اخبار العراق الان

عاجل

هل انتحر السيد عبد المجيد الخوئي؟

هل انتحر السيد عبد المجيد الخوئي؟
هل انتحر السيد عبد المجيد الخوئي؟

2018-04-14 00:00:00 - المصدر: الموقف العراقي


هل انتحر السيد عبد المجيد الخوئي؟

14 أبريل, 2018 | 10:33 ص   -   عدد القراءات: 8 مشاهدة

شبكة الموقف العراقي

اعدد : اسعد الهلالي.

في 9 نيسان 2003 سقطت بغداد بيد الأمريكان وحفنة السياسيين القادمين على دباباتها، وفي اليوم التالي 10 نيسان 2003 قتل عبد المجيد الخوئي في النجف، مضت خمسة عشر سنة على ذلك وهذا بالضبط ما دعاني للكتابة عن موضوع تناوله الكثير من الكتاب والشهود، وتتوفر عنه الكثير من المعلومات في مواقع مختلفة على الانترنت وفي بعض الكتب، وما أفعله الآن ماهو إلا محاولة تكثيفها وتحليل بعضها لنعرف على الأقل شيئاً مما حدث في مثل هذا اليوم قبل 15 سنة بالضبط، هي التاريخ الجديد للعراق المرتبك الموغل في ظلامه… إننيأعتقد أن الشعب العراقي يمتلك ذاكرة طاردة يطرد فيها الحدث الجديد حدثاًأقدم، ولعل سبب ذلك هو كثرة الأحداث التي مر بها العراقيون، أو قد يرى علماء السسيولوجيا والسيكولوجيا الجمعية رأيا آخر.. قرأت عشرات الصفحات التي نشرت عن هذه الحادثة التي استهل بها العهد الجديد عرض تناقضاته وفوضاه، وهي ضمن جميع المقاييس تعتبر جريمة بشعة… تثبت تهافت القيم المقدسة أولا، ونزعات الشر الكامنة والظاهرة في نفوس من صاروا يلعبون أدوارا بارزة في المشهد السياسي العراقي الجديد، والسلوكيات الآنية غير الممنهجة والتي صارت سمة مميزة للقرار السياسي العراقي بعد 2003،

عبد المجيد الخوئي (نجل المرجع الشيعي الأعلى أبو القاسم الخوئي) ولد في النجف عام 1962 ودرس في الحوزة العلمية ووضع العمامة السوداء على رأسه وهو في الخامسة عشر من عمره، وإثر فشل الانتفاضة الشعبانية عام 1991 التي شارك فيها اضطر للهرب من العراق والاستقرار في لندن ليشارك في إدارة المؤسسة الخيرية والثقافية للإمام الخوئي، ويبدو أن اثنتي عشرة سنة من الإبتعاد عن الشارع العراقي المرتبك دوما، منعته من قراءته قراءة متأنية وادراك متغيراته التي اضطر لمواجهتها في اليوم الأول للاحتلال الأمريكي، وبينما كان تمثال صدام حسين يتداعى في ساحة الفردوس، كانت خطوات عبد المجيد الخوئي تجوب شوارع النجف التي جاءها قادماً من البحرين.. حاصلا على قصب السبق كأول معارض عراقي يدخل العراق في مبادرة لإقناع العراقيين بلا جدوى المقاومة، حسبما أشاع معارضوه الذين أضافوا إلى ذلك اتهامه بالتعاون مع قوات الاحتلال وتسريبه لوكالات الإعلام، فتوى زعم أنها صادرة عن المرجع الشيعي (علي السيستاني) تطالب العراقيين بعدم إعاقة وصول قوات الإحتلال إلى بغداد..

بينما يسرد مناصروه أسبابا أخرى أهمهما محاولته ايقاف أعمال العنف المتوقعة بعد سقوط النظام في العراق، ودرء أي احتمال لصراع طائفي… وحمله خططاً لإعادة تأهيل المرافق المهمة في مدينة النجف، وقيامه بتشكيل قوة أسماها (الوحدة الوطنية) أوكل مهمة قيادتها إلى الضابط السابق العقيد عبد المنعم عامر عبود.. ولعل الهدف الإستراتيجي الأكثر أهمية لعبد المجيد الخوئي كان مشروعه السياـ ديني في تدويل مدينة النجف وجعلها مستقلة على غرار الفاتيكان، وحصل على دعم البريطانيين إضافة إلى الملك الأردني لهذا المشروع.

وهناك قراءة أخرى أكثر موضوعية تقدم بعض الإشارات نستنتج منها إنه كان يبحث عن دور فاعل له في المشهد السياسي العراقي بعد صدام حسين، ومن هذه الإشارات محاولته فرض اسمه في اجتماع لندن للمعارضة العراقية الذي تم فيه التخطيط لاسقاط النظام العراقي عبر الاستعانة بالتحالف الأنكلوـ أمريكي، إلا إنه لم يتمكن من المشاركة في الإجتماع بسبب رفض رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية آنذاك ـ محمد باقر الحكيم ـ ولم يقف الخوئي عند هذا الحد بل سافر إلى إيران لمقابلة المسؤولين هناك ومحاولة إقناع محمد باقر الحكيم فلم تنجح محاولاته.. ويبدو أنه اختار أن يضع الجميع أمام واقع حضوره الفاعل على الساحة العراقية انطلاقا من مدينته (النجف) التي كان يعتقد أنه يرتكز فيها على سمعة والده المرجع الأعلى السابق أبو القاسم الخوئي المؤثرة في أذهان الناس، لكنه دخل النجف من بوابة التحالف الأنجلوـ أمريكي دون أن يكون شريكاً حقيقاً لهذا التحالف، أو بمعنى آخر، لم يمتلك أية ضمانات للحماية من قبله.. فغدا رهانه الوحيد، هو أنصاره النجفيون، وربما كانت هذه هي خطوة الانتحار الأولى.

قبل أربعة أعوام من انهيار العراق وتحديدا في 19 فبراير/ شباط من عام 1999، تعرض السيد محمد محمد صادق الصدر للاغتيال مع نجليه في مدينة النجف، وبالتأكيد لم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن استهدافه، إلا إن المحللين أشاروا إلى جهتين مختلفتين تماما، الأولى هي النظام العراقي الذي شعر بالتهديد بعد سلسلة من خطب الجمعة التي انتقد فيها الصدر النظام الحاكم صراحة وبقسوة في بعض الأحيان، أما الجهة الثانية فقد كانت إيران بالتنسيق مع الحكيم والخوئي، وهذا بالفعل ما حاولت المخابرات العراقية إثباته بعد أن قامت بإلقاء القبض على منفذي اغتيال السيد محمد محمد صادق الصدر، وكانوا من فيلق بدر قادهم شخصيا ابن عم ابن الخوئي الذي كان يعمل ضابط رفيعا في فيلق القدس الإيراني، وبتسهيل تام وتعاون معلوماتي من محمد باقر الحكيم، وقد أحضر مقتدى الصدر إلى مبنى رئاسة المخابرات في بغداد واستمع بنفسه لإفادات المتهمين وطلب أن يقوم بنفسه بتنفيذ حكم الإعدام بالمحكومين الثلاثة، ووافق الرئيس صدام حسين على طلبه، لكنه تراجع في لحظة التنفيذ ونفذه أحد أتباعه بدلا عنه في سجن أبي غريب، وأضمر مقتدى الصدر رغبته بالانتقام من آل الخوئي حتى سنحت في 10 نيسان 2003 بعد زيارة عبد المجيد الخوئي إلى النجف، وهذه هي الخطوة الثانية من الخطوات التي خطاها السيد عبد المجيد للانتحار…

حرص الخوئي بعد وصوله مدينة النجف على زيارة مقتدى الصدر، كان ذلك في الليلة التي سبقت مقتله، وقام بتسليمه مبلغا من المال ناهز الأربعين ألف دولار من أجل أن يساعد به الضعفاء والمحتاجين من أبناء النجف أو ممن يرى أنهم يستحقون هذه المساعدة، كما سلمه جهاز هاتف (ثريا) للاتصال عبر الأقمار الصناعية، وكان يعرف أن مقتدى الصدر ينوي الانتقام من حيدر الكليدار (سادن الروضة الحيدرية) لأنه يعتبره مشاركاً في اغتيال والده.. فحاول الخوئي اقناعه على ضرورة ترك أمر الخلافات بينهما جانباً، فالوضع أكثر خطورة مما ينبغي ولا بد من نبذ الخلافات ورأب الصدع في تلك الفترة بالغة الحساسية، واقترح أن يقوم بمصالحته مع الكليدار، فرد مقتدى بأن يوافق شرط أن يجلب الخوئي الكليدار إلى (البراني) الخاص بالصدر، إلا إن الخوئي حاول أن يثنيه عن قراره هذا واقترح أن يتم الصلح بينهما في اليوم التالي في الروضة الحيدرية، وسيقوم عبد المجيد الخوئي باحضار حيدر الكليدار إلى هناك ليتبعهما الصدر ويلتقون خلال مراسيم زيارة ضريح الإمام علي ليبدو لقائهم صدفة ثم تتم المصالحة، ووافق الصدر على هذا المقترح… وغادره الخوئي وهو واثق تماما بأن الأمور ستسير على ما يرام، دون أن يفكر بأن الصدر أضمر الشر للاثنين معاً، الخوئي والكليدار… وكان ضيق أفقه وثقته المفرطة هي الخطوة الثالثة التي قادته نحو الانتحار…

في صباح اليوم التالي زار الخوئي السيد حيدر الكليدار وطلب منه أن يرافقه ليزورا معا ضريح الإمام علي(ع) ودون أن يوضح له الأسباب، حاول الكليدار الاعتراض لأن ما يشاع في الشارع النجفي أن جماعة مقتدى الصدر يريدون قتله ثأر لمقتل محمد صادق الصدر، ولأنه عضوا في المجلس الوطني العراقي، وكان رد الخوئي واثقا بأن عليه أن لا يصدق مثل هذه الترهات، ولن تثنيهما عن إتمام مراسيم الزيارة خاصة إن بعض الأصدقاء النجفيين سيرافقونهما حيث لن يجرؤ أحد على محاولة الاعتداء في الروضة المقدسة، وهكذا اقتنع الكليدار بمرافقته إلى حتفه..

في الطريق إلى ضريح الإمام علي، كان النجفيون والزوار القادمون من مناطق العراق المختلفة، يحيون الخوئي ويقبلون عباءته إجلالا له ولذكرى والده، في مشهد يذكرنا باحتفاء أهل الكوفة بمسلم بن عقيل حين وصلها موفدا من الإمام الحسين بن علي، ومثلما انفض الناس جميعا عن مسلم حين بدأ عبيد الله بن زياد مناوراته لإلقاء القبض عليه، لم يجد الخوئي أحداً حين أحاطه حشد من الهاتفين بسقوط البعثيين ومطالبتهم بخروج حيدر الكليدار من ديوان الحضرة الحيدرية ليقتلوه انتقاما لاغتيال الصدر.. فوجئ الخوئي ومن معه بهذا التغير الدراماتيكي، خاصة أن الصدر لم يظهر أبدا ليقوم بالسيطرة على اتباعه الذين فلت زمامهم… فقاموا برجم واجهة ديوان الكليدار بالترب التي تستعمل للصلاة، وهذا خدش غريب لمفهوم من مفاهيم القداسة الشيعية، فالتربة تحظى بقداستها على افتراض إنها مصنوعة من تراب كربلاء التي قتل فيها الإمام الحسين في عام 61 للهجرة.. ويتعامل معها الشيعي باهتمام بالغ فيضعها دوما في أكثر الأمكنة طهارة ويقبلها عدة مرات بعد الانتهاء من فروض الصلاة.. لكنها في هذا الموقف كانت مجرد حجارة رجمت بها نافذة الديوان، القداسة إذن مفهوم زئبقي دائم التغير والتبدل مرتبط بما يرغب الشخص فعله، وهذا ينسحب على القداسة المفترضة للروضة الحيدرية، والتي يكن لها الشيعة في العالم أجمع احتراما وتقديسا مفرطا، لكنها أصبحت ساحة للعراك ومكانا لقتل شخص يعود بنسبه إلى الإمام علي نفسه..

الخطوات التالية لانتحار السيد عبد المجيد الخوئي جرت بسرعة بالغة بدأها بخروجه من الديوان للتحدث مع المتجمهرين الهاتفين بالموت.. كان الخوئي يظن بأن كلماته قادرة على تهدئتهم، إلا إن النظرة الأولى للسيوف والقامات والخناجر والعصي المشرعة جعلته يدرك جدية ما يحدث.. وأدرك حجم الورطة التي غاص فيها، خاصة أن واحدا من المحتشدين قام بضربه بقامة (سيف مستقيم صغير) تلقاها الخوئي بيده اليسرى فتسببت في بتر ثلاث من أصابعه، وقيل أنه أشهر مسدسه وأطلق رصاصتين في الهواء، ليتمكن من العودة إلى الديوان ثانية.. بينما أنكر أتباعه أنه كان يحمل مسدسا…

جرت مناوشات استمرت ساعتين وخمس وثلاثون دقيقة من صباح يوم الخميس 10 نيسان 2003 كان المحاصرون فيها الخوئي والكليدار وبعض الأصدقاء وخدم الروضة الحيدرية قابعون في ديوان الكليدار، يحمل ثلاثة منهم فقط أسلحة بسيطة، مسدس وبندقيتان كلاشنكوف وعدد قليل من الإطلاقات، بينما كان الآخرون عُزَّل اضطروا للاختباء في الحمام.. وفي الجانب الآخر، احتشد في صحن الإمام علي أتباع الصدر وهم يحملون أسلحة مختلفة تراوحت بين البيضاء كالسيف والقامة والخنجر والقاتلة كالبنادق والقاذفات والقنابل اليدوية… وقدر بعضهم الحشد بما لا يقل عن 200 شخص.. في مشهد يذكر نسبيا بالإمام الحسين واتباعه السبعين بأسلحتهم البسيطة في مواجهة جيش قوامه آلاف المقاتلين بأسلحة مختلفة… وبعد أن أصيب واحد ممن كان في الكليدارية إصابة بليغة توقف الخوئي عن القتال وطلب من المحاصرين أخذ المصاب إلى المستشفى لانقاذه، وهذه خطوة أخرى من خطوات الإنتحار، فما زال بالغ السذاجة وحسن النية إلى الحد الذي ظن فيه أن هؤلاء الذين جاؤوا لقتله سيتعاطفون مع جريح يخصه، وما حدث كان مفاجئا للخوئي لكنه متوقع في مجال تصور ردود فعل فئة وضعت أية معايير إنسانية جانبا، وما انهمكت في التفكير فيه ومحاولة تنفيذه هو الكيفية التي سيسيل فيها دم المحاصَرين.. لذا ما إن تمكنوا من الدخول للكليدارية حتى انهالوا على المصاب ركلا وضربا ففارق الحياة، لم يكن المطلوب الحقيقي هو حيدر الرفيعي الكليدار بدعوى انه بعثي وعضوا في المجلس الوطني ومساهم في قتل محمد صادق الصدر فحسب، اذ يبدو ان ما ظنه الخوئي في الليلة السابقة اتفاقا مع مقتدى الصدر تحول لدى الثاني إلى خطة يقوم أتباعه بتنفيذها حرفيا.. حتى أنهم قطعوا أسلاك مكبرات الصوت التي أراد الخوئي استعمالها لمخاطبة الزائرين والمحاصِرين على حد سواء.. كان صهر مقتدى الصدر الشيخ رياض النوري في مقدمة مقتحمي ديوان الكليدار، يرافقه الشيخ أحمد الشيباني قاضي المحكمة الشرعية وأحد المساعدين البارزين لمقتدى والسيد مصطفى اليعقوبي وآخرون من مكتب الصدر.. أوثقوا أيدي من اعتبروهم أسرى (الخوئي ورفاقه) بعد أن سلبوهم أموالهم وما هو ثمين من أشيائهم، ثم خرجوا متوجهين صوب البراني حيث مقتدى الصدر، ولعل الأمر كان صريحا وسريعا بالنسبة لحيدر الرفيعي الكليدار فما إن غادروا الديوان حتى قاموا بقتله، ويرى البعض بأنهم استعجلوا التخلص منه كي يأخذ معه إلى العالم الآخر جميع الأسرار المرتبطة بالعلاقة التي كان الكليدار وسيطها بين ديوان رئاسة الجمهورية والسيد محمد محمد صادق الصدر…

ضم الحشد المسلح بالغضب والصرخات ومختلف معدات القتل رموزا معروفة بولاءها المطلق للبيت الصدري، منهم الشيوخ المعممون ستار البهادلي، ياسر المظفر، نجاح لايج، قيس الجيزاني، رياض النوري، مصطفى اليعقوبي، وكثيرون غيرهم ضمهم تحقيق القاضي رائد جوحي خلال بحثه عن تفاصيل الجريمة التي جرت أحداثها في صحن المرقد المقدس للإمام علي بن أبي طالب، وكانت وجهتهم واضحة، براني مقتدى الصدر الذي وصلهم أمره الصريح عبر الشيخ ياسر المظفر ليأخذوا الخونة بعيدا عن المكتب ويقتلوهم، فباشر الجميع بطعن الخوئي حتى ان أحدهم قطع أصبعه كي يغنم الخاتم الفضي ذا الفص العقيقي.. الذي كان يتختم به.. الأمر الغريب أنهم كانوا يصرخون يا حسين، وهم في الواقع يكررون ما فعله القتلة بالإمام الحسين قبل 1400 عام، في تناقض كاريكاتوري مؤلم..

كان المشهد برمته مرتبكا يوحي بما سيكون عليه العراق الجديد بعد أن يتولى الحكم فيه نماذج لا تختلف كثيرا عن هؤلاء، ولنأخذ مثالا: كان الشيخ أحمد الشيباني وهو من زعماء التيار الصدري من أكثر المحرضين على قتل عبد المجيد الخوئي، وقام بتوزيع مخازن أعتدة الرشاشات على حاملي السلاح المشتركين في الهجوم على الكليدارية، وكان يردد: لا تدعوه يخرج من الحضرة سالما، لأنه لو خرج منها فسيكون صدام الثاني عليكم في العراق، إنه حكم سياسي نتج عنه أمر بالقتل الذي تم تنفيذه بالفعل، لكن علام اعتمد هذا الحكم، وما هي الآلية التي سيصبح وفقها الخوئي صداماً ثانياً في العراق؟…

من المفارقات أن أحد المشاركين في قتل الخوئي بحماس شديد، كان يردد: الموت للخائن.. فجذبه شخص ممن يعرفونه، وسأله هل تعرف من هذا الذي تقوم بطعنه، فرد الرجل: إنه خائن، أجابه صاحبه، هل تعرف بأنه ابن المرجع الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي، شعر الرجل بالصدمة وصار يصرخ ويبكي مولولا نادبا حظه العاثر الذي جعله يشترك في قتل السيد.. وهذا من شأنه أن يذكرنا بأن الكثير من قتلة الإمام الحسين وصحبه لم يكونوا يعرفون بأنهم يقتلون الشخصية الأكثر قداسة في العالم الإسلامي آنذاك.. وسنرى أن هذا واقع ما زال مكرساً وسنرى خلال الانتخابات القادمة أن بعضهم سيعطي صوته لشخص قد لا يعرف أنه الأكثر أذى وإجراما بحق العراق والعراقيين… ويمكننا أن نعتبر هذه خطوة من خطوات انتحار عبد المجيد الخوئي الذي لا يبدو أنه قرأ الشارع العراقي قراءة متأنية صحيحة.. وأعترف أنني لا أكاد أفهم هذه الإزدواجية الغريبة، حين نقوم بقتل المقدسين لدينا (أئمتنا) ثم نقوم بالبكاء عليهم..

اهتز الشارع النجفي بعد نشر أسماء بعض المشاركين في هذه الجريمة وبدأت المطالبة بالقصاص منهم، وتم بالفعل القاء القبض على أولاد البغدادي (الشقاوات) وابن معجونة وآخرين، وأودعوا لدى العقيد عبد المنعم عامر عبود، الذي كان مدير الإدارة المدنية للنجف يومذاك، ولم يمض أسبوع على توقيفهم حتى فوجئ النجفيون بخروج الموقوفين من التوقيف، وقد أشيع بأن أحدهم قام بدفع رشوة مالية كبيرة لإخراجهم.. إحدى بدايات الفساد الذي سيتفاقم في العراق وتصبح الرشوة هي الخيار الأول في التخلص من أية مشكلة قانونية، وأصدرت المحكمة أمرا بالقاء القبض على بعض الجناة والمشتبه بهم وعلى رأسهم مقتدى الصدر، وحاول الأمريكان تنفيذ الأمر، إلا إن تسويفات ومساومات وصفقات دارت تحت الطاولات بين أعضاء مجلس الحكم اشترك فيها الزعماء الشيعة أنفسهم، وأغلبهم من أصدقاء الخوئي القتيل.. انتهت إلى الغاء أمر القاء القبض، بل سرقة ملف التحقيق واستبداله بملف آخر لا يضفي إلى نتيجة، خاصة ان الشهود الجدد لم يدلوا بما يشير إلى أن ثمة جريمة قد حدثت ومجرمون قاموا باقترافها أمام حشد كبير من الناس بدأ فصلها الأول في صحن الإمام علي بن أبي طالب الذي راهن الخوئي على أنه مقدس بما يكفي لتوفير الحماية له من احتمال تعرضه للأذى، وكان هذا رهانه الخاسر الذي كان حاسما في رحلته من لندن إلى البحرين ثم النجف في يوم احتلال العراق ليحقق انتحاره على الأرض التي شهدت ولادته…. النجف… هكذا بدأ المشهد السياسي والديني العراقي يومه الأول من العهد الجديد.. وهكذا نواصل مشاهدة فصول مخزية لم تشهدها أية دولة من دول العالم، أدت بالعراق والإنسان العراقي إلى أن يتربع على المقعد الأخير في أي تسلسل ايجابي، سواء كان معرفيا، عمرانيا، حضاريا، اقتصاديا… لكنه تمكن وبجدارة على الجلوس على المقاعد الأولى في تسلسل البلدان الأكثر فسادا، وفشلا، وتخلفا، وجهلا…

هل انتحر السيد عبد المجيد الخوئي؟