متدينون فاسدون شعارهم الأخلاق ـ
في الدول التي يضعف فيها القانون أو يوضع عمليا على الرف أو يكون محض وسيلة للانتقام من الخصوم، يتم تذكره حسب المناسبة فإن الحديث عن الأخلاق يقوى كما لو أن المجتمع يسعى إلى تعويض ما فقده بأمنية، يعرف الكثيرون أنها حتى لو تحققت فإنها لن تحل مشكلات معقدة تمر بها المجتمعات في العصر الحديث.
وإذا ما عرفنا أن القوانين لم تسن لكي تكون بديلا عن الأخلاق يمكننا أن ندرك عمق الأزمة التي تعاني منها مجتمعات صارت تعول على الأخلاق بعد أن فقدت الأمل بالقانون.
ومن التجارب الحية التي عاشتها مجتمعات عربية عبر العقود الماضية وصار الحاضر مختبرا لنتائجها المدمرة يمكننا الاستدلال على أن تلك المعادلة التي تراهن على الأخلاق قد أدت إلى تفشي ظاهرة الفساد لا في مفاصل الدولة وحدها بل وأيضا في السلوك الاجتماعي.
لقد انتجت تلك المعادلة الخرقاء دولا ومجتمعات يمكن القول إنها صارت تبتكر طرقا وأساليب للفساد غير مسبوقة من قبل في التاريخ.
فليس غريبا والحالة هذه أن تتربع دول عربية قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم. وليس غريبا في الوقت نفسه أن تعلو لغة الأخلاق في تلك الدول عن المستوى الذي هو عليه في دول أخرى، نسب الفساد فيها منخفضة أو على الأقل لا يشل الفساد حركتها وقدرتها على أن تقوم بوظيفتها.
تفاخر مجتمعات الدول الغارقة في الفساد بتدينها مقارنة بالمجتمعات التي ترعى شؤونها دول لم يستضعفها الفساد.
فهل هناك علاقة للتدين وهي صفة لم يرد لها ذكر في الأدبيات الدينية بالفساد؟
ربما يشعر الكثيرون بالحرج إذا ما وصلوا إلى تلك الحافة الاستفهامية. غير أن كارثة الفساد التي ضربت بلدا عريقا وثريا وطيب السمعة وكريما ومعطاء وأبياً مثل العراق توجب علينا أن لا نشعر بالحرج بحثا عن أسباب وتداعيات تلك الظاهرة الخطيرة التي من شأنها أن تؤدي بمجتمع رفيع في أخلاقه إلى هاوية من الانحطاط.
العراق تحكمه أحزاب دينية. زعماء وأعضاء تلك الأحزاب متدينون وفي الوقت نفسه فإنهم جميعا من غير استثناء فاسدون.
حقيقة ينبغي على المرء أن لا ينكرها أن أولئك الحزبيين قد نجحوا في نشر طقوس تدينهم في المجتمع بما يتناسب مع حجم فسادهم. فكان شعار "إنما الأمم الأخلاق" مقدمة لتسليط الضوء على سير الأئمة والأولياء الصالحين التي تضج بمآثر الفضيلة والأخلاق الحميدة.
الأخلاقيون في العراق وهم متدينون من طراز نادر استطاعوا أن يؤسسوا مدرسة جديدة في علم الأخلاق كان الفساد مصدر قوتها.
أن لا يكون المرء فاسدا في العراق وهو في موقع المسؤولية فتلك معجزة لن ترى النور. ذلك لأن آليات الحكم في العراق لا تسمح لغير الفاسدين من الوصول إلى مركز القرار.
ما صرت متأكدا منه أن تجربة حكم قوى الإسلام السياسي في العراق قد فضحت خرافة ما تنطوي عليه الدعوة لإحلال الأخلاق محل القانون من ابتذال للقيم الأخلاقية التي تمجد النزاهة وتعلي من شأن روح العدالة.
لا تختلف تلك الأحزاب في ما أقرته معيارا للحياة عما انتهجته التنظيمات الإرهابية حين فرضت الشريعة في اماراتها المؤقتة.
حزب الدعوة الإسلامي الذي هو تنظيم متخلف في فكره وسلوكه استطاع عبر اثنتي عشرة سنة من حكمه أن يحول العراق إلى محمية للفساد. غير أن نجاحه الأهم أنه استطاع أن ينتقل بالعراقيين من عصر القانون إلى عصر الأخلاق التي صارت واجهة للفساد.
ما لا يمكن لأحد إنكاره حقيقة أن دعاة الإسلام السياسي فاسدون.
خلاصة تجربة العراق في ظل حكم الإسلاميين تقول ذلك.
فاروق يوسف