بيت تراثي نادر يوثق الحياة الاجتماعية في الأردن
اربد (الأردن) - في بيت تراثي بمنطقة التل، أقدم أحياء مدينة اربد شمالي الأردن جمع عصام كريزم (47 عاما)، مقتنيات قديمة أصبح وجودها نادرا، وتعود للقرن الماضي.
أثاث منزلي وأدوات طهي وعدد بناء ونجارة، إضافة إلى أدوات تسجيل وتصوير، وصور ومخطوطات توضح تاريخ المدينة، وأخرى يرجع تاريخها إلى عام 1890؛ كلها استطاع كريزمأن يجمعها ويعرضها في ديوان عشريته (مقر عائلي).
وفي أركان "بيت إربد التراثي" توزعت مقتنيات تاريخية جمعها كريزم، من دافع عشقه لمسقط رأسه؛ ليبعث من خلاله رسالة لزائريه تضم في فحواها مستوى التطور الذي وصلت إليه ثاني أكبر محافظات الأردن.
وأصبح "البيت"، محل اهتمام وبحث من قبل كثير من أبناء المدينة الذين لا يكلّون عن طرح الأسئلة والاستفسارات حول اربد والمقتنيات التي جمعها كريزم.
ومن أبرز المقتنيات المعروضة، مجسم "نملية" (خزانة خشبية كانت تستخدم لحفظ الغذاء وأدوات المطبخ)، و"هاون" نحاسي، أداة تستخدم لطحن الحبوب كالبن والبهارات.
وفي زاوية أخرى من البيت، وضع كريم "غالات" (أقفال) الأبواب الخشبية، وأدوات نجارة وعدد بناء يدوية، كـ"الشاحوطة"، وهي أداة حديدية كانت تُستخدم لنحت الحجر.
اهتمام كريزم امتد ليطول أدوات الغزل والصوف التي أخذت من جدران البيت جزءا، ومنها "الدنق والأزق والكردش"، وهي أدوات كان يستخدمها الفرواتي (الشخص الذي يحوّل فرو المواشي إلى ألبسة).
وقد يكون طبيعيا أن تجد الراديو الخشبي القديم في بعض منازل الأردنيين، لكن ليس سهلا أن تجد جهاز "غرامافون" (يعمل بالإسطوانات الكبيرة)، الذي يعرضه كريزم في خزانة زجاجية، إلى جانب الهاتف الثابت الذي يعمل يدويا.
واقتنى المواطن الأردني أيضا، أدوات تتعلق بالزراعة وصناعة الطعام، كغربال القمح والشعير، والمقطف (مصنوع من خوص النخل لقطف الثمار)، والمنسفة (صينية مصنوعة من القصب يوضع عليها الطعام)، فضلا عن محراث الأرض الخشبي، ورحى (مطاحن) القمح، ومعدّات القهوة العربية.
وإذا انتقلت إلى زاوية أخرى من البيت، مقتنيات منزلية قديمة؛ فهناك مكواة تعمل بالفحم، تعود لأيام كان فيها كيّ الملابس محصورا على فئة معينة من الناس.
وأدوات الحرب كذلك كان لها نصيب من بيت كريزم، فوضع على أحد جدرانها بارودة قال إنها تركية الصنع، تعود إلى عام 1800، وإلى جانبها سراج الخيل.
ولا يقتصر الأمر على ما ذكر، فهناك مقتنيات يصعب عدّها، حرص كريزم على جمعها حفاظا على موروث "عروس الشمال" (لقب مدينة اربد)، وعرفاناً منه بدور أصحاب تلك المقتنيات.
وأصبح كريزم أرشيفاً بشرياً بسبب مجهوده هذا؛ فقد بات على علم ودراية بتاريخ وطريقة استخدام مقتنيات بيته التراثي، وهو يحرص على إفادة ونقل المعلومات لزواره.
يقول كريزم "أنا من سكان منطقة وسط اربد، وهي أقدم المناطق هنا، وقد تربينا وسط كل المؤثرات التراثية المحيطة بنا"، وهذا كان "سبب حبّي لجمع المقتنيات".
ويسرد قصته: "عملت ومجموعة شبان من أجل المحافظة على مقتنيات بات وجودها نادرا، وحرصت على توثيق مصدر كل مقتنىً أحصل عليه".
بهذه الطريقة يرى كريزم أنه حقق هدفين؛ الأول يتعلق بالمحافظة على المقتنيات، والثاني في تعريف عمن كان يمتهن كل حرفة ضم البيت التراثي أدواتها.
وعن عددها يقول: "كما ترى، لا يمكن إحصاؤها. هي كثيرة جداً، وبعض الأشياء كنت أحاول الحصول عليها من الناس، وكنت أواجه رفضا من بعضهم، وأحيانا كنت أدفع مقابلا نقديا".
ويعبر كريزم عن سعادته لتقبل الناس فكرته وترحيبهم بها.
ويؤكد أن "الحفاظ على المقتنيات التراثية تشعر الجيل القديم بالحنين لها، وتضع الجيل الجديد أمام تساؤل عن كيفية استخدامها".
وفي مداخلته للحديث عن مجهود ابنه التراثي، يقول محمد طاهر والد عصام/74 عاما: "الديوان يضم كل شيء تراثي وقديم يخطر في بالك، بعضها ما زال موجودا والآخر اندثر".
وتابع "أكثر الموجودات عاصرتها بحكم عمري، كل شيء قديم حلو.. خُلقنا في إربد القديمة وهذا يذكرنا بأيام الزمن الجميل".