بعدما حلقوا لحاهم وخلعوا الزي "الافغاني".. الدواعش يعودون لاسواق وشوارع الموصل بـ"حرية"!
العراق/ بغداد
بالرغم من عشرات الآلاف من الأرواح الطاهرة التي أزهقت والدماء الزكية التي سفكها تنظيم داعش عند احتلاله لمدينة الموصل وغيرها، وأثناء معارك تحرير تلك المدن، ومع "ضخامة" التضحيات التي قدمتها القوات الأمنية والحشد الشعبي، رغم كل ذلك فوجئ أهالي المناطق المحررة في الساحل الايمن لمدينة الموصل بـ"تجوال" عناصر داعش بكل حرية بعد أن حلقوا لحاهم وخلعوا الزي "الأفغاني"!.
الكثير من ملامح المنتمين الى داعش في الموصل، تغيرت بعد عمليات التحرير، فلم يعودوا يرتدون الزي "القندهاري" أو يطيلوا لحاهم، كما تقضي تعليمات التنظيم.
وعاد السكان، المكتوون بالحرب وفقدان ذويهم، لرؤية عناصر التنظيم بالازياء الجديدة، وهم يتجولون بالاسواق، مرتدين سراويل الجينز.
يقول مسؤولون في الموصل ان بعض عناصر التنظيم لم يخضعوا للتدقيق الامني في الساحل الايمن خلافا لما حدث في الساحل الايسر الذي تحرر مطلع العام الحالي.
وخلال الايام القليلة الماضية، اندلع احتجاج كبير في جنوب الموصل، إثر عودة بعض المسلحين وعوائلهم الى المدينة، اذ طالب الاهالي هناك بإخراجهم فوراً.
وتشعر السلطات المحلية بحرج شديد أمام هذه المعضلة الاجتماعية التي تنذر بتفجر الثارات في المناطق المحررة، إذ لا تملك صلاحيات لطرد عوائل داعش، في الوقت الذي تخشى معه من توسع دائرة الانتقام.
ما بعد التحرير
وسجلت مؤخراً في مناطق جنوب الموصل، عمليات تهديد وإلقاء قنابل صوتية على منازل عناصر التنظيم. لكن المسؤولين يقولون ان تلك الحالات ما زالت محدودة وتم تطويقها.
وفي آذار الماضي، وبعد شهر من انطلاق عملية تحرير ساحل الموصل الايمن، وعد رئيس الوزراء حيدر العبادي بـ"حماية" عوائل عناصر تنظيم داعش.
وقال العبادي، في مؤتمر عقده في بغداد، ان "داعش أصبح يوما بعد يوم محاصر في منطقة ضيقة.. اعلموا أن الدواعش محاصرون في أيامهم الأخيرة". كما تعهد بمعاملة أسر مقاتلي داعش بـ"إنصاف"!.
وأضاف "حتى العوائل المدنية للدواعش نحافظ عليهم من غير المقاتلين.. نحمي العوائل ولا نتعرض للعوائل، ولكن إرهابيي داعش نقتص منهم"!.
لكن كلام رئيس الوزراء، ليس له تأثير على الارض. فقبل عدة أشهر اتفقت عشائر في نينوى على إبعاد عوائل التنظيم لمدة 3 سنوات.
وأصدر مجلس قضاء الموصل، الأحد الماضي، قراراً من عدة نقاط يتضمن منع عودة عوائل داعش او استقبالهم، كما طالب بفتح مخيمات ومدارس تثقيفية لإعادة دمجهم بعد ذلك بالسكان.
وحول هذا القرار، يكشف عضو مجلس الموصل زهير الجبوري، ان مجلس المدينة "صنف عوائل داعش الى اربعة اقسام، من حيث مدى ارتباطهم بما حدث في الموصل".
واضاف الجبوري، الذي يقول بانه صاحب المقترح، ان "القرار يشمل استبعاد كل تلك التصنيفات، وإجلاءهم الى مخيمات وفتح مدارس للتثقيف وإعادة الاندماج".
وتشير التقسيمات الى وجود عوائل كانت رافضة لما يحدث، واخرى مساندة. لكن الجبوري يقول "كيف نسمح بأن يجتمع الجلاد والضحية في مكان واحد حتى لو كانت العوائل بريئة من ذنب أولادها".
ويتضمن قرار المجلس، الذي صدر بالإجماع، منع استقبال عوائل داعش العائدة الى الموصل، وكذلك سرعة إفراغ مخيمات النازحين لإسكان ذوي التنظيم بدلا من النازحين. كما شدد المجلس على مختاري المحلات ومكاتب العقارات بمنع إيجار المنازل، دون الاعتماد على بطاقة السكن، وتقديم ورقة التدقيق الامني.
وينتقد المسؤول المحلي، وهو عضو في كتلة متحدون في الموصل، برئاسة المحافظ المقال والمطلوب للقضاء أثيل النجيفي، عمليات التدقيق في الساحل الايمن، حيث يعتقد ان سرعة عمليات التحرير تسببت بعدم فحص الكثير من السكان والنازحين.
وعن أسباب هذا القرار، يقول الجبوري ان "بعض السكان بدأوا يشاهدون الدواعش في الاسواق بعد ان حلقوا ذقونهم وخلعوا الزي القندهاري"، مؤكدا ان "ذلك دفع السكان الى السكوت وعدم الإبلاغ عن مسلحي داعش، خوفاً من الانتقام بعدما وجدوا الإرهابيين طلقاء".
العوائل المرحّلة
ولا يعرف بالتحديد عدد العوائل التي قد يتم ترحيلها من الموصل او المدن الاخرى في محافظة نينوى، لكن بعض المسؤولين يتحدثون عن آلاف العوائل.
وكانت تقديرات الجيش الامريكي، قبل بدء عمليات الموصل في تشرين الاول الماضي، تتحدث عن وجود 5 آلاف مسلح في المدينة.
لكن حنين القدو، النائب الشبكي وعضو لجنة حقوق الانسان النيابية، يشكك في تلك الارقام ويقول "لا تصدق كلام القوات الامريكية، فان عدد المسلحين في نينوى يصل الى 80 ألف عنصر".
ويعتقد القدو ان "80% من عناصر التنظيم في الموصل هم من اهل المدينة، وليسوا من الاجانب".
وكان أبو سعد الانصاري، احد قادة التنظيم، اكد خلال خطبة الجمعة التي ألقاها في الجامع النوري في صيف 2015، ان "عدد مقاتلينا في كافة أنحاء العراق بلغ 40 ألف مقاتل"، مشيرا الى أن "عدد عناصر التنظيم في ولاية الموصل تجاوز الـ20 ألف مقاتل".
وتشير تقديرات سابقة الى ان عدد مسلحي داعش في محافظة نينوى يصل لعشرة آلاف 10% من العناصر العراقية ويقدر عدد عوائلهم بألف عائلة.
ويقول القدو، ممثل أقلية الشبك التي تقطن في سهل نينوى، ان "بقاء عوائل داعش في المناطق المحررة سيشكل خطورة على الاستقرار"، لافتاً الى ان مناطق الشبك تضم أعدادا قليلة من عوائل التنظيم.
عمليات الانتقام
بدوره يعترف عضو مجلس محافظة نينوى عبد الرحمن الوكاع، بوقوع حالات انتقام بحق عوائل داعش في جنوب الموصل، معربا عن خشيته من تطورها، مشيرا الى التهديد الذي تتعرض له 500 عائلة انتمى بعض أفرادها لداعش في ناحية الشورة.
ويقول الوكاع "قبل ايام كان هناك احتجاج في القيارة بسبب عودة بعض عوائل داعش، ووجود عوائل اخرى"، لافتا الى ان "الاحتجاجات قدمت تهديداً مباشرا لتلك العوائل وطالبتهم بالمغادرة فورا".
ويتابع "بسبب الانشغال بتحرير الساحل الايمن، فقد عادت بعض تلك العوائل الى جنوب الموصل"، مؤكدا ضبط بعض المسلحين يتخفون بين عوائلهم.
وغادر بعد عمليات التحرير بجنوب الموصل، في العام الماضي، الكثير من عوائل التنظيم. ويقول زهير الجبوري ان "مصيرهم متعلق بقرار من الحكومة والبرلمان، إذ يجب تشريع قانون بالتعاون مع الامم المتحدة لكي لا نتّهم بانتهاك حقوق الانسان".
بالرغم من ذلك، فقد قرر وزير الزراعة فلاح زيدان زعيم عشيرة اللهيب جنوب الموصل، قبل عدة اشهر، إبعاد عوائل داعش لمدة 3 سنوات، على أن يعاد النظر في امرهم بعد انقضاء هذه الفترة.
وفي آب 2016، قرر مجلس محافظة صلاح الدين "الطرد الفوري" لأقارب عناصر داعش، لفترة تتراوح بين 10 سنوات ومدى الحياة.
وتثير عمليات الانتقام بعد انتهاء عمليات التحرير، مخاوف اطراف موصلية. ويقول داود جندي، العضو الايزيدي في مجلس محافظة نينوى، ان "الخلاف ليس بين داعش والايزيديين فقط، بل هناك خلافات بين العرب والكرد والتركمان".
رغم ذلك يؤكد جندي ان "الايزيديين ليسوا مع الانتقام. نسعى للحصول على قرارات دولية بالمجزرة التي حلت بنا، وبعد محاسبة المجرمين لن نمانع من عودة عوائل المسلحين".