دبلوماسية الغنوشي الموازية تثير استياء السبسي
قالت مصادر سياسية مقربة من قصر قرطاج إن الرئيس قائد السبسي "مستاء" من محاولات راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة لقيادة دبلوماسية موازية لدبلوماسية الدولة مشددة على السياسات الخارجية للبلاد هي من صلاحيات رئيس الدولة دون سواه.
وأضافت المصادر إن الغنوشي ما انفك يغتنم أي مناسبة أو حدث ليقوم بزيارات إلى بلدان عربية وأجنبية يجري خلالها لقاءات ومشاورات مع مسؤولين ويتحدث باسم تونس كما لو أنه يتمتع بصفة رسمية والحال أنه لا يعدو أن يكون سوى رئيس حزب.
وكان السبسي قد شدد في أكثر من مناسبة على أن الدبلوماسية الوحيدة التي تنتهجها تونس هي دبلوماسية الدولة ممثلة في رئيس الجمهورية وفق ما ينص عليه دستور البلاد.
وقال دبلوماسيون آنذاك إن تصريحات السبسي موجهة تحديدا للغنوشي الذي زج بتونس خلال فترة حكم الترويكا في سياسة محاور خاطئة كثيرا ما نأت تونس بنفسها عنها.
وقاد السبسي منذ توليه الرئاسة في العام 2014 جهودا لإعادة التوازن لسياسة تونس الخارجية من خلال زيارات مدروسة إلى بلدان أجنبية وعربية أكد من خلالها أن متمسكة بعلاقاتها العريقة مع شركائها على أساس احترام السيادة وخدمة المصالح المشتركة.
غير أن جهود السبسي، كما يرى دبلوماسيون، كثيرا ما يتم اختراقها من قبل الغنوشي ليؤدي زيارات موازية تروج لحركة النهضة على أنها قوة سياسية لها رؤيتها الخاصة للسياسات الخارجية للبلاد في محاولة لفرض دبلوماسية موازية.
وانتقدت المصادر السياسية بشدة زيارة الغنوشي لبروكسل ولقائه بفيديريكا موغريني الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية والتحدث إليه باسم تونس في عدة مسائل وفي مقدمتها تصنيف تونس على اللائحة السوداء للاتحاد.
وقالت نفس المصادر "إن تونس ما انفكت تبذل جهودا رسمية بشأن التصنيف مع الاتحاد ومع الأطراف الفاعلة فيه" ملاحظة أن " زيارة الغنوشي تمثل تشويشا على تلك الجهود".
وخلال الزيارة دعا الغنوشي باسم تونس الاتحاد الأوروبي إلى سحب البلاد من اللائحة السوداء لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب كما لو أنه يمتلك صفة رسمية للتحدث باسمها.
وخلافا للقوى السياسية الديمقراطية لا يستنكف الغنوشي من تكثيف اتصالاته ولقاءاته مع سفراء الدول العربية والأجنبية يتولى خلالها تقديم رؤية النهضة للأوضاع الداخلية والقضايا العربية والإقليمية والدولية وفي مقدمتها الملف الليبي والسوري واليمني.
ويحرص الغنوشي على تغيير موقف الاتحاد الأوروبي من النهضة التي يعتبرها جزء من تنظيم الإخوان وهو ما صرح به سفير الاتحاد بتونس وأثار توجس الحركة لجهة تداعياته السياسية سواء على مستوى الاتحاد أو على مستوى القوى السياسية التونسية.
ويرى مراقبون أن اختيار الغنوشي زيارة بروكسل في هذا التوقيت بالذات الذي تعاني فيه البلاد من أزمة سياسية وهيكلية وتستعد فيه للانتخابات البلدية هو اختيار لا يخلو من المزايدات على صلاحيات السبسي المعني رسميا برسم السياسات الخارجية.
وشددت المصادر السياسية على أن "أي شكل من أشكال الدبلوماسية الموازية لدبلوماسية الدولة تعد مساسا من صلاحيات رئيس الدولة وهو لن يتردد في وضع حد لها".
وتابعت نفس المصادر تقول "لئن كان من حق أي شخصية سياسية أو رئيس حزب أن يقوم بزيارات إلى بلدان عربية أو أجنبية فإنه ليس من حقه أن يتحدث باسم تونس سواء بشأن الأوضاع الداخلية أو بشأن أوضاع المنطقة والقضايا العربية والإقليمية والدولية".
ويبدو، كما يذهب إلى ذلك محللون، أن الغنوشي تساوره مخاوف من موقف الاتحاد الأوربي، الشريك الأول لتونس الذي يستأثر بنسبة 70 بالمئة من المبادلات التجارية، من النهضة إذ أعرب أكثر من مسؤول توجسه من وصول الحركة إلى حكم تونس.
وكان جان بيار رافاران رئيس الوزراء الفرنسي السابق حذر في تصريحات سابقة من إمكانية عودة الإسلاميين للحكم من جديد معتبرا ذلك تهديدا للمسار الديمقراطي.
وتظهر قراءات أن الغنوشي بات يسعى إلى الترويج للنهضة على أنها حزبا مدنيا شأنها شأن بقية الأحزاب لدى البلدان الأجنبية في ظل تصنيف عدد من البلدان العربية الإخوان تنظيما إرهابيا وما سينجر عنه من تداعيات قد تقود إلى القضاء عليهم.
وتوقعت المصادر السياسية المقربة من قصر قرطاج أن يجري السبسي خلال الأيام القليلة القادمة لقاء مع الغنوشي ويلفت نظره إلى "تونس تمتلك تجربة دبلوماسية وعريقة وهي من صلاحيات رئيس الدولة دستوريا وأنه ليس من حق أي شخصية سياسية التعبير عن المواقف الرسمية للبلاد سواء إزاء الشأن الداخلي أو القضايا الخارجية".