اخبار العراق الان

الاستفتاء اختبار للأخلاق العالمي

الاستفتاء اختبار للأخلاق العالمي
الاستفتاء اختبار للأخلاق العالمي

2017-10-05 00:00:00 - المصدر: باسنيوز


كل متابع لعملية الاستفتاء حول استقلال  اقليم كوردستان العراق يلاحظ تصعيدا مناهضا إبان  اقراره من قبل قيادة الاقليم في 7 حزيران 2017 سواء كان من قبل الحكومة العراقية او الانظمة الاقليمية او الدولية بدأ من المطالبة بالتأجيل والرفض وتطبيق العقوبات وانتهاءً بالتهديد العسكري.

في خطاب للسيد روبن كوك Robin Cook وزير خارجية بريطانيا بتاريخ 17 تموز 1997 وايماناً منه بأن السياسة الخارجية يجب ان تكون ذات بعد اخلاقي. حيث قال " لابد لسياستنا الخارجية من ان تتمتع ببعد اخلاقي ويجب عليها ان تدعم مطالبات الشعوب الاخرى بالحقوق الديموقراطية التي نصر عليها لأنفسنا ". واستمر في خطابه قائلاَ " سترفض بريطانيا تزويد الانظمة بالمعدات والاسلحة التي تمكنها من التنكر لمطالب شعوبها المتمثلة بحقوق الانسان ".

ان السيد كوك لم يأتي بجديد سوى تأكيد عضوية بلده في المجتمع الدولي وذلك بالتزامه بمبادئ الدفاع عن حقوق الانسان الدولي الراهن والمتمثل بواجب الدفاع عن حقوق الشعوب والالتزام بمقاطعة الانظمة الرافضة لحقوق الانسان والوفاء لتلك الحقوق وذلك باتخاذ إجراءات ايجابية لضمانها. بعد ان بات خطاب حقوق الانسان في يومنا هذا عالقاً بدوامة شجب انتهاكات الحقوق المدنية والسياسية لا اكثر.

ان النداءات الداعية الى التدخل لدعم الدول الديمقراطية او السائرة الى الديمقراطية باتت اليوم سائدة, مما ادى الى انتعاش وصحوة في النضال الوطني والقومي ليس لدى الشعوب المسلوبة منه حقوقه فحسب بل حتى لدى الشعوب المتمتعين بالحريات الكاملة في كيانات ديمقراطية وان تحديد نظام الحكم وشكلها وعدد هذه الكيانات تعود الى المواطنين انفسهم, ولا يحق لأي طرف دولي التدخل في ذلك. وهذا من صلب احترام ارادة الشعوب وحقهم في تقرير مصيرهم بالأساليب والممارسات السلمية والديمقراطية.

لا نريد ان نعود الى الماضي البعيد بل منذ القرن الماضي وحتى تاريخه تعرض الشعب الكوردي الى ابشع وافظع الجرائم راح ضحيتها اكثر من مليون شخص وتدمير الالاف من القرى مستخدمة ابشع الاسلحة التدميرية بما فيها الاسلحة الكيميائية وان هذه الجرائم ارتكبت بحق الكورد ليس على ايدي الانظمة الغاصبة لكوردستان فحسب بل بدعم ومساندة مباشرة من الدول العظمى التي كانت متواجدة في المنطقة آنذاك مثل بريطانيا وفرنسا والمانيا وامريكا والاتحاد السوفياتي وغيرهم. " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ...."

رغم كل هذه التحديات استطاع الشعب الكوردي بإرادته القوية وبإيمانه بحقوقه  القومية المشروعة كشعب اصيل يعيش على ارضه التاريخية ان يشق طريقه هادفاً الحرية والكرامة من خلال اجراء الاستفتاء حول استقلال كوردستان بعد فشل كل محاولاتهم بان يكونوا شركاء حقيقين مع بغداد ورغم التضحيات التي قدمها الاقليم والدور البارز لهم في بناء العراق الاتحادي الديمقراطي المدني. ولا يخفى على المجتمع الدولي ان القيادات العراقية المتعاقبة بعد سقوط نظام صدام جعلوا من العراق دولة طائفية دينية مذهبية تقوم على توزيع الاستحقاقات, كون الاحزاب السياسية التي تقود العراق الحالي احزاب طائفية دينية بعيدة كل البعد عن الليبرالية العلمانية وان هذه الاحزاب كلها اجندات الدول والانظمة الاقليمية التي تعتبر العراق بنسبة لها اداة لتحقيق مصالحها ومشاريعها العنصرية في المنطقة ناهيك عن استحواذ على كل ممتلكات وموارد العراق.

هذه القيادة سلم زمام اموره الى دول اقليمية وخاصة ايران الراعي الاول للإرهاب في المنطقة ولم يعد بمقدورها التحكم بالبلد بل تحول الى مجرد قيادة مأمورة لدى ايران. واول ما قامت بها هو توجيه افواه مدافع قراراتها الشوفينية الى اقليم كوردستان. فإذا كانت في الماضي الانفال بحق الشعب الكوردي بالأسلحة التدميرية فمازال الانفال مستمراً ولكن بأسلحة مختلفة متمثلة بالقرارات الجائرة. في الوقت الذي باتت كوردستان تشهد نهضة فريدة من نوعه في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعمرانية والعلمية ...الخ ناهيك عن قوة عسكرية والمتمثلة بالبيشمركة والأسايش الذين اثبتوا للعالم انهم القوة التي دحرت اسطورة داعش التي ارعبت العالم. وعلاوة على ذلك ان قيادة اقليم كوردستان من خلال ايمانها بالمبادئ الديمقراطية والعيش المشترك واعترافها واحترامها لحقوق جميع مكونات الشعب الكوردستاني وحماية تلك الحقوق ومشاركة هذه المكونات في جميع مؤسسات الاقليم بما فيها البرلمان والحكومة حتى بات نموذجاً في المنطقة لاحترامها للمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان.

ولكن مثل هذا نموذج لا يمكن ان يشهد ربيعاً خلاباً في ظل نظام طائفي مذهبي يقوده نظام راعي للإرهاب في المنطقة. فكان قطع الميزانية والموازنة عن الاقليم واستيلاء على مستحقات البيشمركة من الاسلحة والعتاد وتطبيق سياسة الاقصاء والتهميش, ناهيك عن ذلك ولا يخفى على احد بان داعش الذي توجه بكامل قوته الى اقليم كوردستان لم يدخل على العراق الا بمؤامرة قذرة بينهم وبين حكومة المالكي الذين دخلوا الى سنجار فارتكبوا فيها ابشع وافظع الجرائم بحق الانسانية, وان هذه المؤامرة كلف الاقليم مئات الشهداء والاف الجرحى والمفقودين والسبايا. ليس هذا فحسب بل اصبح اقليم كوردستان الحضن الدافئ لحوالي مليونين من اللاجئين سواء من المحافظات العراقية او كوردستان سوريا كلهم فارين من بطش الحرب والارهاب.

كل هذا الا ينبغي للمجتمع الدولي ان ينظر الى البعد الاخلاقي لسياسته الخارجية واحترامه لمبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان. باي وجهة حق يريد من كيان سائر نحو الديمقراطية والتزامه بالمبادئ الانسانية ان تنحل  وتذوب في دولة تسودها الفساد لم يعد بحاجة للوصف من حيث انتهاكاته لحقوق الانسان وممارساته اللاأخلاقية. واذا لم يعمل المجتمع الدولي على حماية الاقليم وتقديم الدعم اللازم له في تقرير مصيره من خلال استفتاء شعبي شفاف وحضاري لأجل بناء دولة ذات سيادة وهذا من صلب واجبه حسب القوانين والمواثيق الدولية, فلا ينبغي عليه ان يقف ضده والا سيقع شاءئت ام ابى في مستنقع دعم للأنظمة الفاسدة الداعمة للإرهاب. اختبار حقيقي فرضته قيادة اقليم كوردستان العراق لأخلاق المجتمع الدولي وحتى هذه اللحظة اغلبهم بحاجة الى اعادة تقييم للبعد الاخلاقي لسياساتهم الخارجية.