عبدالغني داود ينصف عددا من المبدعين المصريين
يعرض كتاب "مبدعون بلا نقاد" لعدد من المبدعين الذين اعتبرهم مؤلف الكتاب عبدالغني داوود، أنهم لم يحظوا بالقدر الكافي من الاهتمام النقدي، حيث اختار عددا من المبدعين في حقلي الرواية والقصة القصيرة من أجيال لم يحظوا بالاهتمام من جانب النقاد، بالرغم من إنتاجهم الإبداعي المميز.
ومن هؤلاء المبدعين الذين اختارهم المؤلف ليكتب عنهم سعد مكاوي، حيث وصف بأنه "الذي جاء في غير زمانه"، فقد عاش فقيرا وشريفا طوال حياته مؤمنا كما قال يوما عن نفسه أن الخط المستقيم هو أقصر وأنظف مسافة بين أي نقطتين، حيث عاش سعد مكاوي حياة عريضة دون أن يكون له "كرش مادي أو معنوي" على حد تعبير المؤلف.
وسعد مكاوي ولد في قرية الدلاتون بمحافظة المنوفية المصرية في 16 أغسطس/آب سنة 1916، وتوفي في 11 أكتوبر/تشرين الأول سنة 1985، حاول دراسة الطب في فرنسا، لكنه سرعان ما تحول لدراسة فلسفة الجمال، وعاد إلى مصر ليعمل بمهنة الصحافة في صحف: المصري، والشعب، والجمهورية، ومن خلال هذه الصحف وغيرها قدم عددا من أروع مجموعاته القصصية مثل: "نساء من خزف"، و"قهوة المجاذيب"، و"مخالب وأنياب"، و"راهبة من الزمالك"، و"الماء العكر"، و”مجمع الشياطين”، و” شهيرة”، و”أبواب الليل”، و“القمر المشوي”، و”رجل من طين”، و”الرقص على العشب الأخضر”، و”الفجر يزور الحديقة”، بالإضافة إلى روايات "الرجل والطريق”، و”السائرون نياما”، و”الكرباج”، كما قدم مكاوي مسرحيات ”الميت والحي”، و"الحلم يدخل القرية"، و"الهدية".
ومن المبدعين الذين تناولهم المؤلف أيضا الروائي والفنان يوسف جوهر، وهو من مواليد قوص بمحافظة قنا في صعيد مصر في 20 يوليو/تموز سنة 1912، والذي يصفه بأنه من جيل المظلومين الذين قاطعهم النقاد، وظلت أعماله الأدبية بعيدة عن تناول النقاد، وكان له علاقة خاصة بالرواية المصرية، حيث بدأ مشواره الإبداعي من خلال روايته "جراح عميقة"، التي صدرت في عام 1942، لكن الذي حدث هو أنه هجر الرواية فجأة بعد أن أغوته السينما ووقع في غرامها، فانساق بكل جوارحه وراء أضواء السينما وبريقها مسحورا، وغرق في بحر من نوع جديد حيث قدم للسينما ما يقرب من ستين سيناريو لعدد من أشهر أفلام السينما المصرية، كما كان يكتب السيناريو بغزارة خلال هذه الفترة.
لكن ما حدث هو أن يوسف جوهر قرر فجأة، وهو على أعتاب السبعين من عمره، أن يعود للرواية مرة أخرى، وذلك بعد أن زادت خبرته بالحياة والناس، كما زادت قدرته على تصوير الشخوص وتنوع الأمزجة والطبائع في مخلوقات صورها من خياله سواء كانوا رجالا أو نساء، حيث عاد ليقدم في شخوص وأحداث رواياته صور العصر والأحداث الجارية في شكل روايات مسلسلة نشرها في صحيفة الأهرام، وحيث ظهرت خبرة السنين بعد عودته للرواية من جديد، وحيث تغير أسلوبه السردي من البلاغة والاحتفاء باللفظ، إلى استخدام التكنيك الروائي الحديث وخاصة الأسلوب السينمائي.
كما تناول الكتاب عبدالرحمن الشرقاوي كقاص وروائي، حيث آمن منذ بداية حياته الأدبية في أوائل الأربعينيات أن الكلمة هي سلاحه الوحيد الذي يخوض به معاركه التي خاضها في العلن وفي وضح النهار دون لجوء إلى ما يزعمه البعض بأنه نضال سري.
ويشير الكاتب إلى أن القصة القصيرة كانت هي الاهتمام الأول للشرقاوي، حيث كانت حاضرة باستمرار في المعارك الأدبية أو حتى السياسية التي خاضها، وكانت هذه المعارك ضد الاستعمار وأعوانه، وضد الملكية، وضد الفساد والإقطاع، وهو ما ظهر من خلال أولى مجموعاته القصصة "أرض المعركة" التي صدرت في سنة 1952، وفي أولى رواياته "الأرض" التي يصفها المؤلف بأنها أروع رواياته، وهي المعارك التي ظهر أثر لها أيضا في ثاني مجموعة القصصية "أحلام صغيرة"، وفي رواياته الأخرى، "قلوب خالية" التي صدرت في سنة 1956، و"الشوارع الخلفية" التي صدرت في سنة 1958، و"الفلاح" التي صدرت في سنة 1967.
ويعرض المؤلف أيضا ضمن صفحات كتابه للروائي أمين ريان، حيث يستشهد بما قاله الشاعر فوزي العنتيل في سنة 1958 عن أمين ريان، بأن السبب في تطوره ببطء منذ "حافة الليل" هو الموقف السلبي الذي وقف منه النقاد، على الرغم من أن المؤلف يؤكد أن ما قدمه ريان من إنتاج إبداعي، يثبت أنه فنان عميق التجربة يحمل إمكانيات خصبة يمكن إذا وجدت الاهتمام بها أن تضيف أشياء رائعة إلى رصيد الرواية المصرية.
كما يستشهد المؤلف بما كتبه القاص محمد الراوي عن رواية "حافة الليل" التي صدرت لأمين ريان في سنة 1954، بأنها تتضمن من قوى داخلية تحرك عناصر العمل الفني وشخصياته، وتؤكد قدرته على رسم الشخصية الإنسانية التي تثير المشاعر لدى المتلقي، مثل شخصية أطاطه التي احتلت مساحة كبيرة من الرواية، بالإضافة إلى ما يظهر بوضوح للقارئ من مشاعر إنسانية دافئة يفيض بها قلبه تجاه الآخرين، وهي المشاعر التي تجعل من أي عمل روائي يكتبه عملا يفيض حيوية يشعر به كل من يقرأ لأمين ريان منذ الصفحات الأولى لأي عمل روائي يقدمه لجمهوره.
يذكر أن كتاب "مبدعون بلا نقاد"، للكاتب عبدالغني داود، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في نحو 218 صفحة من القطع الكبير. (خدمة وكالة الصحافة العربية)