المفكر المغربي ادريس هاني يكتب: ما البديل عن الحشد الشعبي يا ترى؟
يؤسفني هذا اللغط الذي يدور حول شرعية الحشد الشعبي وطبيعة دوره في تحرير العراق من فلول الإرهاب، في العراق فقط حتى حينما تظهر نتائج هذا التحرير يتواصل الجدل متوسّلا بأعنف أشكال المغالطة السياسية. أقرأ في أعين من يحاولون اليوم تبديل اللّوك السياسي والسّلم الموسيقي الحجاجي بأنّهم لا زالوا يحتفظون بالموروث الطائفي الذي يجعل العمى بعيون المحلل مهما حاول أن يختفي خلف موضوعية ممسرحة اكتشفوها في الوقت بدل الضّائع.الوجه البشع لهذه المفارقة هو حينما كان الزرقاوي يقتل الأطفال في أسواق بغداد وغيرها من المحافظات العراقية كانوا يعتبرون ذلك مقاومة. هكذا فعلت الجزيرة عبر ميستروا تبييض العنف الإرهابي في العراق: أحمد منصور.
ولكن اليوم سيكون الحشد إرهابيا وسيبحثون له عن أساطير من جعبة النزعات الطائفية المتورّمة في العقل الإعلامي المهيمن في المجال العربي. لا ندري من أين كان ينبغي للعراق أن يأتي بشباب وشعب لكي يحرر أرضه من هذه المؤامرة الثلاثية الأبعاد: الاستعمار، الرجعية النفطية وطرارية البترودولار، وطبعا الطائفية هي أيديولوجية يستفيد منها الاستعمار وحوارييه، ذلك لأن الأيديولوجية الزائفة لا تظهر الواقع كما هو بل تعمل على تحريفه باستمرار.
إنّ الهوس الطائفي ليس تعبيرا عن واقع بل هو هجاس صنع في مختبر التهييج والتجهيل. فلقد كان الشّاه رجل الطائفية بامتياز، ومع ذلك كانوا يقبّلون قدميه ويبتلعون ألسنتهم الطويلة هذه الأيّام خوفا من زمجرته الطائفية التي جعلها جزءا من أيديولوجيته السياسية.لا نصدّق أنّ هؤلاء المعربدين باسم الطائفية لهم حقّا غيرة على علم الكلام وأصول الاعتقاد ولا على طائفة أو دين، بل هم قطيع من البوهيميين السياسيين المولعين بالقمار، وآخر همّهم الأفكار.التحليل النفسي للطائفية السياسية يضعنا أمام حالة هستيريا كاذبة.
لكن وراء هذا الخطاب توجد حمّالة الحطب من النظم العربية السكرانة والتي لم يعد في جعبتها إلاّ تنفيذ المخطط القديم الذي عبّر عنه كارتر من وجود الجدار السميك بين الطائفتين الكبيرتين في ديار الإسلام. الحرب على الطائفية خدعة لأنّ التّبرم من الطائفية بنزع فتيل الطوائف والتطاول على أصول فقهها المودع في الدفاتر والكتب لا يفيد. ذلك لأنّ الطوائف موجودة حتى في أمريكا وأوربا ولم يخل منها بلد قط، ولكن لا توجد هناك الإرادة السياسية للاستثمار في الفوارق الاجتماعية والعرفية والدينية. وهكذا، كان لا بد أن نسأل نواتير التحليل السياسي الطائفي: من أين وجب أن نأتي بشباب ليحرروا العراق من دولة البغدادي؟
لم يفعل الشباب الذي ضحّى بروحه من أجل تحرير العراق وفيه تحرير المناطق السنية التي هيمنت عليها داعش إلاّ القيام بواجبه الوطني يوم لم يعد بمقدور الجيش فعل ذلك. هذا في تاريخ الشعوب يسمى مقاومة، وفي النظام الدولي هو فعل مشروع. كانت المرجعية أكثر انتظاما لكي تصدر فتوى النفير، وكان الشعب متعطّشا لمقاومة عدوان خارجي، وكان هذا هو نفسه الشعب الذي اعتبر البعض أنه شعب ميت لا دور له في حماية العراق. في تفاصيل العمليات الكبرى التي نفذها الحشد الشعبي سنجد أنها النموذج الأمثل والرد المنطقي على إعلام الطائفية لأنّ الحشد الشعبي فضلا عن أنه فتح المجال لكل الطيف العراقي هو تعامل مع جغرافيا العراق المحتلة ولم يرو عنه أنه بذل جهدا أقل في تحرير المناطق السنية والازيدية والمسيحية، لقد كان حشدا تحرريا أحرج الماكينة الإعلامية الطائفية بفعل تاريخي جاوز كل المديات الضيقة.
لم يفعل الحشد الشعبي إذن سوى مواجهة الحشد الداعشي الذي صبّوه فوق التراب العراقي لتحقيق أهداف معروفة مهما سعى الإعلام المضلل إخفاء هذه الحقيقة..قام الحشد الشعبي بدور تاريخي غير مسبوق ولا مثيل له في سائر البلدان التي تواجه الاستعمار..شباب العراق ضحّى بكل ما لديه وآلاف من هذا الحشد الذي حرر العراق هو إما شهيد إما مصاب..سيكون من السهل الحديث عن الحشد الشعبي بهذا النفس الطائفي اللاّمسؤول، لكن الميدان هو الذي يحسم مسار الحقيقة..
الشعب العراقي المحرر من سائر الطوائف وحده من يحكم..أمّا مرتزقة الطائفية والباطل الموزعون على شتّى المحطّات الرجعية فهم لن يغيروا هذه الحقيقة حتى لو كان الإعلام كما يظنون هو السلطة الرابعة، إنه بالأحرى في نظرنا هو شكل من القوادة الرابعة في عصر النذالة..
ادريس هاني
مفكر وكاتب وباحث مغربي مختص بشؤون الجماعات المتشددة