اخبار العراق الان

ادلب 'جنّة' لجوء في الجحيم السوري

ادلب 'جنّة' لجوء في الجحيم السوري
ادلب 'جنّة' لجوء في الجحيم السوري

2018-03-30 00:00:00 - المصدر: ميدل ايست


معرة الاخوان (سوريا) - في محافظة ادلب التي تم اجلاؤه اليها منذ أيام، بات بإمكان فادي شراء حليب لطفله بسعر زهيد بعدما كان يمضي ساعات في الغوطة الشرقية بحثا عن كمية قليلة بعد ما فاقم الحصار ثم الهجوم العسكري الذي شنه الجيش السوري بغطاء جوي روسي، أسعار السلع بشكل جنوني.

ويقول فادي الشامي (30 عاما) وهو واحد بين آلاف غادروا الغوطة الشرقية مؤخرا بموجب اتفاق اجلاء بين الفصائل المعارضة وروسيا "كنت أخرج من المنزل بعدما أودع زوجتي وأخبرها انني قد لا أعود، لأؤمن الحليب والحفاضات لابني وسام (11 شهرا). كنت أتنقل من قرية لأخرى حتى أعثر على 200 ليتر من الحليب".

وتابع "وصل ثمن كيلوغرام الحليب في الغوطة إلى 17 ألف ليرة" (39 دولارا) بينما يبلغ ثمنه في ادلب 4000 ليرة.

وأضاف الشاب الذي كان يعمل ناشطا اعلاميا في الغوطة الشرقية ويوثق يوميات الحصار الذي عاشته المنطقة منذ العام 2013 ثم القصف والمعارك "وصلت إلى ادلب لأجد المواد الأولية كلها متوفرة. الحياة هنا مختلفة. كأنني وصلت إلى النعيم أو الجنة".

ووصل الشامي مع زوجته وطفله إلى محافظة ادلب قبل أيام بموجب اتفاق اجلاء شمل منذ السبت الماضي أكثر من 36 ألف شخص من جنوب الغوطة الشرقية وحرستا، فيما لا يزال مصير عشرات الآلاف من المدنيين في مدينة دوما معلقا بانتظار نتائج مفاوضات مستمرة.

وتم التوصل إلى اتفاقات الاجلاء بعد بدء قوات النظام في 18 فبراير/شباط هجوما عنيفا على الغوطة الشرقية، تسبب بمقتل أكثر من 1600 مدني بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان. وتمكنت من التقدم تدريجيا في عمق المنطقة وفصلها إلى ثلاثة جيوب، ما دفع الفصائل المعارضة إلى القبول بالتفاوض.

وتسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقا) على الجزء الأكبر من محافظة ادلب التي غالبا ما تتعرض لغارات سورية وأخرى روسية.

سبل الحياة "مفقودة"

ويبدي الشامي ذهوله من الفرق في أسعار كافة السلع قائلا "لم أتوقع أن أعيش لأشتري ما نحتاجه بهذه الأسعار البخسة في ادلب. في الغوطة الشرقية كان الوضع مأسويا. كنا كمن يعيش في الجحيم، سبل الحياة كلها مفقودة. المواد الغذائية غير موجودة واذا توفرت فسعرها باهظ".

وتسبب الحصار في الغوطة الشرقية حيث كان يقيم نحو 400 الف شخص حسب الأمم المتحدة بشح الكثير من السلع التي غالبا ما كان يتم ادخال معظمها عبر طرق التهريب وبأسعار مرتفعة جدا.

وبعد بدء الهجوم العسكري، قالت الأمم المتحدة في وقت سابق هذا الشهر إن القصف تسبب بدمار العديد من المخابز، ليزداد سعر الخبز 25 ضعفا.

وقرب مركز ايواء مؤقت في بلدة معرة الإخوان في ريف ادلب الشمالي، يعلو صراخ قيس الحلاق (13 عاما) وهو يلعب مع أطفال آخرين كرة القدم.

ويقول الفتى ذو البشرة البيضاء ويرتدي سترة صوفية رمادية "في حرستا كنت أعيش في خوف ورعب. لم نكن نقوى على الخروج من القبو لنلعب بالكرة، لكنني هنا ألعب مع رفاقي".

وكان قيس في عداد أكثر من 4600 شخص تم اجلاؤهم الأسبوع الماضي من مدينة حرستا التي كانت تحت سيطرة حركة أحرار الشام الاسلامية.

وبعدما كان يضطر للعمل يوميا في جمع البلاستيك وأكياس النايلون لبيعها وشراء الطعام من خبز وشعير "بات كل شيء هنا في ادلب يصل إلينا".

وأضاف "الحمدلله توفر لدينا الأكل والبسكويت، أما هناك لم نكن نحصل على أي من الوجبات اللذيذة".

ويستقبل مركز الإيواء حيث يقيم قيس مع عائلته أكثر من ألفي شخص غالبيتهم من الغوطة الشرقية وتتولى منظمة "ساعد" بالتعاون مع مكتب تنسيق الشؤون الانسانية في الأمم المتحدة تأمين الخدمات الأساسية لهم والرعاية الطبية.

"قعر بئر"

وعلى طرف سكة حديد تمر قرب المخيم، يجلس أبو لامع (65 عاما) ويتبادل الحديث مع مجموعة من الرجال وسط هدوء لم ينعموا به منذ أسابيع في الغوطة الشرقية.

ويقول الرجل وهو من بلدة مديرا ويعقد كوفية حول رأسه "وضعنا أشبه بمن كان في قعر بئر وأخرجوه إلى سطح الأرض"، مضيفا "الحياة هنا غير الحياة هناك... والحرب لدينا مختلفة عن كل العالم".

وينفث أبو لامع الذي كان يعمل سائق حافلة صغيرة دخان سيجارته عاليا، ويروي كيف دفع ثمن آخر سيجارة اشتراها في الغوطة الشرقية قبل اجلائه منها 850 ليرة (1.9 دولار) فيما يبلغ سعر العلبة كلها 200 ليرة (0.4 دولار) فقط.

ويصمت الرجل قليلا ثم يضيف "في الغوطة كان الحصار خانقا جدا، منّ الله علينا بأن جئنا إلى هذه البلاد وفيها أمان".

ورغم الأمان الذي يحظى به أبوقاسم (40 عاما) الذي تم اجلاؤه مع أفراد أسرته من حرستا، إلا أنه قلق من المستقبل.

وقال "أن تؤمن الأكل والشرب، ليس كل شيء في الحياة. نريد أن نعرف ما هو مصيرنا".