اخبار العراق الان

قيثارة الإستفتاء وطبول الحرب

قيثارة الإستفتاء وطبول الحرب
قيثارة الإستفتاء وطبول الحرب

2017-10-04 00:00:00 - المصدر: باسنيوز


قبل عدة أيام , تحديدا يوم 25/9, جرى استفتاء شعبي مثير للجدل في اقليم كوردستان العراق, عبر فيه الكورد وليس الأكراد عن رغبتهم الحرة في الأستقلال أو الانفصال عن العراق وبنسبة كاسحة قاربت 93 بالمئة .  ولكن هذا الحدث لم يمر بهدوء كما كان يطمح الكورد , فقد قامت الدنيا ولم تقعد تجاه هذا الحدث الذي وصفه البعض بالاعصار ولا تزال تداعياته تتوالى فى المنطقة والعالم .قبيل الأستفتاء بأسابيع , توالت دعوات دولية وأممية لثني الاقليم ورئيسه مسعود بارزاني عن اجرائه . والغريب في هذا الأجماع المفاجيء أنه يصدر من دول ذات ديمقراطيات عريقة , اتفقت بتنسيق أو بدونه على أن لا يدلي الكورد بملايينهم الستة برأيهم مجرد رأيهم في تقرير مصير فقدوا حقهم فيه منذ مئة عام حين تبعثر الكورد باتفاقيات سايكس بيكو 1916 ومعاهدة لوزان 1923 بين أربع دول: العراق وايران وتركيا و سوريا.

الأستفتاء الشعبي, على وجه العموم , سواء أجري في كاتالونيا الأسبانية , ام سكوتلندا الخاضعة للتاج البريطاني, أو كوردستان العراق أو غيرها , يعني في المفهوم الاصطلاحي له الرجوع الى الشعب لأخذ رأيه بالموافقة أو الرفض في موضوع عام كأن يكون قانونيا أو دستوريا أو سياسيا , والاستفتاء بذلك مظهر من مظاهر الديمقراطية. وحين يستفتى الشعب أو فئة منه بشأن تقرير المصير , فأن الرغبة في الانفصال تتأجج عندما تتعرض هذه الفئة الى تهميش ومظلومية تفرضها انظمة متسلطة. فالأستفتاء وسيلة للتعبير عن حقوق أبرزها حق تقرير المصير والذي يتضمنه ميثاق الأمم المتحدة وليس بدعة اخترعها الكورد أو الكتالان أو غيرهم.

السيد حيدر العبادي, رئيس الوزراء العراقي, وصف خطوة الأستفتاء بأنها غير دستورية وألمح الى استعداده لاستخدام القوة العسكرية طبعا” لردع حكومة الأقليم عن توجهاتها ! فيما اعتبرت الجارة ايران الأستفتاء شرارة لأشعال أزمات عديدة في المنطقة. الموقف التركي تميز بالمغالاة والانفعال المفرط ووصف قيادة الأقليم بالخيانة خيانة من لمن ؟ وكأن الأقليم جزء متمرد من تركيا وليس العراق. الأمر اللافت , أن الجارين اللدودين, ايران وتركيا, واثر الطلب الذي وجهته بغداد اليهما, أنتفضا وشاركا عاصمة الرشيد في قرع طبول الحرب بدءا بفرض الحصار على اقليم كوردستان. هذا التقارب المفاجيء ظاهره الحرص على وحدة وسيادة أراضي العراق, وهي ذريعة لن يصدقها حتى أبو صابر كنية يطلقها العراقييون على الحمار, وباطنها الخوف بل والرعب من أن يلهم الأستفتاء الكورد في ايران وتركيا على المطالبة بمثيله , وكذلك المطامع الخفية في نفط العراق واسواقه التجارية .

اختلاف الاراء

الأستفتاء , وأن اختلفت الأراء بشأنه وبتوقيته , وبتصوركاتب هذه السطور, ستكون له محاسن عدة أهمها : ستكشف للعالم الأخفاق الذريع للدولة العراقية في تحقيق مشاركة حقيقية للشركاء في العملية السياسية , وفشلها الأكبر في انشاء دولة مواطنة تسودها العدالة ألمجتمعية وتحقق الرخاء الاقتصادي للمواطن ولو في حدوده الدنيا , عوضا عن انشاء حكومة طائفية تتفنن في تكريس هيمنة مكون واحد والتهميش الى حد الشطب للمكونات الأخرى !! فالدول ذات السيادة ,لمعالجة شان داخلي تأزم فيها, لاتستنجد ولاتستقوي بالجوار مهما كان عزيزا عليها ومهما عرضت عمامته أو أرتفع طربوشه!

الأمر الآخر الذي يكشفه الاستفتاء- المعضلة , أن الملايين الستة من كورد العراق هم جزء من قومية يقدر تعدادها بنحو 30  مليون فرد توزع معظمهم على اربع دول في المنطقة , ويكونون بذلك اكبر شعوب الأرض التي لا تمتلك دولة خاصة بها. أن كان الأستفتاء الحالي في كوردستان العراق قد شكل للبعض معظلة ومشكلة , فليس ببعيد اليوم التي تطل فيه برأسها أزمات اخرى في دول المنطقة مالم يلتفت المجتمع الدولي بجد الى قضية هذا الشعب وينصفه من أخطاء التاريخ وظلم الجغرافية ناهيك عن ظلم الأنظمة السياسية المتسلطة  المتلاحقة عليه عبر السنين. الحوار سيظل الوجهة النهائية والحتمية لكل الأطراف, الحكومة العراقية نادت به مشروطا بتراجع الأقليم عن الأستفتاء الذي أعتبرته غير دستوري ! الاقليم بدوره اتفق على أهمية التحاور بعد اجراء الأستفتاء الذي يعده حقا مشروعا تكفله مواثيق وقوانين دولية. الطرفان يدركان جيدا البون بين التحاور قبل الأستفتاء والتحاور بعد الأستفتاء !!

التجارب السابقة للحوار والتفاوض بين الاقليم والمركز مرت بعراقيل ومطبات , تكلل بعضها باتفاقات لم تعمر طويلا خرق اغلبها أو تنصل منها الأخ الأكبر في بغداد. الدستور العراقي لم يسلم هو الآخر من خروقات عديدة لامجال لذكرها في هذا المقال. ويشير ذلك وللاسف ان العراقيين وكغيرهم من الشرقيين يفتقرون الى مهارة الحوار ومهنيته. الدلالات على ما نقول كثيرة , فجميع التفاوضات في المناطق الساخنة في الشرق الأوسط وغيره  ليبيا , سوريا , العراق , الخليج  يديرها خبراء وساسة محنكون من الغرب. التفاوض آت لا محال و عساه يأتي على عجل قبل أن تتفاقم وتائر الخلاف وتتراكم الخسائر بانواعها على الأطراف كافة, لكنه لن يتحقق الا بوساطة دولية أو ربما أممية.

يتهم البعض واشنطن بأن لها دورا خفيا في افتعال هذه الفوضى لا ندري ان كانت خلاقة او خلاف ذلك . في بداية الأزمة كانت ردود فعل واشنطن مترددة وتصريحاتها ضعيفة لاتنسجم مع الأدارة الجريئة للرئيس ترامب, لكنها كسرت الصمت بتصريح خارجيتها يوم  29/9 الذي رفض أستفتاء الكورد ودعا الى الحوار مؤكدا أن الحكومة الأمريكية تواصل دعمها لعراق موحد وفيدرالي وديمقراطي مزدهر!! الأدارة الأمريكية أرادت في بيانها هذا أن تخرج  بوصفة سحرية لاتستفز شريكها الأطلسي وهو تركيا , ولاتتجاوز على حكومة العبادي التي تدعمها في محاربة الأرهاب وفلوله المتبقية في العراق, ولا تحبط الشريك المثالي لها في العراق اقليم كوردستان , وفي ذات الوقت تكبح جماح ايران ونفوذها المستشري في العراق وسوريا.

 حكومة العبادي لايقل وضعها حراجة عن حراجة الأقليم المحاصر, فالعبادي لم يتمنى أن يعكر شيء صفو انجازاته ونجاحاته العسكرية في محاربة داعش ويهدف ولأسباب انتخابية تضمن له ولاية ثانية أن يحرر كافة الأراضي العراقية قبيل الأنتخابات العراقية المقبلة في نيسان 2018. العبادي بالتأكيد لن يحبذ أن يفقد العراق في عهده ثلاث محافظات تشمل اقليم كوردستان , على غرار ما حصل ابان ولاية سلفه المالكي , كما انه يريد أن يدحض اتهامات شركائه الشيعة لحكومته بأنها كانت انبطاحية تعبير قاس بحق في التعامل مع الكورد ومطالبهم التي لا تنتهي! والأمر الأخطر الذي لاريب يؤرق العبادي أن يلحق العرب السنة بالكورد بالمطالبة باقليم منفصل أو الأنضمام الى الأقليم الكوردي الذي سيمنحهم فسحة أفضل للعيش بسلام وأمن اختبروهما في نزوحهم أو اقامتهم في مدن الأقليم وربوعه.

 اخفاق وتعثر

وبعيدا عن اخفاقات وتعثرات العملية السياسية والساسة في العراق, والاعيبهم ودسائسهم التي لاتنتهي ولم تسخر الا فيما ندر في خدمة الشعب العراقي الصابر, يبقى العرب والكورد أخوة يجمعهم تاريخ ونضال مشترك وأواصر ووشائج عميقة تتجاوز فساد الساسة وضلالهم, ولن تمحوها أية حدود قد ترسم بينهم في مستقبل قريب أو بعيد. هذه الأخوة صدح بها وتغنى المطرب أحمد الخليل في خمسينات القرن الماضي بأغنية أشادت بتآخي وتناغم الكورد والعرب في أحلى أبياتها :  لو عزف على الناي راعي بالشمال على الربابة يجاوبه راعي الجنوب.