كفالة الام لحضانة الصغار سلامة صحية للفرد والمجتمع
يمثل وقوع الطلاق انفصام في العري الوثيق للأسرة، وغالبا ما يدفع هذه الاطفال الصغار ثمنا باهظا نفسيا واجتماعيا لهذا الانفصال، خاصة عندما يتنازع الابوين على حضانة الصغار، ويتفنن المحامون في الانتصار لموكلهم في الحصول على حكم قضائي بحضانة الصغار دون مراعة لاحتياجات الصغار النفسية في الشعور بالامان الذي توفره حضانة الام، مما يؤدي إلى انتاج أطفال غير أسوياء.
اهدار الانسانية
دفعت الكثير من المطلقات في العالم العربي فاتورة شديدة القسوة من أعصابها وآلامها لحرمانها من حق حضانة أطفالها وأهدرت انسانيتها في ساحات القضاء لكي تتمكن فقط من رؤية أطفالها وضمهم في أحضانها، حيث كانت قوانين الاحوال المدنية تحرم الأم من رؤية صغارها حتى ولوكان طفلا رضيعا، بعد فشل جهودها في الحصول على صك الحضانة بينما يحق للزوج حضانة الصغار، وذلك بالمخالفة للدين والعادات والتقاليد والقوانين الدولية أيضاً.
حيث ان كل الشرائع والعادات والتقاليد والقوانين الدولية تكفل حق المرأة في حضانة صغارها كما حملتهم في رحمها تسعة شهور، غير ان قوانين الاحوال المدنية في كثير من الدول العربية حرمت هذا الحق الشرعي للمرأة في حضانة اطفالها ، وحتي بعد تعديل القوانين باعطاء الام حق الحضانة ، فان الام تعاني مرارة شيديدة في التعامل اليومي مع متطلبات الصغار عند التعامل مع المؤسسات الرسمية .
فبعد معاناة الأم قضائيا في الفوز بحضانة صغارها تواجه ظروفا بالغة التعقيد في التعامل مع المؤسسات الرسمية فيما يخص استخراج الاوراق الرسمية للصغار لكي توفر لهم التعليم في المدراس والجامعات لاحقا ، كما تواجه الامرين في استخراج جواز السفر ، وعندما تتصل بطليقها ليساهم في توفير هذا الاوراق ، فانه غالبا لا يلبي طلباتها بدعوي انشغاله ، بل انه قد يتعمد تعطيل استخراج هذه الاوراق بهدف استفزاز الام والحاق الضرر النفسي .
وهذه مشكلة كبري ، فاحيانا الرجال يطلقون زوجاتهم ويرحلون ودنما معرفة اماكن تواجدهم ، والبعض الاخر من الرجال ينسي انه أب ويتخلي عن اي مسئولية تجاه أبنائه ، بينما لا تجد الام المطلقة اي منفذ لتحقيق متطلبات الابناء ، بينما القوانين المعمول بها لا تعطي الأم أحقية في التعامل الرسمي مع احتياجات الابناء اليومية وتشترط وجود الاب الغائب دائما ! فمن أين تأتي المطلقة بالأب وتجبره علي اتمام الارواق الرسمية للصغار؟
ففي مصر كانت بعض الامهات يضطررن إلى ادخال أبنائهن مدارس خاصة، لعدم وجود أوراق رسمية لصغارهن، نتيجة تهديد ازواجهن بأخذ الصغار إذا طلبتُ أي اوراق للصغار. وبعضهن اضطررن للعمل في اعمال شاقة للحصول علي تكاليف مدارس أبنائهن .
والغريب ايضا ان المرأة في الولايات المتحدة الامريكية لا يمكنها استخراج جواز سفر إلا بوجود الأب في حالات الزواج القائم فما بالك بالطلاق !
وهذا يؤكد ان قوانين الاسرة في العالم كله تنتقص كثيرا من حق المرأة في التصرف في معاملات أبنائها ، وتعاملها كانسان فاقد الاهلية للتصرف بشأن من حملتهم في بطنها تسعة أشهر وغير كفؤ في رعاية صغارها ، في حين ان القانون نفسه يحاسبها مثلها مثل الرجل في كافة انواع المخالفات اليومية من دفع فواتير الي ضرائب عمل الي مخالفة مرورية الي السجن اذا ما ارتكبت أية جريمة قد يرتكبها الرجال.
والتعامل مع الأم علي نحو يصورها علي انها غير قادرة وغير مهيئة علي تحمل مسئولية الصغار ، أمر لا يتفق مع المنطق والعقل او حتي مع التصور الديني ، ألم يقل الله في كتابه الحكيم " الرجال قوامون على النساء بما أنفقوا " و أكمل الله قوله تعالى " و بما فضل الله بعضهم على بعض " .
فالمقصود بعضهم على بعض انه تفضيل بعض النساء على بعض الرجال كما يفضل بعض الرجال على بعض النساء تبعا للقدرة الماديه و الاتزان النفسي و العقلي و الأخلاقي و الديني.
إذا بعض النساء أعلم و أفهم من بعض الرجال ن وعمليا فان كثيرا من النساء ينفقن على بيوتهن و أطفالهن في ظل وجود رجل لا يعمل أو يعمل و لا يعطي من ماله لبيته شيئا !
فهل هذه المرأة المسؤولة بالعقل و العاملة و المنفقه ستظل مطالبة بانتظار زوجها الموافقة علي التوقيع على المعاملات وبينما هو رجل سلبي لا يتحمل مسئولية و لا نفع له بالبيت ، بينما يعطيه القانون الحق في التصرف وهو لا يستحق هذا الحق ،يتسق منح حق التصرف له في ادارة شئون الصغار سواء أثناء الزواج أو بعد الطلاق ؟ !
نصر بعد معاناة
كما عانت الأم المطلقة في السعودية تجارب أشد ايلاما لعدم قدرتها على حضانة أطفالها، وسجلت وزارة العدل الكثير من حالات تعسف الأزواج بما أدى إلى حرمان بعض الأولاد المحضونين من حقوقهم المدنية، وتأخر بعضهم في الدراسة إثر المساجلات بين الأبوين . واخيرا، تمكّن القضاء السعودي من إنصاف المرأة ومنحها حق الحضانة لصغارها.
وتتنوع نصوص قوانين الحضانة وما يترتب عليها في بلدان الوطن العربي ، كما انها تتفاوت في مدى إنصافها لكل من الأم والأب من جانب، ولكنه غالبا ما تتجاهل النصوص القانونية المصلحة العليا للصغارعندما تتصل بالظروف الاقتصادية، حيث انه في كثير من الاحيان يُحكم بالنفقة بمبالغ هزيلة جدًا لا تكفي حتى لاستئجار منزل، ومن ثم لا تسطيع الام كفاية صغارها وقد تضطر امام قسوة الظروف الاقتصادية لتتنازل عن الحضانة لعدم قدرتها على تأمين نفس مستوى المعيشة لأطفالها قبل الطلاق، وفي حالات أخرى يرفض أهل الأم تربية أبنائها في منزلهم، ولا تستطيع الاستقلال في منزل منفصل خوفًا من التهديد.
تشابه القوانين
تتشابه قوانين الدول العربية المتعلقة بالحضانة، ففي إحدى عشرة دولة غالبا تنتهي حضانة النساء للذكور في سن أقل منه للإناث، باستثناء الأردن والمغرب. ففي الأردن، تم تعديل قانون الأحوال الشخصية عام 2010 لتمتد حضانة الأم لطفلها أو طفلتها حتى سن الخامسة عشر.
وتتعدد المشكلات الاجتماعية عند حضانة الام للصغار، عندما تتزوج الأم فانه يسقط حق حضانتها ما عدا المغرب، حيث يمنح قانون الأحوال الشخصية المغربية الأم حضانة أبنائها بعد زواجها حتى يصلوا سن سبع سنوات.
في المقابل، لا تنص القوانين على سقوط حق الحضانة عن الأب في حالة زواجه، بل وتشترط قوانين الحضانة في بعض الدول وجود من يرعى الصغير من النساء في منزل الأب إن كانت له الحضانة.
منهج نفسي وديني
ويجمع المتخصصون علي أن الأصل في الشريعة الإسلامية أن تكون الحضانة للأم. لذا، فإن بعض أهل العلم يرون أن الحضانة تكون للأم ومن بعدها لأم الأم، ومايترتب عليها من حق النفقة باعتباره حق شرعي .
على الصعيد النفسي، فان المتخصصين يجمعون على ان الطفل خلال السنوات الخمس الأولى من حياته يحتاج الى الكثير من الرعاية والحنان والاستقرار الداخلي. وان وقوع أي صراع بين الأبوين يصيب الطفل بالنقص في الإشباع العاطفي ويظل متقوقعًا داخل نفسه.
كما يجمع الاخصائيين النفسيين ان فترة ما بعد الطلاق التي ينتظر الطفل فيها الحكم بالحضانة لأحد الأبوين، فتكون من أكثر الفترات العصيبة التي تمر في حياته، حيث إن كلاً من الأبوين يحاول جذبه تجاهه وإقناعه بأنه ينتمي إليه وإلى أسرته ولا ينتمي إلى الطرف الآخر، وهي محاولة منهما لتشكيل هويته، مما يجعله يعيش في صراع شديد يصوّره كالسلعة التي تشترى ولا يراعى فيها ضعفه وإنسانيته. وتأثير هذه المرحلة تمتد مع الطفل الي الرجولة فتتأثر ملامح شخصيته وسبل اتخاذه قراراته.
أهمية الحضانة
يحقق الحكم بحق الحضانة لصالح الأم نوعاً من الاستقرار لنفسية الطفل، يمكنها بالتصرف نيابة عنهم أمام الجهات الرسمية ما عدا السفر، وإنهاء تعسف أو مساومة بعض الأزواج في أمور تتعلّق بمصالح الأولاد في المدارس والمستشفيات دون السفر.
أخيرا ، فانه بعد ما تحقق للمرأة من مكسب بحق الحضانة الا انها تعاني الامرين من تعسف الزوج في دفع نفقات الصغار، وعلى مشرعي القوانين ان يكفلوا ضمان هذه النفقة للام حتي تتولي رعاية صغارها ماديا.
في تصوري، ايضا اننا بحاجة إلى اضفاء قدر من المرونة بالقوانين الشخصية، حيث لا تسقط حق المرأة في حضانة صغارها اذا ما اضطرت الي الزواج بدافع الضغط الاقتصادي.
وفي عصرالتكنولوجيا والقرية الكونية لا زالت المرأة تحرم من حق الحضانة اذا اضطرت للسفر للعلم او العمل، رغم ان الاتفاقيات القضائية بين العديد من الدول تسهل إمكانية رؤية الأطفال فالمهم أن يبقى بإمكان الوالدين رؤية أطفالهم للمحافظة على التواصل والأمن النفسي للطفل. والمهم ان نحافظ على السلامة النفسية والاجتماعية للصغار حتى ولو اضطر القضاة الي تمديد فترة الحضانة للام بما يكفل السلامة النفسية والاجتماعية للاطفال.
كما ينبغي ان ينهض اصحاب العقول والضمائر الحية من الرجال والنساء في تعديل القوانين التي تحرم المرأة من أهليتها في التعامل الرسمي لمتطلبات أبنائها من اوراق المدارس والجامعات وغيرها ، وعلي مجتمع الاعلام العالمي ان يبذل جهده في تغيير النظرة الدونية للمرأة ويكف عن تصويرها علي انها فاقدة الاهلية للتصرف في ادارة شئون ابنائها .
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية