لماذا الاصرار الكوردي على اجراء الاستفتاء في موعده والاخرين على تأجيله؟
مع تحديد الخامس والعشرين من ايلول المقبل ، يوما لاجراء الاستفتاء في اقليم كوردستان لتقرير المصير من غالبية الاحزاب والقوى السياسية الكوردستانية ، تباينت رود الافعال المحلية والاقليمية والعالمية بشأن القرار ، مبدئيا ليس هناك ولاصوت واحد رافض على اساس ان الاستفتاء حق مشروع لكل شعب لرسم مستقبله واتخاذ قرار على وفق الميثاق العالمي للأمم المتحدة ، بل غالبية القوى المحلية العراقية بضمنها الحكومة الاتحادية فضلا على القوى الاقليمية والدولية تطالب بتأجيل الاستفتاء من دون ان تحدد مدة التأجيل ، متذرعة ان اوضاع الاقليم الداخلية من حيث الخلافات السياسية والاوضاع الاقتصادية والتدخلات الاقليمية غير مساعدة في الوقت الحاضر لاجراء الاستفتاء. ، القوى الاقليمية المتخوفة اكثر من غيرها من اجراء الاستفتاء تعتقد انه في حال اجراء الاستفتاء المعروف نتيجته مسبقا تبدأ الخطوة التالية وهي الذهاب الى اعلان الدولة الكوردية وبالتالي سيؤثر ذلك سلبا على اوضاعها الداخلية وامنها القومي وتهديد وحدة اراضيها المزعومة في حين غالبية القوى الدولية اعلنت ان الحرب ضد الارهاب في المنطقة هي الاولوية بالنسبة لها في الوقت الحاضر وهذا هو ظاهر القضية ولكن الحقيقة هي ان هناك تفاهمات محورية روسية امريكية مع حلفائهما بالمنطقة بشأن مستقبل الشرق الاوسط لم تتبلور بعد ولم تعرف نتيجتها النهائية ، لذلك ينبغي التأمل الى حين اتفاق الطرفين على رسم الخارطة الجديدة للمنطقة.
الموقف الكوردي لحد الساعة واضح وليس فيه اية ضبابية كما ورد على لسان السيد مسعود بارزاني رئيس الاقليم والمسؤولين الاخرين من القوى التي تدعم مشروع الاستفتاء وهو ان الاستفتاء قائم برغم جميع المواقف السلبية والاقليم اتخذ قراره ولن يتراجع عنه بوصفه مطلبا جماهيريا وقدمت تضحيات جساماً وانهاراً من الدماء في العقود الماضية من اجل تحقيق الحلم الكوردي الذي طال انتظاره اكثر من قرن من الزمن.
هنا سؤال حيوي يطرح نفسه وهو لماذا يصر الاقليم على اجراء الاستفتاء ، ولماذا اصرار الطرف او الاطراف الاخرى على تأجيله؟
الجانب الكوردي وصل الى قناعة تامة ، وهي ان قضية وحدة العراق وبقائه على ماكان عليه قبل 2003 مجرد ضرب من الخيال اذا أخذنا بنظر الاعتبار افرازات الحرب ضد الارهاب وتأثيراته المدمرة على تفكك النسيج الاجتماعي للمكونات وسوف تطفو على السطح احداث وتطورات جديدة ربما اخطر من داعش ستجر البلاد الى صراعات سياسية وتوترات حتى على المستوى الجماهيري ، اي بين العشائر المتحزبة بسبب الصراع الشيعي الشيعي ، والشيعي السني ، والكوردي مع الاثنين على المصالح ، الامر الثاني بالنسبة للجانب الكوردي هو ان المنطقة الان تمر بمرحلة حساسة جدا بسبب الاصطفافات الجديدة بشأن المحورين الروسي والامريكي وبلاشك فان الطرفين سوف يصلان الى تفاهمات جديدة بشأن تقسيم مناطق النفوذ في المنطقة بحيث يضمن مصالح الطرفين والاطراف المرتبطة بها وبالتاكيد هذا سيغير خارطة المنطقة وسيكون الكورد لاعبا اساسيا في تلك التحولات نظرا لامتداده في اربع دول مهمة واساسية في المنطقة ، الامر الثالث هو ان الكورد تيقنوا ان الشراكة مع بغداد اصبح من المستحيل بسبب التجارب المرة السابقة ، لان الطرف الاخر لا يريد شراكة حقيقية بل يريد شريكاً يتماشى مع سياسته الى حين فرصة جديدة للانقضاض على مكاسب الشعب الكوردي وهذا ما ثبت في الولاية الاولى والثانية لحكومة المالكي وحكومة العبادي لم تستطع ان تغير شيئا بل زاد اقصاء وتهميش الكورد من المناصب والامتيازات في مرحلة حكم العبادي اكثر من السابق ولذلك الجانب الكوردي بالرغم من كل التعقيدات الداخلية والضغوط الاقليمية والدولية يسعى من اجل لملمة اوراقه والاستعداد لمرحلة تقسيم كعكة الشرق الاوسط الجديد وبناء كيان مستقل له بعد ان قسم ارضه وشعبه زورا بين دول المنطقة وخوض نضال دموي ضد اربعة انظمة في المنطقة ، كما يعتقد الجانب الكوردي ان لم يستعد للمرحلة المقبلة ويرسم مستقبله ، فسوف يكون مرة اخرى ضحية للتفاهمات الدولية كما في السابق و ستحل به كارثة كبرى لا يحمد عقباها.
اما لماذ تسعى الاطراف الاخرى لتأجيل الاستفتاء ، فالاسباب عكس التصورات الكوردية بالضبط ، اي ان الجانب المحلي ، الحكومة العراقية والقوى السياسية المشاركة في العملية السياسية وخارجها ، ليست لديها رؤية واضحة لمستقبل البلاد ، لانها هي الوحيدة الغائبة عن رسم المستقبل وعليها ان تتماشى ما يرسم للعراق في المرحلة المقبلة من المحورين الروسي والامريكي والقوى الاقليمية المرتبطة بالمحورين ، والعراق لا يتبع المحورين بشكل مباشر وانما خاضع لهيمنة القوى الاقليمية التي هي جزء من المحورين اي مرتبط بالمحاور بشكل غير مباشر ، مجموعة قوى سياسية تعمل لاجندة ايرانية واخرى تعمل لمصالح دول الجوار العربي والدول الخليجية واخرى تتبع انقرة في قراراتها وبرامجها ، لا ننسى اليوم العراق لم يعد بلدا ذا سيادة بل هناك هيمنة اقليمية واضحة على القرار العراقي سواء على المستوى الحكومي ام البرلماني ولا يمكن للحكومة العراقية ان تتخذ قرارا سياديا من دون الرجوع الى واشنطن وطهران وانقرة ، لذلك على بغداد ان تسير وراء التفاهمات الجديدة بشأن مستقبل المنطقة والاحزاب والقوى السياسية العراقية ايضا تسعى من اجل تأجيل الاستفتاء لكي تكون لها رؤية واضحة للمستقبل ويتخذ كل مكون قراره المستقبلي على ضوئها .
اما الجانب الاقليمي ، فمخاوفه وهواجسه معروفة ومنطقية ولاحاجة للتطرق لتفاصيلها ، لانها متيقنة ان المنطقة ستشهد متغيرات جيوسياسية في المرحلة المقبلة وربما ستشهد ولادة دولة كوردية موازية لحدودها التي يقطنها غالبية كوردية فضلا على وجود قوميات وطوائف اخرى ضمن توليفتها المجتمعية التي ستتشجع للمطالبة بكيان لها على غرار الكيان الكوردي، اذ يشكل ذلك تهديدا وخطرا على مستقبلها وربما تفككها على المدى البعيد ، لذلك تسعى لتاجيل الاستفتاء الكوردي لمدة اخرى على امل ان تحدث متغيرات في السياسية الدولية حيال قضايا المنطقة وبالنتيجة اجهاض المشروع الكوردي او على الاقل ان يكون لها الوقت الكافي لتتمكن من ان تصون نفسها وتكتسب مناعة داخلية كي لا تنجرف مع موجات التغيير المقبلة المؤاتية لاعلان الكيان الكوردي المستقل.
وغاية القوى العظمى الساعية للتأجيل هي لأكتمال الصورة ورسم الخارطة الجديدة و صياغة التفاهمات حيال مناطق النفوذ مع حلفائها في المنطقة والتعامل مع القضية الكوردية وفقا لمصالحها في المرحلة المقبلة وليس لمصلحة الشعب الكوردي.