اخبار العراق الان

الانسحاب الأمريكي من سوريا والدور العربي

الانسحاب الأمريكي من سوريا والدور العربي
الانسحاب الأمريكي من سوريا والدور العربي

2018-04-22 00:00:00 - المصدر: قناة الاتجاه


 مقالات

 

بقلم الكاتب / مصطفى السعيد

 

لن تحتمل القوات الأمريكية البقاء في شرق الفرات طويلا، وستخرج منها إما طوعا أو كرها، هذا ما يمكن قراءته بسهولة عند الاستماع إلى قادة وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» عقب الضربة الصاروخية الاستعراضية لسوريا، والتي أبلغت الولايات المتحدة مواقعها وتوقيتها لروسيا عبر طرف ثالث، لتخلى روسيا وسوريا هذه المواقع، وبررت القيادة العسكرية الأمريكية هذه الضربة التليفزيونية بأنها تخاف على مصير قواتها الموجودة في سوريا، وهو ما يعنى أن القوات الأمريكية في شرق الفرات لا تستطيع الدفاع عن نفسها في أي صدام جدى وواسع مع الجيش السوري وحلفائه، لهذا أعلن الرئيس الأمريكي ترامب أنه لم يكن راضيا عن الخيارات المقدمة من البنتاجون لتوجيه ضربة إلى سوريا، والمؤكد أن ترامب كان يريد ضربة أقوى بكثير، لكن موازين القوى على الأرض هي ما يحدد القرارات، وإذا تم تجاهلها لا تحقق أهدافها، بل تلحق الضرر والهزيمة، لهذا وصفت الولايات المتحدة الضربة الأمريكية بأنها مجرد «رسالة» لكن المفاجأة كانت في قوة الدفاعات الجوية السورية، التي أسقطت ثلثي الصواريخ الأمريكية والفرنسية والبريطانية، وهو ما أثار قلق إسرائيل البالغ، فجعلها تشن غارة صاروخية جديدة بعدها بأيام، للتأكد من مدى قوة الدفاع الجوي السوري، وكانت النتيجة إسقاط معظمها، وهو ما يعنى أن سوريا قد تسلمت منظومات جديدة أو جرى تطوير منظومتها بمساعدة روسية وإيرانية.

 

إن القوات الأمريكية في شرق الفرات تزيد قليلا على ألفى جندي وضابط، ويتولى جزء منها تدريب قوات سوريا الديمقراطية، المكونة من قوات الحماية الكردية ومجندين من العشائر العربية، وكانت الولايات المتحدة تطمح أن تتمكن هذه القوات من السيطرة على الحدود السورية العراقية، لكنها لم تستطع أن تتقدم بسرعة كافية، ولم تكن تعتمد على كفاءتها القتالية على الأرض بقدر اعتمادها على المظلة الجوية، وخشية القوات السورية وحلفائها من الصدام المباشر مع القوات الأمريكية، لكن هذه القوات لا تعانى فقط من قلة عددها، بل إنها تفتقر إلى خطوط إمداد سواء عن طريق البر أو البحر، وتأتى احتياجاتها جوا، لأن تركيا ترفض وجود هذه القوات الداعمة لخصومها الأكراد، كما أن قوات الحماية الكردية قد ظهرت بشكل متواضع أمام القوات التركية فى عفرين، وفرت من المدينة قبل وصول القوات التركية، وتركت عفرين، رغم أنها المدينة السورية الوحيدة ذات الأغلبية الكردية، ولهذا فإن لها رمزية كبيرة لدى الأكراد، فكيف سيكون أداء القوات الكردية في معركة أخرى ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، بل قد تجر عليهم الويلات والانتقام بعد أن تنسحب القوات الأمريكية؟. لهذا ظهر التردد الأمريكي من جدوى بقاء القوات فى شرق الفرات، والمفاضلة بين خسائر الانسحاب وخسائر البقاء، وهنا جاء العرض الأمريكي باستبدال القوات الأمريكية بقوات عربية، وأن تتحمل الدول العربية التكلفة كاملة من دماء وتمويل لتحقيق أهداف أمريكية بالأساس.

 

الخطة الأمريكية البديلة هي نقل قواتها من شرق الفرات إلى الحدود الأردنية السورية، وأن تسعى إلى بسط سيطرتها على جنوب سوريا، رغم أنها أقل مساحة وثراء من المنطقة الواقعة شرق الفرات، لكنها تتميز بوجود خطوط إمداد قصيرة وسالكة، وقريبة جدا من حدود كل من إسرائيل، وفى حالة السيطرة على درعا والقنيطرة إلإ أنها تكون قد أقامت جدارا عازلا بين سوريا وإسرائيل، وإذا لم تنجح فسيكون بيدها ورقة للضغط والتهديد، قد تمكنها من اشتراط انسحاب قوات الحرس الثوري وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي من سوريا، مقابل إنهاء الوجود الأمريكي، وقد تتمكن من رفع سقف مطالبها، وتحقق شيئا ما للمعارضة السورية التي بدت يائسة من نتائج الهجمة الصاروخية على سوريا. لكن اشتعال المعارك في هذه المنطقة يحمل مخاطر اتساع نطاق الحرب، لتمتد من لبنان إلى إسرائيل والأردن, بالإضافة إلى تأثيرها المباشر على الفلسطينيين فى الضفة الغربية والأردن، ويرتفع مؤشر المخاطر مع قرب إجراء انتخابات العراق فى 12 مايو، والمتوقع أن ترفع أسهم المقربين من إيران على حساب الولايات المتحدة، بعد القضاء على داعش والمتشددين السنة المتعاطفين معه، وفشل التمرد الكردي بعد استفتاء الانفصال، وتشتت الأكراد وانفراط عقد تحالفهم، وفى المقابل سيحقق الحشد الشعبي العراقي وجودا سياسيا مؤثرا في البرلمان الجديد، وظهرت إرهاصات هذا التحول في شن الطيران العراقي غارات جوية على قوات داعش داخل سوريا، بالتنسيق مع الجيش السوري، ليكسر رئيس الوزراء العبادي أحد أهم الخطوط الحمراء الأمريكية بعدم التدخل في سوريا، وهذا التطور الجديد سيكون له انعكاساته العسكرية والسياسية، ويزيد من مخاطر اتساع نطاق الحرب إذا ما أصرت الولايات المتحدة على الحل العسكري. ولهذا فمن مصلحة العرب العمل على وقف هذه الصراعات المسلحة التي كلفت شعوب المنطقة الكثير من الدماء والمال والدمار.