الاستثمار العقاري في كردستان.. صحيفة قطرية: الأسوأ لم يأت بعد!
يعاني الأربعيني العراقي سلام إبراهيم النعيمي من خيبة أمل كبيرة بعد فشله في الحصول على نصف الثمن الذي دفعه في شراء منزل فخم في مجمع كنجان سيتي السكني الفاخر الواقع في شمال شرق مدينة أربيل، بعد أن استمع لنصيحة أصدقائه وباع منزله في حي الجامعة الراقي في بغداد من أجل شراء العقار الذي كان يتوقع أن يصبح ذخراً مالياً يمكنه بيعه في أي وقت وبربح كبير. لم يعد بالإمكان الحصول على أي ربح ولا حتى السعر الأصلي للمنزل، كما يروي النعيمي، وهو ما أجمع عليه سماسرة ومتعهدو بيع العقارات في كردستان، "إذ إن الوقت الحالي هو الأصعب لتجارتهم منذ 14 عاماً، مع تأكيدات بأن الأسوأ لم يأت بعد". هبوط متسارع في أسعار العقارات. اشترى النعيمي عقاره الذي تبلغ مساحته 400 متر مربع في عام 2015 بمبلغ 230 ألف دولار أميركي، "هو كل ما لديه على أمل ارتفاع الأسعار في المجمع وبيع العقار مرة أخرى" كما قال، غير أنه صُدم حين أجمع أصحاب المكاتب العقارية الذين استشارهم على أنه سيكون محظوظا إذا حصل على مشتر بسعر 110 آلاف دولار أميركي، وهو مبلغ لن يغامر به أي منهم في ظل انهيار مستمر لسوق العقارات في المدينة بحسب النعيمي". بالنسبة لتاجر العقارات حسن باجلان فإن مشكلته تتشابه مع النعيمي في العموم مع اختلافات بسيطة، إذ اشترى أربعة منازل في مجمع أشتى سيتي شرقي أربيل لغرض تأجيرها للراغبين وهو ما عاد عليه بمبالغ جيدة خلال عام 2016 قبل أن تحل كارثة الانخفاض الهائل في الأسعار وامتناع الوافدين عن الشراء خلال العام الحالي. التاجر باجلان أوضح أنه اشترى المنازل الأربعة بسعر 75 ألف دولار أميركي للمنزل الواحد في نهاية عام 2015 وقام بتأجيرها جميعاً في فترة قياسية عقب الشراء وبسعر 550 دولارا شهرياً للمنزل الواحد، غير أنه يعاني حالياً من انخفاض بدل الإيجار إلى 200 دولار أميركي شهرياً لمنزلين، وعدم وجود مؤجرين لاثنين من منازله، بينما انخفض سعر بيع البيت الواحد إلى أقل من 35 ألف دولار أميركي، قائلا : "الانخفاض مستمر وبوتيرة متسارعة". عودة النازحين. يصف وسيط العقارات الكردي نوزاد حسن الخيلاني الفترة التي أعقبت سيطرة داعش على محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين في صيف 2014 بأنها "الحقبة الذهبية" لتجارة العقارات في أربيل حين توافد على المدينة أكثر من مليون ونصف المليون من النازحين الذين تتفاوت قدراتهم المالية بين الباحث عن عقار للشراء وآخرين يريدون الاستئجار وهو ما جعل عملهم يستمر على مدار اليوم ودفعه للاستعانة بأكثر من موظف عمل في مكتبه لتلبية طلبات الزبائن. وطبقاً لسجلات الخيلاني التي يحتفظ بها في مكتبة المسمى برايتي (الأخوة بالعربية) فإنه قام بـ 27 عملية بيع واستئجار خلال أسبوع واحد من تلك الفترة، وهو معدل بقي مستمراً حتى بدأت العائلات النازحة بالعودة إلى مناطقها الأصلية بعد تحريرها من تنظيم داعش وعودة الخدمات إليها بشكل جزئي نهاية العام الماضي، لتنخفض أعمال الخيلاني إلى ثلاث عمليات في الأسبوع وهو أعلى معدل سجله في عام 2017 بينما نفذ صفقة استئجار واحدة خلال النصف الأول من شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري. الخيلاني وباجلان أوضحا أن الوافدين أو النازحين العرب إلى مدينة أربيل شكلوا نسبة 90% من مشترين العقارات في عام 2015 وتراجعت النسبة قليلاً إلى 85% في عام 2016، معربين عن يقينهما بأن عمليات البيع ستسجل أعلى تراجع لها خلال العام الحالي والذي لم يتم حتى الآن الاتفاق بين الوسطاء والسماسرة على نسبة محددة لما جرى فيه. توسع غير مبرر. يعمل المهندس طارق شاكر شيخ بزيني في مجموعة روكان المنفذة لبعض المشاريع السكنية والمراكز التجارية في أربيل ومن خلال ملاحظاته على القطاع العقاري في المدنية، يعزو سبب الانهيار الحاصل في السوق العقاري الكردي، إلى التوسع الهائل وغير المدروس في بناء المجمعات السكنية من قبل الشركات الطارئة على هذا المجال والمستثمرين الهواة حتى وصل عدد هذه المجمعات إلى 48 مجمعا في أربيل وحدها بين ضخم ومتوسط ومحدود من حيث عدد الوحدات السكنية وهو رقم مبالغ به بالنسبة لمدينة مساحتها 13165 كيلومتراً مربعاً من ضمنها مساحات واسعة غير مسكونة، مستغرباً تخصيص 29 مليون متر مربع من الأراضي لأغراض مشاريع الإسكان الاستثمارية. بزيني بيّن أن الطلب الكبير الذي حصل في الفترة الماضية على العقارات كان مؤقتاً وفرضته ظروف النزوح التي مرت بها بعض المحافظات، وهو بالتالي لا يشكل حاجة حقيقية وثابتة، وهو ما يمكن ملاحظته بدقة حالياً مع وجود مجمعات سكنية شبه خالية وأخرى لا يصل عدد شاغليها إلى ربع أو ثلث طاقتها الاستيعابية. ووفقاً للمسح الذي قام به المهندس بزيني وزملاؤه للواقع الفعلي في المجمعات السكنية من أجل تقدير التوقعات المستقبلية لقطاع العقارات في أربيل، فإن أكبر هذه المجمعات وهو مدينة الزيتون، جنوب غربي أربيل، يتألف من 3 آلاف وحدة سكنية مختلفة الحجم لا يوجد منها سوى 950 وحدة مشغولة والبقية معروضة للبيع أو الاستئجار وتكرر المشهد في جنوب غرب المدينة وتحديداً في مجمع ماموستيان (الأساتذة بالعربية) ويضم 800 وحدة سكنية ولا يتجاوز عدد الساكنين فيه 70 عائلة. التلاعب بالمواصفات. الإخلال بشروط التعاقد مثل نوع الخدمات المتوفرة في الوحدة السكنية، والتلاعب بجودة المواد المستخدمة في البناء، هو سبب آخر لكساد سوق العقارات في أربيل بحسب الخبير العقاري آرام حاجي إسماعيل، والذي يعمل في وظيفة مستشار لدى اتحاد المقاولين في كردستان، إذ يؤكد أن الزبون يرى مواصفات مختلفة بين مرحلتي الشراء والاستلام وحتى تصل الأمور إلى عدم إكمال الشركة للمشروع. الخبير حاجي إسماعيل يستعرض بعض الأمثلة التي تابع مشاكلها، منها مجمع سكني تم بيع أكثر من نصف وحداته السكنية البالغ عددها 2300 وحدة واكتشف المشترون فيما بعد خلوه من التيار الكهربائي بالرغم من وجود الأبراج والأسلاك، ولكن الشركة المالكة لم تحصل على الموافقات الحكومية للتجهيز بالطاقة الكهربائية مما جعل السكان يحصلون عليها من المولدات الأهلية ذات القدرة التوليدية المنخفضة وبأسعار عالية وهي حالة مستمرة منذ ثلاثة أعوام. ويتابع الخبير العقاري أن "شركات أخذت الزبون إلى مشاهدة المراحل الأولى من بناء الوحدة السكنية وكانت المواد المستخدمة عالية الجودة وعرضت عليه صور لتصاميم رقمية عن الشكل النهائي للمنزل أو الشقة والتي كان من المفترض أن تكون فاخرة وبطراز عصري ولكن واقع الاستلام كان مختلفاً للغاية، وخصوصاً مرحلة التشطيب التي تم تنفيذها بمواد رديئة مما جعل البناء يتهالك مع مرور الزمن وتقلبات الطقس". انعدام الضمانات. يعتبر المحامي أكرم زنكنه أن ضعف الضمانات القانونية أو انعدامها جعل الزبون العراقي من القومية غير الكردية وهو العمود الفقري في صفقات شراء المنازل يمتنع عن التداول في هذا السوق، خصوصاً في الفترة الأخيرة التي شهدت سيطرة القوات العراقية على مدينة كركوك واقترابها من حدود أربيل. ويمنع القانون تملك المنازل للمواطنين العراقيين من غير القومية الكردية في مدينة أربيل وعموم مناطق إقليم كردستان ويسمح بها فقط داخل المجمعات السكنية الاستثمارية التي تم بنائها مؤخراً، بحسب المحامي زنكنه، والذي يؤكد أن وثيقة الشراء في المجمعات تكون مؤقتة وليست سند شراء دائم مثل المعمول به مع العقارات خارج هذه المجمعات. ويبين المحامي زنكنه أن تعليمات المنع دفعت ببعض العراقيين من خارج الإقليم إلى شراء العقارات وتسجيلها بأسماء أصدقائهم من الأكراد، إلا أن هذه الطريقة تحمل مخاطر كبيرة مما دفع الزبائن إلى ترك أربيل والتوجه إلى مدينة السليمانية التي قامت في حزيران/يونيو من العام الماضي بإصدار تشريع يسمح بتمليك الوحدات السكنية والأراضي لكل من يحمل الجنسية العراقية وهو ما اعتبره زنكنه بأنه سحب للبساط وضربة كبيرة لسوق العقارات في أربيل، بحسب قوله، الذي يوافقه عليه سامان بزرنجي وسيط العقارات في السليمانية، والذي لفت إلى أن سوق العقارات في المدينة الثانية في كردستان يعد مستقراً حالياً ولم يشهد انتكاسة كبيرة قياساً بالموجود في العاصمة أربيل، وذلك مع الأخذ بنظر الاعتبار الحجم بين عدد المجمعات السكنية بين المدينتين ونسبة الوافدين العرب والذين يشكلون نسبة أكبر في الأولى. العامل الآخر في استقرار السوق العقاري، والحديث لبزرنجي، هو التعديل القانوني الذي سمح لكل من يحمل الجنسية العراقية بالتملك في السليمانية، وهو ما حرك من حالة الركود التي كانت السوق العقارية في المدينة تعاني منها قبل صدور هذا القانون في حزيران من العام الماضي مع الأخذ بالاعتبار الكبوة التي يواجهها عموم سوق العقارات في إقليم كردستان بعد الأحداث الأخيرة المتمثلة في سيطرة القوات العراقية الاتحادية على مدينة كركوك ومناطق أخرى كانت تتبع الإقليم الكردي حتى قبل فترة أسبوعين من الآن. التسهيلات الحكومية ضخمت المشكلة. يفسر مصدر في وزارة العدل بحكومة إقليم كردستان قرار منع التملك لغير الأكراد بأنه تم اتخاذه حفاظا على الخصوصية الديموغرافية للمنطقة، ولمنع تكرار حالات التعريب التي مارستها الحكومات العراقية قبل عام 2003 في المناطق الكردية، مستدركاً بأن القرار جرت عليه تعديلات لاحقة، ومنها تخويل الإدارات المحلية في المحافظات بتعديله وكذلك إتاحة حق الشراء في المجمعات السكنية الاستثمارية نافياً أن يكون للقرار أبعاد عنصرية أو غايات عدائية. المصدر الذي تحدث مشترطاً عدم ذكر اسمه كونه غير مخول بالتصريحات الإعلامية، أقر بوجود مئات الشكاوى لديهم من مواطنين أصابهم الضرر من التعامل مع شركات البناء التي أخلت بشروطها مع الزبائن، وبعضها هرب أصحابها قبل إكمال البناء بالرغم من استلامه دفعات مالية من المشترين، موضحاً أن التساهل الحكومي في منح إجازات الاستثمار ووجود المتنفذين الذين يساعدون في منح هذه الاستثمارات إلى شركات غير رصينة ومعروفة في هذا المجال فاقم من عدد القضايا المعروضة أمام القضاء بهذا الخصوص. وكشف المصدر عن وجود 24 مذكرة اعتقال صادرة من مختلف محاكم أربيل بخصوص أصحاب شركات ومشاريع استثمارية حصلوا على أراض عامة بسعر تشجيعي أو بدون مقابل لبناء مشاريع سكنية، ولكنهم قاموا بالاحتيال على المواطنين وهربوا إلى الخارج وبحوزتهم أموال ضخمة، وهو ما يعد عبئا إضافيا على سوق يعاني تقلبات السياسة، كما يقول التاجر باجلان. المصدر: صحيفة "العربي الجديد" القطرية