مدرسة الإسماعيلية في الدراسات السردية لا ترتمي في أحضان قشور الترجمات النقدية
يكشف د. عبدالحفيظ حسن في كتابه "في النقد التطبيقي .. مقاربات سردية في النثر العربي” عن اتجاه عدد من الكتاب العرب المعاصرين إلى ارتياد طرق جديدة في الكتابة الإبداعية تختلف عن الطرق المتعارف عليها في الأدب العربي التقليدي، حيث حاول هؤلاء الكتاب استخدام أدوات وموضوعات جديدة كانت خارج إطار اهتمام الروايات والقصص التقليدية، مثل استخدام الكرامة الصوفية والحلم، بوصف كل منهما تمثل بنية سردية رمزية وشفافة لرسم لوحات واقعية.
كما أن عددا من الكتاب العرب المعاصرين اتجهوا هذا الاتجاه الذي لم يكن معروفا في الأدب العربي إلا على نطاق ضيق من قبل، حيث استغتى هؤلاء الكتاب عن أهم مقومات الواقعية، وهي الزمان والمكان، وعلى سبيل المثال – يشير المؤلف – إلى أن الكتاب العرب اتجهوا إلى استخدام أدوات لم تكن معروفة من قبل كأدوات سردية، ومن هذه الأدوات الأرقام الرياضية التي استخدمت للتعبير عن مكنونات وجدانية، أو استخدام تقنيات الحاسوب في كسر سلطة الكاتب، وإتاحة الفرصة للقارئ في المشاركة في صناعة النص الأدبي، حيث تبلور هذا في اتجاه عام أطلق عليه التجريب في السرد .
واعتبر عبدالحفيظ حسن أن أنسب طريقة لدراسة هذه المحاولات من التجريب في السرد هي مقاربة النصوص التي تم إنجازها بالفعل، وهو ما دفع المؤلف عند وضع كتابه هذا إلى الاعتماد على الاتجاه الشمولي الذي يقوم على دراسة العناصر الفنية في النص الأدبي، ويجعل من الجوانب التاريخية أو النفسية مجرد وسائل يستعين بها على عمله النقدي، ولكن في نفس الوقت لم يعول على هذه الأدوات كل التعويل، معتبرا أن النص الأدبي لا يمكن أن يغني عن الذي تتم قراءة النص في إطار معطياته العامة مكانيا وزمانيا، وفي نفس الوقت فإن المؤلف يشير إلى ضرورة عدم إهمال بناء النص ولغته وقيمه الفنية وأساليبه، بحيث لا يتم إهمال الجوانب الفنية في النص، وفي نفس الوقت يتم أخذ عناصره الواقعية في الحسبان بموضوعية قدر المستطاع.
• الحلم والكرامة الصوفية
الكتاب تناول خمسة أعمال سردية، ثلاثة منها استخدم فيها مؤلفوها الحلم والكرامة الصوفية، وهي القصة القصيرة عند سليمان فياض، ورواية سيرة الشيخ نور الدين لأحمد شمس الدين الحجاجي، ورواية الغزالة لقاسم مسعد عليوة، كما تناول عملا واحدا اعتمد على الرواية الرقمية، وعملا آخر استخدم فيها المؤلف الأرقام ودلالاتها.
وقد اعتمد الكاتب في تحليله لهذه الأعمال على ما يطلق عليه اسم مدرسة الاسماعيلية في الدراسات السردية، حيث يعتبر الكاتب واحدا من مؤسسي هذه المدرسة، وتتميز بأنها لا ترتمي في أحضان قشور ترجمات الغرب النقدية التي يصفها الكتاب بأنها (غريبة وميكانيكية)، وفي نفس الوقت فإن هذه المدرسة لا ترمي بنفسها في حفريات التراث، بل إن هذه المدرسة تخط لنفسها طريقا يعيش في الحاضر، كما أن مدرسة الإسماعيلية لا تعزل النص الأدبي عن الواقع الذي تم إبداعه فيه، بل يتم قراءة النص في الواقع الذي يتم قراءته فيه، وهذه المدرسة لا تهمل بناء النص ولغته وقيمه الفنية وأساليبه.
كما أن مدرسة الإسماعيلية تعني بوصف الجديد في الظاهرة الأدبية من خلال العلامات الموجودة في النص، وفي الوقت نفسه لا تكتفي هذه المدرسة بالوصف المحايد، وتربط بين هذا الوصف وبين جودة العمل الأدبي أو رداءته، ذلك أن مدرسة الاسماعيلية لا تهمل الذوق ولا تتخلى عن الموضوعية، حيث تعتبر مدرسة الإسماعيلية أن تحليل النص يبرهن على سلامة الذوق أو انحيازه أو فساده، وفي نفس الوقت فإن هذه المدرسة لا تهمل مواقف الكاتب ولا تحكم عليه بالموت، مع الاهتمام في نفس الوقت ببناء النص.
• إضاءة الابداع
ويعتبر المؤلف أن النقد الأدبي يجب أن يضئ جوانب العمل الأدبي الذي يتناوله ويسعى لطرح تأويل مقنع له، وعليه أن يعي الأسس التي تنهض عليها قراءاته، حتى يكسب هذه القراءات قدرا من التماسك والإقناع، وهذا هو سر الاهتمام بالتعرف على مسار عملية التأويل وتطورها من ناحية، وعلى أصولها الفكرية والفلسفية من ناحية أخرى.
كما يؤكد على أهمية الاتجاه النفسي ضمن اتجاهات النقد الأدبي لدراسة الجانب النفسي في النص المفقود، وإبراز تأثر العمل الأدبي بنفسية الأديب، ومراحل العمل الفني حتي إيصاله من نفسية الأديب إلى نفسية القارئ، إلا أن المؤلف يشير أيضا إلى أن مواطن اهتمام الطبيب النفساني تختلف عن مواطن اهتمام النقاد، ولكن مع ذلك فإن الأدب ينبع من وراء الانفعال الباطني، على الرغم من أن كثيرا من النقاد يرون في استخدام أدوات النقد النفسي في تحليل الأدب هو بمثابة تطفل نفسي على السياق الأدبي.
ومن خلال صفحات الكتاب يتضح أن المشهد النقدي العربي المعاصر قد تحول إلى مزيج من تيارات واتجاهات نقدية يدين معظمها للمنتج الغربي، وإن كان هذا المشهد لا يخلو من حضور فاعل للبحث في التراث النقدي العربي، مع محاولة عدد من النقاد العرب للتأصيل لنقد عربي أصيل، وفي نفس الوقت فقد ظهرت محاولات من جانب بعض النقاد للتأسيس لمدرسة نقدية في إسلامية.
ولكن في نفس الوقت فإن مدارس النقد العربي الحديث تمتاز عن المدارس النقدية القديمة بأن المدارس النقدية الحديثة تتميز بسعة مجالها، كما تتميز هذه المدارس بتعدد قضاياها وتنوعها، ولذلك فإن المؤلف قد اعتبر أن المدارس النقدية الحديثة لا يمكن أن تستغني عن الاتجاه الفني في نقد النص، أو أن تدرس الأدب بمعزل عن قواعده وأسسه، ولذلك فإن المؤلف يؤكد على أنه إذا أغفل الناقد الاتجاه الفني فإن النقد يتحول على يديه إلى مجرد وثيقة اجتماعية أو نفسية، أو حتي مجرد عمل لغوي أو فكري يتناول جوانب من الأدب والمجتمع.
يذكر أن كتاب "في النقد التطبيقي .. مقاربات سردية في النثر العربي المعاصر" للدكتور عبدالحفيظ حسن، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في 160 صفحة من القطع الكبير .(خدمة وكالة الصحافة العربية)