مع الحياة في كل تقلباتها في …( قهوة بنكهة السيفور)
يوسف عبود جويعد
قد تكون المجموعة القصصية المشتركة ( قهوة بنكهة السيفور ) بين القاص مازن صاحب الحسيني والقاصة ازهار الخزرجي , حافزاً للإشارة الى ظاهرة صحية تظهر في الساحة الادبية , قبل الولوج في تحليل هذه النصوص , الا وهي المنجزات الادبية المشتركة , والتي ظهرت بشكل كبير وواضح , وأخص في ذلك النصوص القصصية , والنصوص الشعرية , حيث نلاحظ وبشكل ملفت للنظر اشتراك اثنان او ثلاثة او عشرة او عشرين واكثر من الادباء للاشتراك في مجموعة مشتركة , لتطبع في كتاب واحد يضم هذه النصوص المتنوعة والمختلفة , وتتولى مؤسسة او رابطة أو جهة ثقافية طباعة هذه المنجزات الادبية , لقاء مبالغ مالية يقدمها الاديب المشترك لهذه الجهة ,قد تخفف عنه العبء الكبير مادياً الذي ينوء به في حالة تفرده بطباعة كتاب يخصه وحده , وهي ظاهرة اجتاحت الساحة الادبية في العراق , بل ان الامر تعدى ذلك الى اشراك كتاب عرب من مختلف الجنسيات , لتبادل الثقافات والمعارف , واحيانا عندما يظهر منجز ادبي سواء كان ذلك شعرياً او قصصياً, تشترك فيها مجموعة من الادباء العرب , تقام جلسات احتفائية خارج البلد , وهي صورة مشرقة ومشرفة لواقع الحركة الادبية في البلد , وهي ظاهرة تحتاج الى متابعة ودراسة ,للوقوف على مدى تأثيرها وفائدتها على الواقع الادبي , ومن هنا فنحن أمام عمل مشترك يدخل ضمن هذا الاهتمام , بين قاص وقاصة , الا أن الامر يختلف هنا , كونهما طبعا هذا المنجز داخل البلد , وعلى نفقتهما الخاصة , وهي تجربتهما الاولى , الا أنني عندما إطلعت عليها , وجدتها نصوص ناضجة تستحق المراجعة والاهتما م, كون اغلب تلك النصوص قد نشرت في صحفنا المحلية , وتقدم ثيمات , من واقع حياتهما داخل هذا البلد , اضافة الى حالات مستجزأة لتجارب وحكايا تدور احداثها في رواق هذا الوطن , وتمتد كتابة تلك النصوص , او لنقل اغلبها , دونت الحقبة الزمنية إبان الحكم المباد , وما جرى للانسان داخل هذا الوطن في ذلك الوقت , من ظلم , وقمع , وسلب للارادة , والقيد الخانق الذي كان يضيق الخناق على الرقاب في تلك الحقبة , وقد استطاع القاص مازن صاحب الحسيني مد جسور التواصل بين الحقبتين , الماضية وتلك التي نعيشها , ووجه التشابه الكبير بينهما, إذ ان هذه الحقبة الحالية , لازالت اشد قسوة وجور عن سابقتها , حيث القتل , والانفجارات , والسلب والنهب , وافتقاد الانسان لحريته , وإفتقاده لابسط حقوقه , وانتشار الجهل , وإنعدام الوعي , وتفشي الدجل والشعوذة , وقد اختارا لها بنية عنونة موفقة وهي (قهوة.. بنكهة السي فور ) والتي تتصل إتصالاً وثيقاً بمتن النصوص , وتعبر عنها , كونها تعبر تعبيراً دقيقاً لواقع حياتنا , التي صارت حقاً بنكهة السي فور , حيث ان الانفجارات , وتطاير الشظايا والرصاص , صار جزء من يومياتنا في هذه الحياة , وهي مأخوذة من نص قصصي للقاص مازن صاحب الحسيني
مهلاً سيدتي –
لا استطيع ان أمنحك السعادة والسرور –
الحب الذي تودين , الغرام الذي تشتهين –
فقد تكالبت كل ذئاب الليل , وطيور الظلام , علينا .
الوطن , يرتشف فنجان ال c4 المحلى , بدم أبناءه كل يوم –
سأذهب للذود عنه , أنتصر , أو أموت دونه.
وحتى ذلك الحين –
إعذريني
وهكذا فأنه يضع حب الوطن والذود عنه فوق كل الاهتمات , حتى العاطفية , أما القصة القصيرة جداً (شيخ القرية) فإنها تقدم لنا ثيمة غاية في الاهمية , عن الجهل وقلة الوعي , وطغيان الشعوذة والكذب وزحف هؤلاء الناس لانعدام معارفهم , وخاصة النسوة للتبرك بهذا الشيخ من اجل انجاب الاطفال , الا أنه يدعوهم لممارسة الرذيلة , حيث يظهر لنا في الضربة المفاجئة لهذا النص , ونهايته , هذا الاندفاع من قبل النسوة للتبرك بهؤلاء الدجالين
( حقاً أنه وقور , مبروك –
تلك البركة , قد ظهرت , وبانت , على الاطفال –
فأغلبهم , يشبهونه تماماً!!!) ص 11
اما القصة القصيرة (خمس دقائق) فإنها تنقلنا الى زمن الطاغية , وتدور احداثها حول طبيب يعد نفسه لإجراء ثلاثة عمليات كبرى , ولكنه يتفاجأ بأوامر جديدة , حيث يطلب منه أن يترك تلك العمليات ,وينصاع لتنفيذ اوامر صدرت من مجلس قيادة الثورة المقبور (ان مجلس قيادة الثورة , قد اصدر مرسوماً جمهورياً , قرر فيه قطع صيوان اذان الهاربين من الخدمة العسكرية, ليكونوا درساً وعبرة, لكل من تسوغ له نفسه الفرار , من الواجب العسكري المقدس, ان وزارة الدفاع , قد ارسلت إلينا اليوم , الوجبة الاولى من الهاربين, وعددهم خمسة , لنقوم بتنفيذ القصاص العادل بحقهم , حسب المرسوم الموقر , وقد تم إختيارك لتنفيذ الحكم )ص 26 , وقد اتضح خنوع وتملق مدير المستشفى , اما م اللجنة العسكرية المكونة من ضباط كبار , وهو يخاطب الطبيب , الا ان الطبيب يواجه هذا الامر اللاإنساني بالرفض, الامر الذي اوقعه تحت طائلة العقاب , فتصدر الاوامر بإعتباره خائناً , بقطع صيواني إذنيه . وهكذا نكتشف ان الحياة التي عشناها مع نظام قمعي حينذاك , شبيهة بهذه الحياة التي نعيشها , ولكن بإختلاف طرق التعامل , اما قصة ( طقوس…للحياة) فإنها تستعرض لنا احداث ام مفجوعة بإستشهاد ولديها في فاجعة (سبايكر) , وهي تأتي كل يوم تنثر الطعام في النهر للاسماك , وتقرأ الفاتحة ثواباُ, لولديها الشهيدين , لأن هذا النهر , قبر ولداها , اللذان استشهدا في مجزرة سبايكر . قدم القاص مازن صاحب الحسيني نصوص تتناول ثيمات مهمة وكبيرة , لاتتسع الدراسة لذكرها
(القاصة ازهار الخزرجي )
تتناول القاصة ازهار الخزرجي , نصوصها السردية , بشكل مختلف , من حيث زاوية النظر , والايقاع الحسي الانثوي , والثيمة التي تنتمي الى تداعيات إمرأة تعيش وسط هذا الخراب , ملتزمة بالادوات السردية المطلوبة في فن صناعة القصة القصيرة , وقد اجادت صناعتها , لتقدمها مسبوكة على نار هادئة , إذ يطغى على سير العملية السردية , هذا الهدوء المشبوب بهاجس مشتعل , في قصة (يُتم) نعيش معها حالة التداعيات العميقة حزناً لفراق واحة الدفء الاب , وهي تصفه من اعماق روحها التواقة لرؤيته ,( لكن إبتسامته التي تشبه هلال شوال, قد غابت, ومنذ ذلك الحين , وأنا صائمة ,عن كلمة (ابي) ص 88 , اما قصة (قطيعة) فإنها تتذكر ذلك الماضي الجميل , تتذكر جدتها , وتحزن لفراقها,وهي تتذكر تلك المعتقدات , فعندما تتعارك العصافير وتزداد زقزقتها فهذا دليل لقدوم ضيف , ونعيش معها في هذا العالم الذي استطاعت ان تخرجه من الماضي لتقدمه لنا ثيمة جديدة , ثم نكون مع النص السردي (اماه..يالها من صفعة!!) والذي تستعرض لنا فيه طالبة تكره مادة الاحياء , ولم تفلح في اجتيازها بنجاح , وتفضل الاستماع الى برنامج استوديو (10), وبين الدراسة واهتمامها بهذا البرناج نعيش طواف متصل يصل فينا الى صفعة الام التي تريد لها ان تنجح .وتقدم لنا في قصة (المطرقة ) واقع حياة الشباب في هذا البلد , والفقر المنتشر . وهناك نصوص سردية , تتناول ثيمات مختلفة , وبأسلوب وحس انثوي ينساب الى إحساس المتلقي , كإنسياب الموسيقى الهادئة , ولكنها تترك في النفس الاثر
أن المجموعة القصصية المشتركة (قهوة بنكهة السيفور) للقاصين مازن صاحب الحسيني , وازهار الخزرجي , تنبأ بدخولهما الى عالم فن صناعة القصة القصيرة والقصيرة جدا , بخطوات واثقة وبخبرة ودراية ووعي واضح , وهما ملتزمان بإدوات السرد واصول كتابة هذا الجنس المهم , فن التكثيف الصعب , وفن تكثيف التكثيف الصعب , وهي رحلة كبيرة ومنوعة لواقع هذه الحياة وهمومها , وامالها , واحلامها , واحزانها , وقد كتبت باسلوب الواقعية الانتقادية , والتي يشيران من خلالها الى مواطن الرفض , ويطالبان بحياة افضل , بأسلوب شائق وممتع .