اخبار العراق الان

رحلة السليمانية بين الحبّ والحرب

رحلة السليمانية بين الحبّ والحرب
رحلة السليمانية بين الحبّ والحرب

2017-10-15 00:00:00 - المصدر: عين العراق نيوز


مقالات

الأحد 15 أكتوبر 2017 | 06:38 مساءً

| عدد القراءات : 4

رحلة السليمانية بين الحبّ والحرب

عمر تحسين الحياني

من غربِ العراق وتحديدًا مدينة الرمادي انطلقتُ صوبَ بغداد، استعدادًا لسفرةِ السليمانية ثالث أيام العيد من شهرِ ذي الحجة للعام 1438 والموافق في شهر أيلول 2017، منتظرًا صديقي أحمد هادي وصديقي محمد الباسم من مدينةِ الفنِّ والحبِّ والتأملِ مدينةِ الهدوءِ والجمال "بابل التاريخ"، كان برفقتي ابن خالي الأعزّ إبراهيم منذر آل جعفر والذي كنتُ أناديه متوددا "برهامي" سائقُ السيارة التي استأجرتها تعرفتُ عليه للتو، كان نازحًا من مدينةِ القائم الحدودية مع سورية، انسجمنا معه كثيرًا، كانتْ المسافة تزيد على 330 كيلومترًا مربعًا لكن ضحكاتنا ومزاحنا وعراكنا الودّي جعلنا لا نشعرُ بتعبِ السفرِ أو مللِ الطريق. نقاطُ تفتيش قوات الحكومة الاتحادية ونقاطُ تفتيش قوات حكومة الإقليم كانوا يستقبلونا بسلاسةٍ وترحيب، لم نجدْ ما يعكر صفو رحلتنا وجمالها سوى قصة ذلك الصبي الأخ الأصغر لسائقنا والذي أُختطِف على يدّ عصابات اجرامية قذرة دونما جرم ظهر منه أو سبب بدا عليه. نحو الساعة الثانية بعد منتصفِ الليل وصلنا شقة أخي الأصغر "علي"، كان بانتظارنا رغم أنه صاحبُ نومٍ مبكر لكنه الشوقُ الذي يلتهبُ في قلبه والحنينُ الذي يقضُ مضجعه جعلا عينيه تفارقانِ النوم فكانَ التعبيرُ عن ذلك بالاعتناقِ والقُبلِ واسترجاعِ الذكريات؛ وبخاصةٍ تلك التي كانتْ بين أحمد وعلي وكان الباسم شاهدَ ودٍّ على كثيرٍ منها، طرحتُ على جميعهم سؤالًا عن بدايةِ صداقتهم محاولينَ التذكر لكنه الحبُّ الذي تتساوى فيه البدايات مع النهايات وتختصرُ معه كلّ  المسافات. أحمد ذلك الشاب الذي قررَ أن يرتدي زي الرمادي في حفلِ تخرجه فكنتُ أنا حلاوي الحب والعشق والهوى. بدايتي مع الباسم كانتْ أضعف من الخجلِ وأرق من أوراقِ القرنفل وحينها لم أكن عارفًا كيف أبدأ لكنه سبقي ودعاني لوجبةِ غداءٍ حيث السمك "المسكوف" الذي أحبُّ قربَ أبي نؤاس في بغداد وكانت من كبرى محاسن أحمد عليّ أنه عرفني بالباسم. الباسم يصلي من غير صلاةٍ ويصومُ من غير صيام، هو يصلي لكلِّ محبةٍ وجمالٍ ويصومُ عن كلِّ ذي شرٍّ. عرفتُ أحمد محبًا حبيبًا طيبًا كريمًا ترتاحُ له النفسُ وتطيبُ برؤيته القلوب فأحببته قبلي. أول معرفتي بأحمد كانتْ خيطٌ وآخرها بحرٌ لا ينفد، ذاتَ ليلةٍ كنتُ أغني له بكلمات عبد الله الفيصل لأم كلثوم "من أجل عينيكَ عشقتُ الهوى". وهناك في السليمانية وعلى جبل "أزمر" كنتُ نقطةَ تعارف الصديقينِ العربيينِ أحمد ومحمد بالصديقينِ الكرديينِ "سلام وهافال" وكانا الأوليينِ من أصولٍ شيعية. أحبوا بعضهم بعضًا فكنتُ فرحًا كثيرًا بذلك. سلام ذلك الشاب النقي بنقاءِ ثلوجِ جبل "كويجة" الواسع المحبة كبحيرة دوكان والسدّ فيها جعلت منه سدًا منيعًا ضدَّ كلّ غلٍّ أو حقدٍ أو ضغينة، عرفتهُ أيامَ الحياةِ الجامعية، حكى لي ذاتَ ليلةٍ ونحن نشمُّ الهواء الطلق فوقَ قمةِ جبل أزمر عن سرِّ تمسكه بي قائلًا "أيام الحرب الطائفية المذهبية؛ حدثَ في الموصلِ حملةٌ اجراميةٌ مماثلةٌ لتلك التي حدثتْ في بغداد والتي كان يُقتَل فيها الطلابُ الجامعيونَ من السنةِ أما في الموصل فكان يُقتَل فيها الطلابُ الجامعيونَ من الشيعةِ؛ رأيتكَ يا "عمر" كيف عرضتَ نفسكَ للخطرِ الكبيرِ لتنقل ثلاثةَ طلابٍ إلى المشفى، تمَّ رميهم برصاصِ "تنظيمِ القاعدة" أمام الملأ، فأنقذتَ بذلك حياةَ اثنينِ منهم، كبرتَ في عيني فأزدادَ إعجابي وتمسكي وحبي بكَ" وكانتْ من كبرى محاسنِ سلام عليّ أنه عرفني بهافال، هافال كان جارًا لي لأكثر من سنة، في وجهه رونقٌ وفي قلبه حسن ورواء.. لنعم الجار هو ولنعم الصديقان هافال وسلام. إلى الشرقِ من مدينةِ السليمانية وبالقربِ من الحدودِ الإيرانية توقفنا أنا وعلي وأحمد ومحمد وإبراهيم عند مصيف "أحمداوه" يرافقنا في نزهتنا تلك صديقنا السائق "كوجر" الذي كان كثير البراءة والابتسام والبهجة والبهاء. أذكرُ ذاتَ ليلةٍ أن أحدَ أقاربي من بغداد قد زارني إلى السليمانية عندما كنتُ نازحًا فيها فاستأجرتُ كوجر إلى مطعم لوفان القريب من جسر كوباني الذي أفتتح في الثالث من آذار للعام 2016 تكريمًا لمقاومة كوباني، كوباني التي رسمتْ مهورَ الحرية بالدمّ والورد. كنتُ أرطنُ بعض الكردية واستطعتُ أن أخبر كوجر أن قريبي هذا هو "ميوان" والتي تعني بالكردي "ضيف". رفضَ كوجر أجرته لأجل الضيف ولم يكتفي بذلك وإنما جعلَ وقود السيارة يحترقُ لتدورَ عجلاتها حولَ كلِّ محيطِ السليمانية وشوارعها الرئيسية دون أيّ أجرٍ له وإنما لأجلِ الضيفِ كي يرى سليمانيةَ الهدوءِ والجمال فهو ضيفٌ وسائح. قرب الشلال جهزنا عدةَ الشواء وأشعلنا النار المعدة لذلك، كان عملًا تعاونيًا مشتركًا رغم تقسيم المهام وبينما نحن مجتمعونَ حول منقلة الجمر، كان هنالك صوتٌ جميلٌ يعزفُ آلةَ "الأورغ"، اسمه "سارتيب سلامي" كان يغني بجميعِ اللغاتِ "الكردية الأم" و "العربية" بطلاقةٍ ولغاتٍ أخرى.. ما أثار دهشة رفاقي أنه ألقى تحياتٍ وسلام لمختلفِ مدنِ العراق ومحافظاتهِ فقال مرةً تحية لكربلاء المقدسة وقال مرةً ثانية تحية للرمادي وللفلوجة وللنجف وللبصرة ولبغداد.. لم يكتفي بذلك وإنما كان يمجدُ في غنائهِ الجميل جميع صنوف القوات العراقية - المقاومة للإجرام والتكفير - الاتحادية منها والمنضوية تحتها وغير الاتحادية "البشمركة" ومن ينضوي تحتهم. اشتركنا معه في الدبكة الكردية مثلما اشتركَ طيفٌ واسعٌ من السواحِ بمختلفِ مذاهبهم وقومياتهم وألسنتهم. فتقدم إلينا بعدها ليعرض علينا واجبَ الضيافة، كان مسرورا بنا وكنا كذلك. بعد كلِّ ما تقدم في رحلتنا تلك تساءلت مع نفسي وأنا أرومُ قراءة كتاب " الحرب والحضارة والحب والموت" للعالم "فرويد". وأتابعُ في الوقتِ ذاته أخبار بغداد وأربيل والمشاكل التي بينهما، تساءلتُ "ماذا لو جرت الحرب بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم؟" لا محالة فإن جميع شخوص هذه الرحلة سيكون خاسرًا. ستخسر الأمهات والشيوخ والأطفال والشباب والفتيات الجميلات. لم يستفدْ من تلك الحرب سوى السياسي اللص المحتال وتاجر السلاح الرابح في كلِّ حروبِ العالم. ثم خطرتْ على بالي فكرة لإطفاء الحرب أو اشعالها! ماذا لو جرى استفتاء للعرب كشعب وآخر للكرد؛ استفتاء على قبول الحرب أو رفضها، أنا واثق أن الشعوب لا تريد حربًا وإن كانتْ نتيجة ذلك الاستفتاء – الذي لن يكون – القبول فخذوا جسدي وأجعلوا منه مسيحيًا آخرًا أو شبيهًا به.