اخبار العراق الان

'كوني خيمة لزوجك' .. ملاك القلوب والقصة القصيرة

'كوني خيمة لزوجك' .. ملاك القلوب والقصة القصيرة
'كوني خيمة لزوجك' .. ملاك القلوب والقصة القصيرة

2018-03-21 00:00:00 - المصدر: ميدل ايست


في إحدى قصص القاص محمد القصبي، الصادرة بسلسلة إشراقات أدبية، قرأت عبارة أعجبتني، حيث تعبر عن معني ما تؤسسه المرأة من سلام في أسرتها وهي: "كوني خيمة لزوجك"، فلا شك أنها مقولة صحيحة مائة بالمائة، فالمرأة حاضنة الأجيال، وخيمة السلام في البيت، وريحانة أركانه، وهي تسهم أعظم المساهمة في مسيرة نجاح الحياة وازدهار الحضارات برعايتها لأسرتها، فهي القائمة علي الجوهر التربوي للأولاد، وكفالة الراحة والهناءة لأفراد أسرتها، فتحيا مكرمة يمدها أحبابها من الزوج والأولاد بالحب والعطاء، فتمدهم بالحنان الدافق والعاطفة الجياشة والرعاية السابغة، وتؤسس لديهم قيمة السلام في أجلي وأروع معانيها.

وطبيعة الأمومة طبيعة لصيقة بالمرأة، ومنها تنبع ينابيع العطاء والسلام كالفيض لأسرتها خاصة ومجتمعها بعامة، وفي تعبير جميل للمخرجة المجرية مارتا ميساروش تعليقًا علي اهتمامها بموضوع الأمومة في أفلامها: "لم لا .. إن الرجال عندما يصنعون أفلامهم يعزفون على وتر الموت .. فلماذا لا تصنع النساء أفلاما عن الحياة .. إن الأمومة وميلاد طفل .. هو أنشودة للحياة .. إن الأمومة ما زالت هي المشكلة الأساسية بالنسبة إلي أي امرأة .. فالأمومة شيء مدهش .. إن بقاء العالم ينهض عليها .. ولست أتصور امرأة تدعي التحرر وترفض الأمومة حتي تصبح أكثر حرية .. إن الأمومة أجمل ما في حياة المرأة"، فالمرأة صانعة الرجال، والتاريخ يشهد على ذلك في كافة مراحله.

ويبقي للأدب دائما كلمته الجميلة والمعبرة بقوة عن أشواق وآمال الإنسانية، والمدخل القصصي لفكرة الأمومة يقترن معه الإطار الفكري مع رقة ودقة تناول الأديبات لتلك القضية المهمة جدًا في حياتنا، لأنها هي "المرأة" دائمًا لسان التعبير والإبانة، كما أنها تفصح عن نفسها الحساسة والمحبة بعشق للخير، فكانت المتعة في تناول هذه النصوص التي تدعو إلى روائع القيم الإنسانية، لأن هذه القيم سياج الأمومة الحارسة للأفراد والمجتمعات جميعًا، بقي أن نذكر أن تلك أمثلة ونماذج محدودة من ميدان السرد القصير، لكنها قد تكون معبرة كما يلي:

القاصة سلوي بكر في مجموعتها القصصية "ثرثرة مع الحلم" والتي كتبتها بأسلوب يقترب إلي الشاعرية، وفي أولى قصص المجموعة والتي تحمل عنوانها تتحدث عن حلمها الأثير، فبعد أن نفت الأحلام القيود، فلم تكن أحلام الثراء والمال والأبهة والإمارة والنعيم والحرير وكنوز الذهب والمحار بل كما ذكرت: "أحلامي تسع العالم طولا .. عرضا .. عمقا .. ضوءا .. أحلامي فيها كل الألوان .. ألوان الطيف .. ولون البحر .. ألوان طيور الغابة وزهور البستان .. أحلامي فيها كل إيقاعات الأنغام .. فيها كل الأصوات .. فيها ضحكة طفل لم يحمله ساقاه .. فيها صوت الرعد .. هدير الموج .. هديل كل طيور السلام".

وتظل القصة في نسقها الداعي إلي السلام والأمن فتصف أحلامها الجميلة تلك بأنها ليست مرتبطة بإنسان، تقول: "أحلامي حب .. أمن .. فرح ... أحلامي كانت واسعة .. وسعت يوما كل أماني الكون .. أحلامي كانت في لون الورد .. في طعم السكر"، وهكذا نجد أن الحلم بعالم يسوده الأمان وتظلله أماني السلم والحب هو عالم القاصة الذي عبرت عنه بتلك اللغة الشاعرية.

وفي المجموعة القصصية "وهج الصدق" للقاصة مني رجب نجد أن أولى قصص المجموعة والتي تحمل اسمها تدور في موضوعها حول السلام الذي يمثل لدى القاصة وهج الصدق، فبطل القصة يصف تلك المرأة التي أدرك معها أمنه النفسي: "ألهث وراء اهتمامك بوضع الإنسان في عالمنا الوحشي .. ومطالبتك العلنية بمحاربة كل الأيدي الملوثة بالدماء .. بل أردد دائما عبارتك: نريد عالما أجمل لأطفالنا ....".

نجد كيف أن المرأة بحنانها وعطائها هي مفتاح إنقاذ البشرية، فمزجت القاصة بين المشاعر الخاصة وآمال المجتمعات في ازدهار القيم الإنسانية، لتعبر خير تعبير عن المرأة، تقول في مناجاة أستاذ الجامعة أثناء إلقاء محاضرته كيف حضرت في ذهنه المرأة المثال: "... فجأة أحسست أنك على مرمى بصري ووسط حديثي عن الحروب والمجاعات وحطام أشلاء البشر الممزقة في كل أرجاء الكرة الأرضية وهو حديث أعلم أنه يهمك، انبثقت لي صورتك، وكأنك المنقذة الوحيدة لكل هذا الدمار الذي يحيط بالكون .. تولد لدي شيء يشبه الإشعاع النوراني بمجرد ظهور صورتك أمامي في القاعة الكبيرة .. بل إنها ألهبتني حماسا سرى في أفئدة الموجودين .. وحين رددت عليهم بصوت عال: "لا سبيل لإنقاذ العالم إلا بالسلام .."، نهض الجميع يرددون في صرخة رجل واحد ..(السلام .. السلام). ثم علت صرختهم لتخترق عنان السماء".

ورغم أن القائل والمنادي بقيم الإنسانية هو الرجل لكن المصدر والإشعاع النوراني مستمد هنا من المرأة يقول لها: "أنا رجل أحلم بكلمة صادقة .. أحلم بقاموس جديد للبشر .. أحلم بإناس مثلك .. يتنفسون الصدق ويحيون به .. كل باقات النفاق لا تعوض لحظة واحدة .. أعيشها معك .. كل أكاليل الغار لم توقف بحثي عن روح زاهدة في الزيف .. أنت روح تنطق بالحقيقة الكاملة معها مهما كان ثمنها .. أنت زورق النجاة الذي سيحملني إلى أرض البراءة لتصل بي إلى محطة الخلاص .. أنت نجمة الميناء المضيئة التي ستنتشلني من غرقي في دوامة المشاكل اللانهائية المغلفة لأرضنا ...".

وهكذا نجد أن خلاص البشرية من المآسي والكوارث التي تعايشها لا يكون إلا من خلال المرأة والتي هي الروح التي تنطق بالحقيقة ونجمة الميناء الهادية، وزورق النجاة للغرقي.

وفي المجموعة القصصية للقاصة "فريدة أحمد"، بعنوان "الأرز والبارود والزيتون"، نجد اهتمام القاصة برصد أحداث الغزو الإسرائيلي للجنوب اللبناني واحتلال بيروت عام 1982، وما صاحب هذا الغزو الغاشم من إباده وتنكيل ومذابح مروعة خاصة مذابح "صابرا وشاتيلا" والتي راح ضحيتها آلاف من السكان العرب الآمنين، إضافة إلى ممارسات ستظل لوعة وحسرة في فؤاد القيمة الإنسانية, ومثلت أبشع ما يمكن تصوره فلم يكن هناك إكتفاء بالقتل، وإنما بتر الأعضاء قبل الذبح بالبلط، وسحق رؤوس الأطفال الرضع على الجدران، واغتصاب النساء، والإعدام الجماعي للرجال .... إلخ.

وقد عبرت أكثر من نصف قصص المجموعة عن هذه المآسي المروعة، ففي القصة الأولى والتي تحمل اسم المجموعة نجد الزوج الجريح في بيروت التي تعاني من انقطاع المياه والكهرباء بل وتعاني من أزمة القبور والتوابيت لدرجة أن الأهالي قاموا بدفن مئات الضحايا في البحر يقول: "فاطمة .. محمد .. فلسطين .. حافظوا على النساء فهن صانعات الرجال".

وفاطمة نفسها تذهب بعد نجاتها من الموت واستشهاد زوجها لمقر القيادة وتصيح في القائد: "أريد ان أتزوج ومعي كل النساء اللاتي فقدن أزواجهن وأولادهن، أتمني أن ألد طفلا مع كل مطلع شمس"، وتلك الخصوبة هي التي تقاوم بها المرأة الفلسطينية، وتدافع بها عن أرضها والسلام الكائن عليها، وهنا نجد أن المرأة الفلسطينية رمز الخصوبة نقيض العدم والموت، لتصنع السلام الصحيح القائم علي العدالة والندية لا سلام يهبه القصاب إلى ضحيته الغارقة في دمائها.