اخبار العراق الان

عاجل

استقلال كوردستان لا تعني الانفصال بالضرورة... ولكن كيف؟

استقلال كوردستان لا تعني الانفصال بالضرورة... ولكن كيف؟
استقلال كوردستان لا تعني الانفصال بالضرورة... ولكن كيف؟

2017-09-29 00:00:00 - المصدر: باسنيوز


 

 

لقد بدأت التحركات في بغداد و داخل اروقة البرلمان العراقي ثأرا على الخطوة التي أَقدَمَت عليها القيادة في كوردستان بالذّهاب الى استفتاء شعبي ليدلي الشعب بقراره في أيلول 25 الحالي . هذه الخطوة التي أَتخَذَتها كوردستان ليست وليدة اليوم ولا السنة الماضية, إنّما هي نتيجة صراع طويل منذ عام 2003 حيث تمّ تغيير الحكم في العراق من قبل قوات التحالف الدولي ومن ثَمّ إنشاء حكومة جديدة يحافظ على التوافق بين الأطراف المختلفة من مكوّنات الشعب العراقي . ولكن التجربة قد فشلت لتكوين دولة وطنية نزيهة و مدنية تحترم المواطنين بسبب التوجهات الطائفية وزيادة دور إيران في العراق.

صوّت العراقيون على دستور يقرّ بالفيدرالية ويعطي لإقليم كوردستان صلاحيات إدارة الإقليم داخل دولة العراق الفيدراليّة. وحتى قبل ذالك التاريخ, الكورد في كوردستان طالبوا الحكومات العراقية المتعاقبة بأن يعطوهم حقوقهم المشروعة إلّا إنّ الرّفض والإضطهاد كانا الجواب الوحيد.

 تأريخ الشعب الكوردي ملئ بقصص وحكايات مريرة ومفزعة بسبب سطوة الحكومات العراقية ومحاولتها فرض آرائها ومعتقداتها على الشعب في كوردستان. وزادت من حدة المواجهة بساطة سيكولوجية الانسان الكوردستاني بصدقه ونزاهته وصراحته وترسّخ مبادئ العدالة عنده لمّا جهر بمعارضته للأنظمة العراقية الشمولية والعنصرية, مما ادى الى تقهقر أوضاعهم مقارنة مع غيرهم داخل عراق محكوم من المركز. فيما حاول بعض الأقليات التمسك بهويّات مشتركة اخرى بينها مع القومية العربية التي كانت تتمتع بالاكثرية في العراق وتحكمه بيدٍ من حديد, بينما الكورد عرّفوا أنفسهم بانهم لديهم ثقافة فريدة و مغايرة ولا يمتون بصلة الى الأكثرية الحاكمة وهذا مما صعّد من حدة المواجهة والعداء لهم ووضعهم في وجه المدفع. وكذلك النضال المسلّح المتمثل في قوات البيشمركة التي كانت تدافع عن طموحات الشعب زاد من الطين بلة لمواجهة أهالي كوردستان من قبل الحكومة واعتبارهم خونة او مجرمين فبدأت الحكومة العراقية حملات مكثفة للقضاء عليهم عن طريق استخدام الجيش ضد المدنيين ومنها حملات الإبادة الجماعية السيئة الصيت المسماة بالانفال وحملات تفجير الالاف من البيوت في القرى الكوردستانية و تهجير أهلها الى مجمّعات قسريّة وتحويل هذه القرى الى أماكن محرمة الإرتياد. فالكورد داخل العراق أصبَحوا كاليهود للنازيين في عهد هتلر وصاروا رمزا للثقافة الفريدة التي لا تنسجم ولا تنصهر. لذا أصبحوا الشماعة التي تلقى عليها باللائمة في كل انتكاسة تواجه الحكومات العراقية.

وفي عهد المالكي بدأت حملة الطائفية وصيد السنة التي كانت أشبه بصيد الساحرات في أوروبا في القرون الوسطى . وتخلّص المالكي من مناوئيه من السياسين السنّة قبل الكورد وبعدها قام باساءة إستخدام السلطة لكي يبقى على الحكم. وأساء استخدام المال العام لتأييد حملاته الانتخابية وإعادة ترشيحه. وخسر جزءاً كبيراً من الأراضي العراقية لداعش التي أخذتها بالقوة ولمدة ثلاث سنوات تقريباً. فانشأت داعش دولته  المزعومة على مرأى ومسمع الحكومة العراقية بسبب الفساد المستشري داخل هذه الحكومة ، والغريب أنّ البرلمان العراقي لم يصدر منه قرارات حاسمة وسريعة عند دخول داعش الى الأراضي العراقية وسيطرتها على مساحات شاسعة في العراق مثلما اظهر مواقف في هذه الايام بعد قرار القوى السياسية في كوردستان بالاحتكام لصوت الشعب في استفتاء 25 سبتمبر/أيلول. ولا صدر حين دخول داعش قرارات من المحكمة الفيدرالية مثلما صدر منها ضد عملية الاستفتاء والتي هي عملية ديمقراطية وتريد المحكمة ضبطه عن طريق مؤسسة بيروقراطية. حيث لايمكن للمؤسسات البيروقراطية والمكتبية ان تشرف وتتعالى على التنظيمات الديمقراطية في أي حال من الاحوال.

بسبب التوافقات السياسية بين السنة والشيعة والكورد أصبحت الحكومة العراقية هي حكومة المحاصصة و تم تأييد ودعم هذه الدولة من قبل إيران بعد خروج القوات الامريكية من العراق وخاصة في الدورة الثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. إنّ التدخل الإيراني لدعم النظام العراقي وفرض نفوذه عليه قد ساعد على تغلغل النظام الإيراني في العراق وبدء إحكام سطوته على مفاصل الدولة العراقية بتغليب مجموعات تصبّ في مصلحتها دون الاخرين.

 وهكذا فَقدَ العراق هويته كدولة مستقلة و باتَت سيادتُه معرّضة لإعادة النظر من جهة ايران. وقَطعَت الحكومة العراقية حصّة حكومة كوردستان من الميزانية العراقية منذ عام 2013 وهذا أدى الى تخفيض رواتب الموظفين الى ثلث رواتبهم تقريبا. ما شكّل ضغطا كبيرا على عوائل الموظفين في كوردستان وقلل من السيولة ولم نرى من يعترض من الكيانات التي عارضت وتعارض الاستفتاء تعترض على هذا القرار في بغداد وتعتبره تجاوزاً على الدستور. وتم تأجيل تطبيق المادة 140 من الدستور الخاصة بمعالجة مشكلة المناطق المتنازع عليها لحين قولهم إنّ هذه المادة قد ماتت ونفذت صلاحيتها فحينها هدّدت القيادة الكوردية بإنشاء دولة كوردستان مالم يتم حلّ هذه الخلافات ، ولم تستمع الحكومة المركزية لهذه المطالب.  ولكن كوردستان اكملت المشوار في الذهاب الى الاستفتاء لمعرفة رأي الشعب في تقرير مصيره بنفسه , في عملية ديمقراطية وطبيعية وسلمية.

إلا أنّ الاستفتاء تمّ تعريفها في الاعلام على انّها تعني الإنفصال من العراق, وهذا الكلام غير دقيق لإن كما بينّا آنفاً ان العراق هو الذي فصل نفسه عن الإقليم وذلك عن طريق قطع التمويل وإهمال تطبيق كل البنود الدستورية التي تخصّ كوردستان, خاصّة في ما يخصّ المناطق المتنازع عليها. العراق فصل نفسه عن تاريخه وثقافته بعد الميلان نحو ايران وتطبيق التّوصيات الإيرانية الواردة عن كلّ المسائل الداخلية والمصيرية, خاصة في ما تخص قطع الميزانية عن كوردستان ومحاربة السنّة وهكذا أصبحت إيران عرّاب الدولة العراقية الحديثة.

وبسبب هذا التأثير الإيراني, فانّ نموذج العراق الديمقراطي والفيدرالي و التوافقي الذي يراعي الاقليات قد تحوّل الى عراق طائفي ومركزي وتسلّطي يضطهد الأقليات وهذا النموذج الأخير هو نكوص الى نموذج العراق ماقبل 2003 بمعنى التقهقر الى عهد الدكتاتورية, لذا يجب ان يستخدم السياسيون كلمة الاستقلال و ليس الانفصال. كوردستان لا تستطيع ان تفصل نفسهاعن سياق المنطقة ولن تفعل ذلك, فالأفضل لها ان تصبح مستقلة ولكنها مرتبطة مع حكومة بغداد بأواصر عسكرية, سياسية, اقتصادية, اجتماعية وامنية قوية. فالانفصال كلمة باطلة والمراد منها تأجيج وتأزيم القضية الكوردية من دون وجه حق لان الانفصال يعني فصل العلاقات امّا الأرض ستظل مرتبطة حتى لو رُسمت الحدود. وأيّة دولة موحدة متعددة الإدارات ولا تتمتع بعلاقات داخلية بينها في أجزائها ومؤسساتها فهي دولة منفصلة وهذا ما كانت عليه الوضع في العراق في الدورة الثانية لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي. حيث انقسمت العراق على الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كوردستان من أربيل وتنظيم داعش الذي اقتطع مساحات كبيرة من الأراضي العراقية بما فيها الموصل وتكريت والرمادي. فالانفصال كان نتيجة للسياسات الفاشلة التي أدّت الى قطع العلاقات بين الحكومة المركزية والإقليم إلى أن إجتمعوا في تحالف عسكري في الحرب على الإرهاب بمساعدة التحالف الدولي. اذاً الاستقلال لا تعني الإنفصال بالضرورة لذا على بغداد أن تبذل جهودها حتّى لايتحوّل الإستقلال إلى الإنفصال عن طريق عرض خيارات جيدة للتفاوض مع كوردستان. فلدى كوردستان الكثير لتقدّمه لبغداد فلا يمكن الإستهانة بالطاقات الموجودة كمشكلة النازحين وقضية الإرهاب والتعاون التجاري والعسكري. فهذا يعني بان كوردستان سوف تبقى ضمن نفس السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي ولكن بملامح ووجه جديد ألا وهي الدولة المستقلة. وهذه العلاقة الاستراتيجية بين بغداد واربيل سوف تصبح جسرا قويا تربط بين الكيانين وتُطَمئِن الجانب الاخر بان كوردستان لا تتهرّب من مسؤلياتها التاريخية وستبني الثقة بين الجانبين.

فهناك مؤشرات بان السنة في العراق ربما سينضمّون الى كوردستان لو ساءَت علاقتهم مع بغداد وهذه الحالة واردة. ولو كانت كوردستان انفصالية كما يقولون وهي دولة غير منفتحة امام طموحات الاخرين لما أراد السنة العرب ان يكونوا جزءا منها. فعلى كوردستان ان تعرف اوراقها الفعّالة وأن تستخدمها بشكل جيد لإدارة علاقاتها مع كل من الحكومة المركزية والحكومة التركية. لو إستطاع كوردستان أن يدير هذه العلاقات سوف تنجح في مساعيها. لابدّ أن تحرص كوردستان على الفصل في علاقاتها مع الحكومة المركزية ولا تسمح بمقارنتها مع علاقاتها بدول الجوار, حتى لا يتم تحويل الأمور الداخلية الى أمور إقليمية, لأن هناك إجتماعات لحكومة بغداد مع دول الجوار على حساب مصالح وطموحات الشعب في كوردستان وهذا الإجراء ماهي إلا مؤامرة على الداخل العراقي وخرق واضح للعهود ومواد الدستور في ما يخصّ السياسة الداخلية لدولة ذات سيادة.

 أليس أفضل وأسهل أن يتفق الحكومة المركزية مع الإقليم بدل أن تعمل على تقريب ايران وتركيا وتشاركهم سيادة الأراضي العراقية؟ لقد دأَبت الحكومة المركزية في العراق على مرّ العقود على إجراء اتفاقيات الخيانة مع دول الجوار  للانقضاض على حقوق الشعب الكوردي. ومن ضمن هذه الاتفاقيات ، اتفاقية الجزائر المشؤومة عام 1975 والتي بموجبها منحت الحكومة العراقية أراضيها لإيران وأصبحت هذه الاتفاقية لعنة تلاحقهم لثمانية سنوات من الحرب ليدفع العراق ثمنها. فلا يوجد أيّ مبرّر للحكومة العراقية أن تخلّ بالدستور لعمل اتفاقات إقليمية على حساب مكوِّن عراقي لهم حقوقهم وإجراء الإستفتاء لا يعتبر بحد ذاته خرقاً لانّه مجرد مسح لرأي الشارع الكوردي حسب النظام الديمقراطي. وتلجأ الحكومة المركزية الى الاستقواء بقوى أقليمية لإجهاض مشاريع ديمقراطية تطالب بحقوق أساسية تضمنتها كل الأعراف الدولية والديانات السماوية, ولكن الغريب في الأمر أنّ السياسين في المركز يلومون كوردستان والقوى الغربية على ما يسمونه مؤامرة لتقسيم العراق. وحين تخرج الدول القويّة في الغرب لتؤيدهم لايمكن لأحدٍ ان يتهمم بالعمالة والخيانة. وكأنّ التأييد الغربي حلال لهم وحرام على الاخرين!

اذاً, التمسك بوحدة المصالح في العراق حسب توافق الأطراف السياسية المختلفة بين الإقليم والمركز هي الأهم و ليست الوحدة الإدارية القسرية المركزية ومسؤولية الانفصال تقع على عاتق الطرفين في هذه المرحلة! فيمكن لكوردستان ان تستقلّ وتبقى مرتبطة بالعراق عن طريق اتفاقيات استراتيجية مادام تجمعهم مصالح مشتركة مع بعض وهكذا يمكن ان نتجنب الانفصال وتتمتع كوردستان بالاستقلال في نفس الوقت فلا تعارض بين الاثنين.

 

*أستاذ مساعد / ولاية كاليفورنيا