ملامح حكومة ذات مضمون اجتماعي في تونس
قالت مصادر ان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ناقش مع الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي تشكيل حكومة وحدة وطنية مدنية تتبنى برنامجا إصلاحيا ذا مضمون اجتماعي بعيدا عن السياسات الاقتصادية المتوحشة مع عدم التفويت في المؤسسات العمومية.
كما اتفق السبسي والطبوبي على معالجة مطالب المركزية النقابية وفي مقدمتها ضخ دماء جديدة في مفاصل الدولة من خلال تركيبة حكومية تكون أكثر انفتاحا على القوى السياسية والمدنية وفي مقدمتها الاتحاد والقطع مع التجاذبات السياسية المصلحية على حساب التونسيين.
وقالت مصادر سياسية متطابقة مقربة من قصر قرطاج وأخرى مقربة من المكتب التنفيذي للمركزية النقابية إن السبسي أعرب عن تفهمه للانتقادات اللاذعة التي ما انفك يوجهها الطبوبي إلى حكومة الشاهد والائتلاف الحاكم الذي كثيرا ما استخف بالأوضاع.
وشدد على أن الأزمة السياسية والهيكلية التي تشهدها البلاد لا تستوجب فقط تشكيل حكومة جديدة وإنما تستوجب بالأساس سياسات اقتصادية واجتماعية متوازنة تراعي المصلحة الوطنية وفي مقدمتها المقدرة الشرائية للتونسيين وعدم التفويت في مؤسسات القطاع العام التي تبقى تحت إدارة الدولة.
وكان السبسي استقبل الطبوبي خلال الأيام القليلة الماضية في خطوة رأى فيها مراقبون مؤشرا الى تفاعل الرئيس التونسي مع مطالب المركزية النقابية التي رفعت من نسق تصعيدها تجاه أداء الحكومة التي تصفها بـ"الفاشلة" حتى أن الأمين العام لم يتردد في القول بأن الاتحاد دخل في حرب مع الشاهد بشأن التفويت في المؤسسات العمومية.
وفي أعقاب الاجتماع المفاجئ بدأت تصريحات الطبوبي هادئة ونوه بأن اللقاء كان فرصة لتبادل وجهات النظر بشأن الأوضاع العامة في البلاد والسبل الكفيلة بالخروج من الازمة الهيكلية التي باتت تهدد السلم الأهلي.
وشددت المصادر المتطابقة على أن السبسي أعرب خلال اللقاء عن موافقة الاتحاد على عدم التفويت في المؤسسات العمومية باعتبارها مؤسسات وطنية تمس مباشرة مصالح العمال والأجراء والتونسيين، وان الدولة تبقى الراعي الوحيد للمصالح الاستراتيجية وفق رؤية المركزية النقابية.
ووفق برنامج الحكومة الذي نال ثقة البرلمان، يعتزم الشاهد التفويت في عدد من مؤسسات القطاع العام التي تعاني صعوبات مالية إلى حد الإفلاس، غير أن الخبراء يقولون إن عملية التفويت لن تكون سوى إلى جهات أجنبية في ظل عجز القطاع الخاص التونسي نظرا للصعوبات المالية التي يمر بها.
وألقى تصعيد الطبوبي بتداعياته السلبية على الأوضاع الاجتماعية حيث رأى فيها العديد من القطاعات رسالة لاستنفار قواعد الاتحاد وهو ما يفسر اندلاع شرارة عدد من الاحتجاجات الاجتماعية شملت عدة قطاعات حيوية إضافة إلى أزمة التعليم الثانوي.
وقالت نفس المصادر إن "السبسي طلب من الطبوبي انتظار ما ستتمخض عنه لجنة الخبراء المنبثقة عن الموقعين على وثيقة قرطاج من أجل إضفاء شرعية سياسية ومدنية على تركيز حكومة وحدة وطنية يحظى فيها الاتحاد بمكانه كقوة مدنية لها ثقلها".
وأضافت المصادر أن الطبوبي شدد على تمسك الاتحاد برحيل تركيبة الشاهد التي يهيمن عليها كل من النداء والنهضة، لافتة الى أن المركزية النقابية لا تقبل بأي حال من الأحوال سياسة التهميش في صياغة البرامج وصناعة القرارات المصيرية.
وفي أعقاب اللقاء عقد الطبوبي العديد من اللقاءات والمشاورات من أبرزها لقاؤه بمحمد الناصر رئيس البرلمان الأمر الذي رأى فيه مراقبون أن المركزية النقابية بدأت تمهد لإقناع البرلمان بسحب الثقة من الحكومة باعتباره السلطة التشريعية التي تعبر عن إرادة الشعب ولا تعبر عن إرادة الأحزاب السياسية التي زجت بالبلاد في أزمة خانقة.
ولا يرى الاتحاد في حكومة الشاهد سوى حكومة تصريف أعمال ولم تف بعد بتعهداتها القاضية بتنفيذ برنامج وطني يهدف إلى محاربة الإرهاب والفساد وتوفير التنمية ومواطن الشغل لطالبيه غير أن الشاهد رد في أكثر من مناسبة بأنه ماض في الإصلاحات.
ويجاهر أعضاء لجنة الخبراء بأن من أهم المسائل التي يناقشونها تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تحظى بالإسناد السياسي اللازم وبالشرعية من قبل أكثر ما يمكن من القوى السياسية والمدنية إضافة إلى الخروج ببرنامج اقتصادي ذي مضمون اجتماعي.
وكشفت المصادر أن مسألة رحيل حكومة الشاهد باتت محسومة من قبل السبسي ولم تبق سوى مسوغات الخروج بالقرار ليكتسي طابعا دستوريا باعتبار أن إنهاء عمل الحكومة هو من سلطات البرلمان الذي يمتلك وحده صلاحيات سحب الثقة.
وأضافت أن السبسي يعي جيدا الدور الوطني للاتحاد كما يعي حقه في التعاطي مع الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية باعتباره القوة المدنية الأولى.