دب “كلك”
حمزة مصطفى
سرق الدب الذي ظهر واثق الخطوة يمشي ملكا في شوارع البصرة الأضواء مؤقتا من مناقشات البرلمان حول الموازنة وقبلها شهادة البكلوريوس. مقطع مجتزأ من حياتنا أخذ صداه الواسع لساعات في مواقع التواصل الإجتماعي. وبالرغم من أن هذا الدب “المتوحش المسكين” لم يكن يعرف “شنهي القصة” فإن القصة واضحة بالنسبة لنا نحن البشر على صعيد الحواجز بيننا وبينه. نخشاه وهو في القفص, بينما لا توصيف لنا بالنسبة له الى أن تمكن من الهرب لتنقلب المعادلة ولو مؤقتا حين ظهر خائفا مذعورا يجر أذيال الخيبة والخسران وراءه.
مشكلة هذا الدب إنه بفعلته الشنيعة هذه من وجهة نظر بني جلدته كبار وحوش الغابة غير قواعد اللعبة بين عالم الإنسان وعالم الحيوان. فالصورة التي نحملها عن هذا النوع من الحيوانات هي صورة سلبية كونها حيوانات متوحشة يصعب بأي حال من الأحوال ترويضها الإ في عالم السيرك. في هذه الحالة لاغرابة أن تجد الفيل يرقص الى جانب الكوبرا بينما يتغزل الدب القطبي باللبوة في حين تبدو عيون أبو خميس “الأسد الهصور” زايغه على ماحوله من غزلان وظباء . قصة الأسد الهصور هنا تصبح مثل قصة صاحبنا خراش القائل “تكاثرت الظباء على خراش .. فما يدري خراش مايصيد”.
لم يتوقف أحد عند ظاهرة دب متوحش يتمشى في شوارع مزدحمة من مدينة وهو خائف على غير عادته وطبعه بل كل الذي حصل هو تساؤلات فقط عن حالة غريبة وهي فعلا كذلك من هذا النوع. لكن يبدو أن الكائن الحي هو في النهاية إبن البيئة التي يعيش فيها. فلو وجد هذا الدب نفسه في الغابة فإنه سيفترس كل من يلاقيه نظرا لطبعه المتوحش. لكن حين وجد نفسه في مكان آخر غير المكان الذي يستطيع فيه ممارسة مهنته المفضلة وهي الإفتراس ذهبت غريزته بإتجاه كيفية درء المخاطر التي باتت محدقة به وهو لايعرف أين يعطي وجهه وهو يتنقل من شارع الى شارع وسط سيل من السيارات والمارة. المفارقة أن الناس ذعروا منه أول مرة لكنهم حين إكتشفوا إنه مجرد “دب كلك” تنمروا عليه وبدأوا يداعبونه حتى بالتقاط سيلفيات معه حتى ولو من بعيد. في النهاية لم يصمد الدب طويلا أمام مكر الإنسان وخداعه وقدرته على ترويضه. فبعد أن أخذ جولة تفقدية له في شوارع البصرة بهدف الإطلاع على واقع أغنى مدينة عراقية قرر أن يستسلم لمطارديه سامحا لهم بتخديره والعودة به حيثما كان. ربما كانت أمنيته الأخيرة وهو يعود الى قفصه أن ينجح نواب البصرة بإنتزاع الـ 5 دولار المخصصة لمدينتهم من أجل إغلاق باب قفصه حتى لا يتمكن من الهرب ثانية. من يدري فقد يعود في المرة القادمة الى أصله وتعال ..”ياعمي شيلنا”.