اخبار العراق الان

كيف هرب اللاعبون الجزائريون من فرنسا للالتحاق بالثورة قبل 60 عاما

كيف هرب اللاعبون الجزائريون من فرنسا للالتحاق بالثورة قبل 60 عاما
كيف هرب اللاعبون الجزائريون من فرنسا للالتحاق بالثورة قبل 60 عاما

2018-04-17 00:00:00 - المصدر: بي بي سي


يوم 12 يوليو/ تموز من عام 1998 كانت كرة القدم الفرنسية على موعد مع التاريخ. فقد فاز المنتخب الفرنسي بكأس العالم لأول مرة في تاريخه. وكانت فرحة الفرنسيين عارمة وهم يحتفلون بفوز منتخبهم على البرازيل بثلاثة أهداف لصفر.

ولا أحد ينكر أن ذلك الفوز التاريخي الأول والوحيد حتى الآن للمنتخب الفرنسي صنعه أسطورة الكرة الفرنسية الجزائري الأصل، زين الدين زيدان، الذي سجل هدفين في المباراة النهائية.

لكن قبل ستين عاما، في عام 1958، حين كان الفريق الفرنسي من أقوى المرشحين للفوز بكأس العالم في السويد، وكان يضم لاعبين بارزين مثل ريمون كوبا، وجوست فونتين، وروجي بيونتيني، غاب أبرز لاعبي منتخب فرنسا عن مباراة نصف النهائي أمام البرازيل.

وانهزم الفرنسيون أمام البرازيل بخمسة أهداف مقابل هدفين.

كان المدرب، بول نيكولا، استدعى لتشكيلة المنتخب الفرنسي أربعة لاعبين جزائريين هم نجم فريق سانت إيتيان، رشيد مخلوفي، وصخرة دفاع فريق موناكو، مصطفى زيتوني، فضلا عن عبد العزيز بن تيفوز مهاجم موناكو أيضا، ومحمد معوش، مهاجم فريق ريمس.

وقبل شهرين من موعد السفر إلى السويد مع المنتخب الفرنسي اختفى اللاعبون الجزائريون الأربعة ومعهم 30 لاعبا آخرين ينشطون في الدوري الفرنسي الأول. هربوا على دفعات من المدن الفرنسية التي كانوا يلعبون في فرقها عبر حدود الدول المجاورة ليجتمعوا كلهم في تونس.

كانت الخطة من تدبير جبهة التحرير الوطني، التي كانت تقود حربا في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي منذ أول نوفمبر/ تشرين الأول 1954.

وكانت جبهة التحرير الجزائرية منتشرة في فرنسا أيضا، وكانت لها خلايا تجمع اشتراكات من اللاعبين الجزائريين لدعم الثورة المسلحة، بنسبة 15 في المئة من رواتبهم.

وقررت قيادات الجبهة أن تشكل فريقا يمثل الجزائر في المنافسات الكروية الدولية. وكلفت لاعبا محترفا معروفا في الدوري الفرنسي هو محمد بومزراق بجمع اللاعبين الجزائريين في فرنسا وترحيلهم إلى تونس من أجل تشكيل فريق جبهة التحرير.

كان بومزراق، وهو يتصل باللاعبين الجزائريين لإقناعهم بالرحيل عن فرنسا وتشكيل فريق جبهة التحرير، يتذكر مباراة خيرية تاريخية جمعت في عام 1954 بين المنتخب الفرنسي ومنتخب عن شمال أفريقيا، بهدف جمع التبرعات لضحايا زلزال مدمر ضرب منطقة الأصنام (الشلف حاليا) قتل فيه أكثر من 1400 شخص.

عنما لعبت الجزائر وتونس والمغرب في فريق واحد

ضم فريق شمال أفريقيا أبرز اللاعبين الجزائريين في الدوري الفرنسي الأول من بينهم عبد الرحمن بوبكر، ومصطفى زيتوني، ومختار عريبي، وعبد العزيز بن تيفور، والأسطورة المغربي العربي بن مبارك، الذي عاد إلى أولمبيك مرسيليا من أتليتيكو مدريد، وعبد الرحمن محجوب ومحمد عبد الرزاق، وسالم بن ميلود ومن تونس قاسم حسونة.

وكان المنتخب الفرنسي بقيادة ريموا جونكي في الدفاع وريمون كوبا في الهجوم. وعلى الرغم من أن المباراة لم تكن رسمية، فإن الصحف الفرنسية أولتها اهتماما ولم تتوان التعليقات في التكهن بفوز ساحق لنجوم المنتخب الفرنسي أمام لاعبين "لا تجمع بينهم إلا اللغة العربية" كما كتب أحد الصحفيين الفرنسيين، بقيادة "لاعب عمره 37 عاما"، مشيرا إلى بن مبارك، الذي كان في آخر مشواه الكروي.

لكن مجريات اللعب كانت مختلفة تماما على الميدان. فلم تمض 25 دقيقة حتى فتح عبد الرزاق باب التسجيل لفريق شمال أفريقيا، ثم عمق بن مبارك الفارق بهدف ثان، قبل أن يسجل المنتخب الفرنسي هدفه الأول، ولكن عبد الرزاق عاد مرة أخرى ليسجل الهدف الثالث.

وسجل المنتخب الفرنسي بعدها هدفا ثانيا من ضربة جزاء في الدقائق الأخيرة من المباراة، التي انتهت بفوز شمال أفريقيا على المنتخب الفرنسي بثلاثة أهداف لهدفين.

لم تكن تلك المباراة الوحيدة التي انهزم فيها المنتخب الفرنسي أمام فريق من شمال أفريقيا، ولكنها الأشهر على الإطلاق، ربما لأنها اقترنت بأحداث تاريخية حاسمة. فقد جرت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 1954، وبعد أقل من شهر، أي في أول نوفمبر/ تشرين الثاني اندلعت الثورة المسلحة في الجزائر.

اختفاء اللاعبين الجزائريين

قبل يومين من مباراة ودية تحضيرية لمونديال 1958، جمعت بين المنتخب الفرنسي والمنتخب السويسري، كان يفترض أن يشارك فيها زيتوني في الدفاع ومخلوفي في منصب رقم 10 اختفى تسعة لاعبين جزائريين فجأة. لقد هربوا كلهم من فرنسا عبر الحدود السويسرية والإيطالية باتجاه تونس.

ورغم تحريات الشرطة ونقاط التفتيش على الحدود تمكنت مجموعات أخرى من اللحاق بهم في مكان تجمع أول منتخب جزائري لكرة القدم، تحت إشراف المدرب الشاب وقتها، مختار عريبي، الذي كان يدرب فريق أفينيون الفرنسي.

وقد اعتقلت الشرطة لاعبين اثنين هما حسان شاربي ومحمد معوش وهما يحاولان الهروب، وسجنا عاما كاملا، ليلتحقا بعدها بزملائهما في تونس.

وأذهل خبر هروب اللاعبين الجزائريين السلطات الفرنسية بعد انتشاره الواسع في وسائل الإعلام. وتحدثت صحيفة ليكيب الرياضية ومجلة باري ماتش مطولا عن هذا الهروب الجماعي المفاجئ وغياب مصطفى زيتوني عن دفاع المنتخب الفرنسي، واختفاء رشيد مخلوفي النجم الصاعد للكرة الفرنسية.

كأس العالم أم الثورة

كان أمام مخلوفي، وعمره وقتها 22 عاما، مستقبل كروي زاهر. وكانت نهائيات كأس العالم مع المنتخب الفرنسي ستفتح له طريق العالمية والمجد، فقد كان وقتها، بوصف النقاد الأكثر صرامة، نجم الكرة الفرنسية الصاعد ليأخذ مكانة ريمون كوبا وجوست فونتين في المنتخب الأزرق.

وكان بومزراق، المشرف على عملية الهروب، مترددا في الاتصال بمخلوفي بادئ الأمر، ذلك لأنه كان مجندا في الجيش الفرنسي وقتها وفاز بكأس العالم العسكرية مع المنتخب الفرنسي.

ولكن نجم سانت إيتيان قال لاحقا: "لم أتردد لحظة واحدة في تلبية النداء فأغلبية الفرنسيين لم يكونوا على علم بما يجري في الجزائر. وبعد التحاقنا بجبهة التحرير تبينت لهم حقيقة الأمر وخطورته".

ويروي كتاب تاريخ كرة القدم الجزائرية أن نجم المنتخب الفرنسي ريمون كوبا بعث بطاقة تهنئة لصديقه زيتوني من مركز تدريب المنتخب الفرنسي في السويد عام 1958".

ينحدر مخلوفي من مدينة سطيف شرقي الجزائر. وهي المدينة التي شهدت أحداث 8 ماي 1945 التاريخية، عندما خرج الجزائريون احتفالا بنهاية الحرب العالمية الثانية، التي شاركوا فيها في صفوف الجيش الفرنسي، مطالبين بحقهم في تقرير المصير فقابلتهم أجهزة الأمن الفرنسية والجيش بالرصاص الحي.

حفرت مجازر 8 ماي، التي قتل فيها عشرات الآلاف من الجزائريين المدنيين، ندوبا لا تمحى في ذاكرة مخلوفي الطفل، الذي كان عمره تسع سنوات، فلم يتردد، كما قال، لحظة واحدة في الالتحاق بالثورة مضحيا بأمجاد الكرة وشهرتها التي كانت تحت قدميه.

"أحسن فريق في العالم"

وكان قلب دفاع فريق موناكو، مصطفى زيتوني، لاعبا أساسيا في المنتخب الفرنسي، وساهم في تأهله إلى نهائيات كأس العالم 1958 في السويد.

أدى زيتوني مباريات متميزة وأظهر مهارات رائعة في دفاع المنتخب الفرنسي وهو يلعب تصفيات كأس العالم في المجموعة الأوروبية الثانية أمام بلجيكا ثم المجر وانجلترا. ولكن مباراته الأخيرة مع المنتخب الفرنسي، قبل الهروب الجماعي، فكانت هي الأروع في رأي النقاد وفي رأي زملائه.

جرت المباراة في مارس/ آذار 1958 في ملعب حديقة الأمراء بباريس أمام المنتخب الإسباني. وكان زيتوني مكلفا بمراقبة الفائز بالكرة الذهبية لأحسن لاعب في العالم، ألفريدو دي ستيفانو، فتمكن من شل حركته تماما طوال المباراة ولم يترك له فرصة واحدة للتحرك.

وكان رئيس ريال مدريد التاريخي، سانتياغو برنابيو، الذي يحمل ملعب الفريق الملكي اسمه اليوم، في المدرجات. ولشدة انبهاره بلاعب المنتخب الفرنسي رقم 5 تقدم نحوه في نهاية المباراة وعرض عليه الانضمام إلى فريقه، قائلا "لابد أن تلعب في أحسن فريق في العالم، إنه ريال مدريد، هل نوقع العقد؟".

فرد عليه زيتوني: "أشكرك على العرض ولكنني سألعب فعلا في "أحسن فريق في العالم". كانت تلك آخر مباراة يلعبها زيتوني مع المنتخب الفرنسي وكان قد أعطى وعدا لزملائه بالهروب من فرنسا إلى تونس لتشكيل فريق جبهة التحرير.

حصار وحظر من الفيفا

تصدر هروب اللاعبين الجزائريين عناوين الصحف الفرنسية الصادرة يوم 15 أبريل/ نيسان 1958، وخصصت مجلة باري ماتش تقريرا واسعا عن مصطفى زيتوني وتأثير غيابه على المنتخب الفرنسي في نهائيات كأس العالم.

وكتبت صحيفة ليكيب الرياضية "اختفاء تسعة لاعبين جزائريين"، ولكنهم كانوا في الواقع عشرة في المجموعة الأولى وهم: رشيد مخلوفي (سانت إيتيان)، مصطفى زيتوني، وعبد الحمن بوبكر، وعبد العزيز بن تيفور، وقدور بخلوفي (موناكو)، ومحمد معوش (ريمس)، وعمار رويعي (أنجي)، وعبد الحميد بوشوك وسعيد براهيمي (تولوز)، وعبد الحميد كرمالي (ليون). ثم التحقت بهم مجموعة من اللاعبين في 1959 وأخرى عام 1960.

وسارع الاتحاد الفرنسي لكرة القدم إلى تقديم شكوى للاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا يطالب فيها بمنع هؤلاء اللاعبين من ممارسة كرة القدم في أي فريق، وفسخ عقودهم مع الفرق الفرنسية التي كانوا يلعبون فيها، ومنع فريق جبهة التحرير من المشاركة في أي منافسة دولية.

وقد تفاعلت جميع الاتحادات في الدول الغربية إيجابيا مع الشكوى الفرنسية. وهدد الفيفا أي دولة تستقبل هذا الفريق الذي "ليست له سيادة" بالعقوبة. ولكن دولا أخرى تحدت الحظر واستقبلت فريق جبهة التحرير ونظمت له مباريات فاق عددها التسعين، حتى الاعتراف الدولي بالجزائر المستقلة عام 1962 واعتماد فريقها الوطني من قبل الفيفا عام 1963.

وانطلق فريق جبهة التحرير الجزائرية في مسيرة طويلة وسلسلة من المباريات في أفريقيا وآسيا يرتدي لاعبوه ألوان العلم الجزائري، لتكتشف الجماهير النشيد الوطني الجزائري "قسما" في بداية المباريات.

كانت المباراة الأولى التي خاضها زملاء زيتوني ومخلوفي أمام فريق تونس القوي، الذي كان وصل قبل عام إلى نهائي منافسة كرة القدم في الألعاب العربية في بيروت. وكانت النتيجة مفاجئة للجميع، ثمانية أهداف مقابل صفر لصالح الفريق الأخضر.

وتابع فريق الثورة الجزائرية مسيرته إلى هانوي وبلغراد وصوفيا وبوخاريست وبكين وبغداد، أبهر فيها الجماهير بفنيات لاعبيه العالية وبرسالة فريقهم القوية إلى العالم

وكانت أقوى نتيجة حققها فريق جبهة التحرير ربما هي فوزه بستة أهداف مقابل هدف واحد على منتخب يوغوسلافيا سابقا، الذي كان من أقوى المنتخبات في العالم.

وفي فيتنام استقبل الرئيس هو شي مينه اللاعبين وهيئة التدريب كما استقبلهم رئيس وزراء الصين شو إن لاي في بكين.

رفع العلم الجزائري في بغداد

ورفع العلم الجزائري لأول مرة في مباريات كرة القدم في العراق. وارتفع النشيد الوطني "قسما" لأول مرة أيضا في المباراة، التي أقيمت في فبراير/ شباط 1959 في بغداد. ودعي السفير الفرنسي للحضور ولكنه غادر قبل بداية المباراة احتجاجا على وجود فريق جبهة التحرير.

وقد استقبل الجمهور العراقي اللاعبين الجزائريين استقبال الأبطال كما يذكر اللاعب العراقي، في الخمسينات، إديسون إيشايا، ويقول "لعبنا في أحسن مستوياتنا ولكننا لم نستطع مع ذلك الصمود أمام اللاعبين الجزائريين الذين كانوا نجوما في الدوري الفرنسي الأول"، وانتهت المباراة بثلاثة أهداف مقابل صفر.

وبعد انتهاء حرب التحرير عام 1962 عاد كبار اللاعبين مثل بوشوك، وبن تيفور وزيتوني وبخلوفي وبوبكر إلى الجزائر لاعبين في النوادي الجزائرية أو مدربين فيها.

أما اللاعبون الأصغر سنا مثل أحمد وجاني وعبد الرحمن سوكان فالتحقوا بالفرق الفرنسية التي كانوا يلعبون فيها، بعدما رفع عنهم الاتحاد الفرنسي لكرة القدم الحظر.

وانضم مخلوفي إلى فريق سرفييت جنيف السويسري ومعوش إلى فريق مونتينني في سويسرا أيضا. ولكن مخلوفي عادة مرة أخرى إلى سانت إيتيان قائدا وفاز معه بالدوري الفرنسي للمرة الثانية عام 1964، وبلقبي الدوري والكأس عام 1968. وكان أهدى فريقه لقب الدوري الأول عام 1957.

واستفادت كرة القدم الجزائرية من هؤلاء اللاعبين بعد اعتزالهم اللعب. فكان رشيد مخلوفي في هيئة التدريب التي قادت المنتخب الجزائري إلى نهائيات كأس العالم 1982 في إسبانيا لأول مرة، وفازت حينها الجزائر على ألمانيا الغربية سابقا بهدفين لهدف واحد في مباراة لا تزال عالقة أذهان الجزائريين.

وفاز المنتخب الجزائري عام 1990 بكأس أمم أفريقيا لأول مرة أيضا بقيادة المدرب عبد الحميد كرمالي، الذي كان أيضا من لاعبي فريق جبهة التحرير بعد مشوار احترافي متميز في فريق ليون الفرنسي.