اخبار العراق الان

تلعفر والحويجة والقائم: ثلاث معارك سياسية بانتظار العراق قبل طي صفحة داعش

تلعفر والحويجة والقائم: ثلاث معارك سياسية بانتظار العراق قبل طي صفحة داعش
تلعفر والحويجة والقائم: ثلاث معارك سياسية بانتظار العراق قبل طي صفحة داعش

2017-07-26 00:00:00 - المصدر: نقاش


 في صيف 2014 بلغ تنظيم "داعش" اوج قوته وسيطر على مدن الموصل والانبار وصلاح الدين ما يشكّل ثلث مساحة العراق، ولكن نفوذ المتطرفين تقلص كثيرا هذه الايام خصوصا بعد خسارته الموصل عاصمة دولة "الخلافة" التي اعلن ابو بكر البغدادي من احد مساجدها تنصيب نفسه خليفة على المسلمين.

 

يسيطر المتطرفون اليوم على ثلاث بلدات فقط هي تلعفر غرب الموصل، والحويجة جنوب كركوك، والقائم غرب الانبار، ولكل مدينة حساباتها السياسية المعقدة بعضها مرتبطة بثلاث دول مجاورة للعراق ايران وتركيا وسورية، واخرى مرتبطة بالصراع بين بغداد واربيل.

 

وعلى خلاف باقي المعارك التي خاضتها قوات الامن العراقية في تكريت وبيجي والفلوجة والرمادي وجرف الصخر كان التحدي يدور حول هوية القوات المشاركة في المعركة دون تعقيدات سياسية كبيرة، ولكن المعارك المقبلة ستكون من نوع آخر.

 

يدور صراع تركي – ايراني على بلدة تلعفر التي تقطنها غالبية من التركمان السنة والشيعة، بينما يتطلب الإعداد لمعركة الحويجة توافقا سياسيا بين حكومة بغداد وحكومة اقليم كردستان، في حين ان المعركة الحاسمة ضد المتطرفين في بلدة القائم غرب الانبار الواقعة على الحدود الدولية تتطلب تنسيقا عراقيا - سوريا – اميركيا بسبب تعقيدات النزاع السوري هناك.

 

صراع إقليمي حول تلعفر

عندما هاجم الجيش العراقي مدينة الموصل في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي بعد استبعاد الفصائل الشيعية من المعركة، قامت هذه الفصائل بالالتفاف حول المدينة وتوجهت غربا نحو مدينة تلعفر وخاضت معارك للسيطرة على ضواحيها، ولكن تهديدات تركية أجبرت الفصائل على التوقف وعدم اقتحام المدينة وقررت التوجه اقصى الغرب عند بلدة البعاج على الحدود السورية.

 

ويحذر مسؤولون اتراك من اقتحام الفصائل الشيعية تلعفر خشية حصول أعمال عنف طائفية ضد التركمان السنّة الموجودين في المدينة والذين ينظر اليهم من قبل التركمان الشيعة الذين غادروا المدينة الى محافظات جنوب العراق في كربلاء والنجف بأنهم يدعمون "داعش".

 

وعلى بعد (50 كلم) ما زالت قوات تركية موجودة في معسكر زليكان في بلدة بعشيقة شمال الموصل، ورفضت الانسحاب منها برغم اندلاع ازمة دبلوماسية بين بغداد وانقرة، وهذه القوة العسكرية ورقة تهديد ضد الفصائل الشيعية اذا ما شاركت في معركة تلعفر.

 

لكن الفصائل الشيعية مصرّة على المشاركة في المعركة، وفي 19 من تموز (يوليو) الجاري عقد كبار قادة الفصائل وهم هادي العامري زعيم منظمة "بدر" وقيس الخزعلي زعيم "عصائب اهل الحق" وابو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" وزعيم "كتائب حزب الله" اجتماعا لبحث المشاركة في المعركة، وهذه الفصائل معروفة بقربها من إيران وتدين بالولاء الديني الى المرشد الإيراني على خامنئي.

 

اما إصرار كل من تركيا وإيران على موقفهما فيمثل تحديا سياسيا كبيرا امام رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يسعى لتجنب حدوث صراع بين الدولتين حول المدينة قد يعمل على تغيير بوصلة الصراع الاساسية ضد "داعش"، ويحتاج العبادي لوسائل دبلوماسية في حسم الصراع بين الطرفين قبل التفكير في الخطط العسكرية.

 

يقول السياسي والنائب الكردي محمود عثمان لـ "نقاش" ان "معركة تلعفر ستكون صعبة، وهي معركة سياسية قبل ان تكون عسكرية، وبدون حصول توافق سياسي ستكون المعركة طويلة وشاقة، وعلى جميع الاطراف التركيز على العدو المشترك وهو داعش".

 

مسؤول سياسي عراقي قال لـ"نقاش" ان رئيس الوزراء يدرس خيارات صعبة حول معركة تلعفر، وهناك مخاوف من تدخل القوات التركية الموجودة شمال المدينة في المعركة، كما ان القوات الأمنية العراقية تعرضت للإنهاك في معركة الموصل خصوصا جهاز مكافحة الإرهاب.

 

أحد المقترحات لحل مشكلة اصرار الفصائل الشيعية على المشاركة في المعركة، الاستعانة بالفصائل المعتدلة والمعروفة باحترامها قرارات الحكومة ابرزها "فرقة العباس القتالية" الى أنشأت بإيعاز من المرجع الشيعي المقيم في النجف علي السيستاني لحماية المراقد الدينية في كربلاء وشاركت في القتال ضد داعش في مناطق عدة، وهذه الفرقة شاركت أيضا في معركة الموصل لإسناد الفرقة التاسعة للجيش في الساحل الغربي من المدينة.

 

كاظم الدراجي احد مقاتلي "فرقة العباس القتالية" اكد لـ "نقاش" ان الفرقة ستشارك في معركة تلعفر بقرار من الحكومة الى جانب قوات الجيش، وقال أيضا إن الفرقة استدعت أكثر من ثلاثة آلاف من مقاتليها الاحتياط استعدادا للمعركة المقبلة.

 

صراع كردي عربي على الحويجة

في جنوب محافظة كركوك المتنازع عليها بين الأكراد والعرب تقع بلدة الحويجة التي تقطنها عشائر سنّية، ويسيطر "داعش" عليها منذ ثلاث سنوات ولم تتعرض لأي عملية عسكرية لتحريرها بسبب صراعات سياسية بين قوات البيشمركة والفصائل الشيعية ووجهاء المدينة من الطائفة السنية.

 

تصرّ الفصائل الشيعية على المشاركة في معركة الحويجة لحماية قرى شيعية واقعة في ضواحيها ابرزها قرية "بشير"، ولكن القوات الكردية تخشى بقاء الفصائل الشيعية في مواقعهم بعد انتهاء المعارك، في حين يخشى شيوخ عشائر الحويجة وغالبيتهم من الطائفة السنية من مشاركة قوات كردية وشيعية لاستعادة مدينة يقطنها السنّة وما قد ينتج عن المعركة من اعمال عنف طائفية.

 

ويقول خضر العبيدي احد شيوخ عشائر الحويجة ويقطن في اقليم كردستان لـ "نقاش" ان "تحرير الحويجة يحتاج قبل كل شيء الى مفاوضات سياسية بين بغداد واربيل، وبدون ذلك فان المدينة ستبقى لفترة طويلة تحت سيطرة المتطرفين".

 

ويضيف العبيدي ان على "الحكومة تشكيل قوات محلية من سكان المدينة الذين نزحوا منها، هناك المئات من شباب المدينة الذين نزحوا الى وسط وشمال البلاد مستعدين للتطوع في صفوف القوات الامنية لتحرير مدينتهم ومساعدة القوات الامنية في ذلك لأنهم الاعرف بطبيعتها الجغرافية".

 

ولكن المشكلة ان العلاقة بين بغداد واقليم كردستان في الوقت الراهن غير مؤهلة لإيجاد توافق حول معركة الحويجة، فالإصرار الكردي على اجراء استفتاء استقلال اقليم كردستان عمّق الخلافات مع الحكومة العراقية التي اعلنت على لسان رئيس الوزراء حيدر العبادي رفضها الشديد لتنظيم الاستفتاء.

 

الاستفتاء على استقلال كردستان العراق ما هو الا نقطة خلاف جديدة تضاف الى خلافات قديمة ما زالت عالقة، ابرزها الخلاف حول ادارة النفط، اذ تطالب كردستان بادارة النفط لوحدها دون تدخل بغداد وهو امر ترفضه وزارة النفط الاتحادية منذ سنوات، وهناك ايضا الخلاف حول دفع رواتب موظفي كردستان ومقاتلي البيشمركة.

 

القائم عاصمة داعش الغافية على حدود دولية

في آب (أغسطس) عام 2014 فاجئ "داعش" العالم عندما ألغى حدود معاهدة سايكس بيكو، ودمر السواتر الترابية الحدودية بين العراق وسورية ليعلن عن إقامة مدينة جديدة باسم "ولاية الفرات" تمتد من مدينة "البو كمال" السورية إلى مدينة "القائم" العراقية، لتصبح المدينة الأشد تحصيناً وأمنا لـ"داعش" لاعتبارات جغرافية.

 

ولوقوع مدينة القائم على حدود دولية اختارت الحكومة عدم التورط في معركة معقدة حول مدينة تبعد عن بغداد مئات الكيلومترات، ولهذا ستكون اخر معركة يخوضها العراقيون ضد "داعش" بعد استعادة بلدتي تلعفر والحويجة.

 

وتكمن المشكلة في ان اي عملية عسكرية على حدود دولية تتطلب استعداد الدولتين لشن العملية وتأمين الحدود، فالنظام السوري غير قادر على تنفيذ عملية عسكرية في الوقت الراهن كما ان القوات العراقية ليست مستعدة لها ايضا، وفقا للواء المتقاعد ابراهيم الجميلي.

 

يقول الجميلي الذي عمل في القوات البرية خلال الحرب العراقية – الايرانية لـ "نقاش" ان "اصعب الحروب التي تقع على الحدود وفي مناطق صحراوية شاسعة، والمعركة في القائم ستكون صعبة عسكريا وسياسيا، اذا هاجم الجيش العراقي سيهرب المتطرفون من القائم الى بلدة البو كمال في سورية، ولكن لاحقا سيعود المتطرفون لغياب قوات سورية للضغط عليهم هناك".

 

ويؤكد على "ضرورة وجود تنسيق دبلوماسي وسياسي بين العراق وسورية قبل التفكير في الاعداد لمعركة الحدود، والمشكلة ان الازمة السورية معقدة وهناك صراع اميركي – روسي حول ادارة الازمة ناك، وكلما استمرت الازمة السورية كلما تأخرت عملية تحرير القائم والحدود العراقية".

 

في شباط (فبراير) الماضي اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي عن اعطاء اوامر لطيران الجيش العراقي بقصف معاقل "داعش" داخل الاراضي السورية في بلدة البو كمال بعد تنسيق مع النظام السوري، ولكن بعد ايام توقفت الغارات دون معرفة السبب، ويبدو ان العراق سينتظر ما ستؤول اليه الازمة السورية لمعرفة مع من سيتفاوض بشأن معركة الحدود المشتركة.