المجلس الوطني: إما أن يتحرر من نهج أوسلو أو يفقد شرعيته ـ
مع توجه القيادة إلى عقد المجلس الوطني في الموعد المُقرر 30 أبريل الجاري، ومقاطعة ليس فقط حركتي حماس والجهاد اللتين خارج المنظمة بل وأحزاب من منظمة التحرير نفسها وتحديدا الجبهة الشعبية الفصيل الثاني في المنظمة وكذلك شخصيات وطنية مستقلة عديدة، في ظل ذلك فإن الخشية إن لم تكن دورة المجلس القادمة بمستوى تطلعات الشعب وتمثل انقلابا على نهج أوسلو وإفرازاته فأن الشعب الفلسطيني سيشهد انقساما جديدا أكثر خطورة من الانقسامات القائمة ونقصد هنا الانقسام على مستوى تمثيل الشعب الفلسطيني.
بالرغم من كل محاولات حركة حماس منافسة المنظمة على تمثيل الشعب الفلسطيني إلا أنها فشلت في ذلك لتمسك دول العالم بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا وحيدا وبسبب برنامجها وتوجهاتها الدينية وارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، مما وضعها في حالة تعارض بل وتصادم مع المشروع الوطني الفلسطيني كما أنها لم تقدم فكرا وممارسة تجربة أفضل مما قدمته منظمة التحرير على مستوى ممارسة السلطة والحكم ومخرجاتهما، الأمر الذي جعل كل القوى السياسية الفلسطينية حذرة في التحالف مع حركة حماس أو الانسياق معها في محاولاتها لتمثيل الشعب الفلسطيني.
أزمة النظام السياسي من منظمة تحرير وسلطة وحركة فتح وأزمة التسوية السياسية وفشل كل جهود المصالحة، كل ذلك لم يعمق فقط الفجوة بين منظمة التحرير وحركة حماس بل وأوجد خلافات داخل منظمة التحرير نفسها وداخل حركة فتح مما أدى في السنوات الأخيرة لتقارب سياسي والتقاء مصالح بين حركة حماس والجهاد الإسلامي وجماعة من فتح – ما يسمى التيار الإصلاحي – والجبهة الشعبية وفصائل أخرى صغيرة وشخصيات وطنية ورجال أعمال في الشتات الخ، كلهم يعارض نهج السلطة وسياسة منظمة التحرير.
ما قَرَب بين هذه القوى هو تغيير حركة حماس لميثاقها في 2016 واستعمالها لمفردات وشعارات الخطاب الوطني والإعلان بأنها قطعت صلتها التنظيمية بحركة الإخوان المسلمين، كما أن حركة حماس التقت مع أغلب الفصائل الفلسطينية في غزة في استنكار الإجراءات المالية التي اتخذتها السلطة للضغط على حركة حماس لتسليم قطاع غزة للسلطة وبلوروا حالة غضب شعبي على السلطة معتبرين أن هذه الإجراءات عقابا لأهالي قطاع غزة وجزءا من حصار القطاع.
في ظل هكذا أجواء أصبحنا أمام حالة استقطاب جغرافي وسياسي يُنذر بتهديد حقيقي لمنظمة التحرير كممثل وعنوان وحيد للشعب الفلسطيني.حتى لا تكون دورة المجلس الوطني نهاية الشهر وأدا لجهود التوصل لمجلس وطني توحيدي يُعيد بناء وتطوير المنظمة على أسس جديدة، وحتى لا تكون الدورة دورة تكريس الانقسام وامتداده لمنظمة التحرير ذاتها فإن المأمول أن تستنهض منظمة التحرير نفسها وتصلب مواقفها حتى تقطع الطريق على المخططات الأميركية والإسرائيلية الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وحتى تطمئِن القوى الفلسطينية الغائبة عن المجلس الوطني بأن عقد دورة المجلس ستجسر الفجوة بينها وبين المنظمة.
دورة المجلس الوطني القادمة تعتبر أخطر دورات المجلس والمحك العملي للحكم عليه ستتبدى من خلال مخرجاته، وفي هذا السياق فإن الشعب ينتظر من المجلس الوطني ما يلي:
1- أن تكون مخرجات المجلس الوطني على مستوى برنامجه السياسي في مستوى خطورة المرحلة ويؤسس على حقيقة فشل مرتكزات التسوية السياسية التي عنوانها اتفاق أوسلو وما لحقه من اتفاقات، وأن يتضمن مراجعة استراتيجية تؤسس لمرحلة وطنية جديدة متحررة من التزامات اتفاقية أوسلو.
2- فك الارتباط مع الاحتلال من خلال إعادة النظر بالاعتراف بإسرائيل، وقف التنسيق الأمني، وإعادة النظر ببروتوكول باريس الاقتصادي.
3- حيث إن التسوية السياسية التي اعتمدت مرجعية لها مؤتمري مدريد وأوسلو وصلت لطريق مسدود، فعلى المجلس الوطني التأكيد على مقررات المجلس الوطني في الجزائر 1988 – بيان إعلان الاستقلال - كاملا من حيث اعتماده كل قرارات الشرعية الدولية وليس فقط قراري مجلس الامن 242 و338 كما ورد في اتفاقية أوسلو.
4- من الجيد تغيير ثلثي أعضاء اللجنة التنفيذية كما ذكر الدكتور محمد اشتيه ولكن المهم أن يكون القادمون الجُدد من المدرسة الوطنية ومن المؤمنين بالمشروع الوطني وليس من إفرازات أوسلو وممن وصلوا لمواقع رفيعة في السلطة بالصدفة أو بطرق انتهازية والذين لعبوا دورا في تأجيج الفتنة وتعميق الانقسام وتسخيف نهج المقاومة حتى السلمية.
5- النظر لقطاع غزة ليس كإقليم متمرد بل كمكون أصيل من الشعب الفلسطيني ومربط الرهان وقاعدة منطلق لاستنهاض الحالة الوطنية برمتها وعدم تحميل أهله مسؤولية سيطرة حركة حماس عليه، الأمر الذي يتطلب أن تكون غزة ممثلة في المجلس الوطني والمؤسسات القيادية للمنظمة بما يتناسب مع تاريخه ودوره النضالي وبما يمثل تركيبته السكانية حيث ثلاثة أرباع سكانه من اللاجئين.
6- التأكيد بأن هذه الدورة للمجلس الوطني لا تعني التراجع عما ورد في اتفاقات المصالحة من ضرورة عقد مجلس وطني توحيدي يجمع الكل الفلسطيني، وبالتالي على المجلس تحديد موعد لاجتماع اللجنة المكلفة بإعادة بناء واستنهاض المنظمة والتي سبق وأن اجتمعت في بيروت.
7- التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بكل أشكال المقاومة، وعدم الخلط ما بين الحق بالمقاومة وهو حق يستمد شرعيته من كل الشرائع الدولية والوطنية والدينية من جانب، والممارسة الخاطئة لهذا الحق في بعض مراحل العمل الوطني ومن بعض الأحزاب من جانب آخر.
8- على المجلس الوطني وقيادة المنظمة الجديدة التأكيد بأن منظمة التحرير تمثل كل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات وبغض النظر عن الانتماءات السياسية والأيديولوجية، وبالتالي فإن المنظمة مسئولة مسؤولية مادية ومعنوية وأخلاقية عن كل فلسطيني داخل فلسطين وخارجها.
9- عدم الاقتصار على اتخاذ قرارات قد يكون مصيرها مصير قرارات المجلس المركزي واللجنة التنفيذية السابقين بل اتخاذ خطوات عملية ملزمة تؤكد وجود تغيير في نهج وسياسة منظمة التحرير.
10- حيث إن المجلس الوطني مرجعية السلطة وسلطنها التشريعية الأولى نتمنى دراسة ما سبق وأن طرحناه من اعتبار فلسطين دولة اتحادية، الأمر الذي يتيح مخرجا للانقسام ويقطع الطريق على محاولات دولنة غزة. فلسطين دولة اتحادية يسمح بوجود حكومة محلية منتخبة في غزة مرجعيتها منظمة التحرير والسلطة ورئيسهما والحكومة المركزية في رام الله،وتكون جزءا من دولة فلسطين القادمة.
وأخيرا فإن المجلس الوطني في دورته القادمة بعد أيام إن لم يُعلن بالنص الصريح والممارسة الفعلية التحرر من اتفاقية اوسلو وتوابعها واتخاذ خطوات جادة لاستيعاب القوى السياسية التي قاطعت المجلس، فإنه سيفقد شرعيته الوطنية مما سيفتح المجال لائتلاف قوى بدأ بالتَشَكل لينافس منظمة التحرير على تمثيل الشعب الفلسطيني.
د. إبراهيم أبراش
أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر غزة
Ibrahemibrach1@gmail.com