصادية للعراق، الأمر الذي لا تترتب عليه أي تبعات مالية على الحكومة كونها لم تقدم مشروع القانون".
ويوضح "هذا يعني ان لا قيمة حقيقية لقرار مجلس النواب، إذ أن تحويل البصرة الى عاصمة اقتصادية، يقتضي انفاق عشرات المليارات من الدولارات لإنشاء بنية تحتية متطورة ومناطق تجارية حرّة ومراكز تجارية ومراكز اتصالات عالمية، تليق بالعاصمة الاقتصادية للعراق".
ويشير جعفر الى أن "البصرة مدينة خربة لا تصلح حالياً لكي تكون العاصمة الاقتصادية ما لم تتطور بنيتها التحتية وغير ذلك مجرد أمنيات".
لكن عضو مجلس محافظة البصرة احمد السليطي، يرى أن قانون البصرة عاصمة العراق الاقتصادية "سيمنح صلاحيات أوسع للحكومة المحلية في مجال التفاوض مع الشركات العالمية لإقامة مشاريع استثمارية عملاقة وتنفيذ مشاريع خدمية دون الحاجة لموافقات الحكومة الاتحادية".
ويضيف "كما يتيح القانون ازدهار البصرة اقتصادياً، باعتبارها عاصمة ثانية للعراق ويضيف لها أهمية سياسية وعمرانية كبيرة تنقذ أهالي البصرة من الوضع الذي يعيشون به حالياً من خلال زيادة التخصيصات المالية من الصادرات النفطية للمدينة وإشرافها المباشر على موانئها البحرية".
ويقول السليطي "البصرة عندما تصبح عاصمة اقتصادية سيؤهلها ذلك تدريجياً أن تكون منطقة حرّة تتداول بها الفعاليات الاقتصادية بشكل كبير".
ويؤكد ان "مقومات جعل البصرة عاصمة العراق الاقتصادية جميعها موجودة ومتوفرة، فالمدينة هي منبع النفط واكثر من 80% من موازنة الحكومة الاتحادية هي من البصرة، وتضم موارد بشرية كبيرة ويوجد فيها كفاءات وإمكانات كبيرة تؤهلها لأن تكون ركناً اساسياً في تطوير الاقتصاد العراقي".
وهو ما يتفق معه رجل الأعمال البصري علي خريبط، أن مدينته مهيأة لتكون عاصمة اقتصادية، ويقول "مقومات جعل البصرة عاصمة اقتصادية قائمة من حيث ما تملكه من موانئ وثروة نفطية ومنافذ حدودية مع دول الجوار، لكن ذلك يتطلب زيادة في عدد المطارات وعدد الفنادق مع تأهيل البنى التحتية وتوفير شبكة طرق متطورة إضافة الى الاهتمام بخدمات الاتصالات".
ويضيف "عندما يتم تحويلها الى عاصمة اقتصادية، وتعلن دولياً سيتوجه بذلك فكر وأنظار المستثمرين الأجانب نحوها وسيرسّخ في ذهن الزعامات الاقتصادية في العالم، أن تكون المدينة قاعدة استثمارات كبيرة جداً في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في بلدان الخليج العربي".
وتعد البصرة التي يبلغ عدد سكانها نحو أربعة ملايين نسمة، ميناء العراق الرئيس ومنفذه البحري الوحيد، وهي تختزن ما يقارب ثلثي احتياطي نفط العراق وتحتضن حقول نفط عملاقة مثل الرميلة والزبير وغرب القرنة فضلاً عن حقول الغاز الطبيعي، وتجاوزت صادراتها النفطية أربعة ملايين برميل يومياً.
وعلى الرغم من حجم الثروة التي توجد في البصرة، فضلاً عن ثرواتها الزراعية والصناعية ومقوماتها الاقتصادية الأخرى، يرى مواطنوها ومسؤولوها على حد سواء، أن مدينتهم محرومة من التمتّع بهذه الثروات بسبب سطوة الحكومة الاتحادية في بغداد.
يقول رئيس مجلس محافظة البصرة صباح البزوني "هذه المدينة كانت محرومة في عهد نظام صدام حسين وما زالت محرومة في العهد الحالي".
ويتابع "موقف الكتل السياسية في مركز صنع القرار يصادر أيّ مشروع يأتي بالخير لمواطني البصرة، وهذه الفكرة اتضحت من خلال الممارسات غير المنطقية المتخذة بحق هذه المدينة سواء في اعلانها إقليماً أو طموحها في جعلها عاصمة اقتصادية".
ويرى ان "ما يروّج من عدم أهلية البصرة في أن تصبح عاصمة اقتصادية غير صحيح، فمشروع هذا القانون يتضمن تخصيص ملياري دولار، لتأهيل المدينة في مختلف جوانبها، خلال فترة سنتين من اقرار قانون المشروع".
ويشير قانون البصرة عاصمة العراق الاقتصادية، الى جملة من الأهداف التي يسعى الى تحقيقها في مقدمتها، أحداث تنمية اقتصادية شاملة والنهوض بالمستوى المعيشي والاقتصادي للمواطن العراقي والاستثمار الأمثل للموارد الاقتصادية والبشرية وتطوير البنى التحتية، من اجل استيعاب متطلبات تطوير التجارة وتوسيع الموانئ بما يتناسب مع الموقع الاستراتيجي لمحافظة البصرة، ووضع الأساس القانوني والاداري لمواكبة تطور مراكز التجارة في المنطقة بإنشاء مركز تجاري عالمي في البصرة، وتوفير فرص العمل وتعدد مصادر الدخل القومي للشعب العراقي عموماً ولأبناء البصرة خاصة.
بالمقابل يجد البزوني، أن قانون البصرة عاصمة اقتصادية، يفتقر الى مبررات انجاحه، مبيناً "هذا القانون هو انجاز بحد ذاته بشكل رسمي وقانوني، لكن كان بعيداً عن التبعات المالية، اذ أن الكلام موجود والقانون موجود، لكن تبعاته مالية غير موجودة، وهو ما يعرقل تطبيق هذا المشروع".
ويشدد على أن "البصرة بحاجة الى أن تنهض اقتصادياً وهو ما يتطلب أن تكون هناك تبعات مالية لضمان النجاح في هذا المشروع، وحكومة البصرة اقترحت على الحكومة الاتحادية توفير قروض للخدمات والعمل على استثمار هذه القروض بمردود مالي، كاستثمار ميناء الفاو مثلاً، لتوفر هذه القروض مردوداً مالياً ويمكن تسديدها من خلال الموارد المالية والمحلية مما يضمن تحقيق التنمية الاقتصادية للبصرة والعراق بشكل عام".
وعودة الى رأي استاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل جعفر في هذا المشروع، يرى أنه "في بداية الأمر يجب أن نحدد ما هي آلية جعل المحافظة عاصمة اقتصادية، حيث أن البصرة في وضعها الحالي غير مؤهلة لهذه العملية بشكل كبير، لافتقارها الى البنى التحتية والمرافق الخدمية"، مؤكداً أن "المقومات الاقتصادية التي تمتلكها البصرة لا تكفي وحدها لإنضاج هذا المشروع".
ويضيف "المسألة تتطلب عملاً وتخطيطاً بعيدي المدى لتأسيس قاعدة رصينة، ويجب أن يسبق هذا المشروع قرار سياسي، إذ في حال جعلها عاصمة اقتصادية، يتطلب أن تنقل جميع مقار الوزارات والتشكيلات ذات الشأن الاقتصادي الى العاصمة الاقتصادية".
لكنه يؤكد أنه "في حال تحققت هذه المؤهلات فستكون البصرة عاصمة اقتصادية يتيح لها أن تصبح مركزاً لمعظم الانشطة الاقتصادية في العراق، وتشهد تطوراً تجارياً وصناعياً وتنشط فيها الحركة الاستثمارية، كون الوزارات ذات الشأن الاقتصادي، ستكون مقراتها في البصرة وهذا يسهل من عملية الاستثمار وستعمّ الفائدة على معظم العراق".