روسيا وإيران في جبهة واحدة ضد تعديل الاتفاق النووي
موسكو/أنقرة – أعلنت روسيا الخميس أنه لا مجال لإدخال أي تعديلات على الاتفاق النووي الإيراني في موقف يتطابق مع اعلان طهران رفضها القاطع لتعديل الاتفاق الذي عاد إلى الواجهة مع تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب مهامه في يناير/كانون الثاني ومع بروز موقف أوروبي تقوده فرنسا يقترب من الطرح الأميركي.
وقالت ماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية إن بلادها لا ترى أي مجال لإدخال تعديلات على الاتفاق النووي مع إيران، مضيفة أن موسكو تشعر بالقلق الشديد من تصريحات رئيسي فرنسا والولايات المتحدة بشأن الاتفاق.
وفي السياق ذاته قال علي أكبر ولايتي مستشار الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي الخميس، إن إيران لن تقبل أي تغيير في الاتفاق النووي المبرم مع القوى العالمية الست فيما تعد دول غربية وقعت على الاتفاق حزمة مقترحات تهدف إلى إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعدم التخلي عنه.
ونقلت وكالة فارس للأنباء عن ولايتي قوله "أي تغيير أو تعديل على الاتفاق الراهن لن تقبله إيران. إذا خرج ترامب من الاتفاق فإن طهران قطعا ستنسحب منه... إيران لن تقبل اتفاقا نوويا لا يجلب لنا منافع".
ومع اقتراب مهلة نهائية تحل يوم 12 مايو/أيار بشأن إعادة فرض عقوبات اقتصادية أميركية على إيران، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثلاثاء إنه ناقش "اتفاقا جديدا" مع ترامب ستعالج فيه الولايات المتحدة وأوروبا مخاوف قائمة بشأن إيران بخلاف برنامجها النووي.
ونفى ولايتي إمكانية أن تحد إيران من نفوذها في الشرق الأوسط نزولا على رغبة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. وقال "هذه منطقتنا. نحن في منطقتنا وهذا أمر مشروع".
ومن أجل تخطي الخلافات حول ايران، عرض الرئيس الفرنسي على نظيره الأميركي "اتفاقا جديدا" يتجاوز المسائل النووية حصرا، لكن فرص نجاحه لا تزال غير معروفة ويبدو أن هذا الرهان يتجه لكسب الوقت والتحضير للمستقبل في حال الانسحاب الأميركي من الاتفاق.
ما هي الخلافات؟
ووقعت الولايات المتحدة وفرنسا عام 2015 إلى جانب الصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا الاتفاق مع إيران الهادف إلى منع طهران من امتلاك السلاح الذري.
لكن الرئيس دونالد ترامب توعد "بتمزيق" الاتفاق، معتبرا أنه لا يؤدي سوى إلى ارجاء استحقاق امتلاك إيران السلاح النووي لبضعة أعوام.
وأمهل الموقعين الأوروبيين حتى 12 مايو/ايار لكي يتوصلوا مع واشنطن إلى حلول "لتشديده"، لكن بدون ادخال إيران في تلك العملية. وإلا فإنه سيعيد فرض العقوبات الأميركية ما يعني عمليا انتهاء الاتفاق النووي الإيراني.
ويتفاوض الاوروبيون على حلول مع الولايات المتحدة بهدف انقاذ الاتفاق.
ماذا عرض ماكرون؟
ومع العرض الذي قدمه الثلاثاء للعمل على "اتفاق جديد يكون أكثر شمولية"، يكون الرئيس الفرنسي "عرض بذكاء المشكلة نفسها، لكن بطريقة مختلفة" كما قال بهنام بن تالبلو من معهد الدفاع عن الديمقراطيات التي كانت من أشد منتقدي اتفاق 2015.
وهذه المفاوضات الجديدة يفترض أن تتناول المخاوف التي عبر عنها ترامب، لكن مع الحفاظ على الاتفاق الأصلي الذي سيصبح أولى "الركائز الأربع" للنص المستقبلي. والركائز الأخرى تتعلق بمرحلة ما بعد العام 2025 حين تنتهي مدة بعض البنود، لكن أيضا الصواريخ البالستية المثيرة للجدل ودور إيران الذي يعتبر "مزعزعا لاستقرار" في المنطقة.
وأبرز عنصر جديد في الاقتراح، أن الأمر لن يعود يتعلق بمواضيع متفرقة تبحث بين الغربيين وإنما بمفاوضات فعلية تشمل إيران والقوى الكبرى.
وقال بهنام بن تالبلو "من الضروري التفاوض مع إيران، وإلا فستواجهون مشكلة في لحظة ما لأن الهدف النهائي هو تغيير الموقف الإيراني".
ماذا سيفعل ترامب في 12 مايو؟
ولا أحد يعلم فعليا ما هي نوايا الرئيس الأميركي، لكن نظيره الفرنسي لم يخف الأربعاء تشاؤمه، مشيرا إلى مخاطر الخروج من الاتفاق الموقع عام 2015 وخصوصا "لأسباب سياسية داخلية".
ورأى لويجي سكازييري الخبير في شؤون الشرق الأوسط في مركز الاصلاح الأوروبي أن "ماكرون وترامب لم يتفقا على شيء"، مشيرا إلى أن الرئيس الأميركي لم يعد نظيره الفرنسي بشيء علنا.
وأضاف "لكن ترامب يبدو منفتحا نسبيا على فكرة ماكرون الابقاء على الاتفاق الحالي مع توسيعه في الوقت نفسه".
وفي مطلق الأحوال يبدو أن الاقتراح الفرنسي أعطى أملا لمؤيدي الاتفاق النووي.
وأشادت مجموعة "ديبلوماسي وركس" التي أسسها وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري للدفاع عن هذا الاتفاق الذي كان "أحد مهندسيه"، بمبادرة "حكيمة"، قائلا إنها تعزز "احتمال بقاء الولايات المتحدة في الاتفاق النووي الإيراني مع الاستناد إلى نجاحاته لإبرام اتفاقات أخرى تشمل بقية أنشطة إيران".
من جهته قال الدبلوماسي الأميركي كريستوفر فورد المكلف بشؤون حظر انتشار الأسلحة الأربعاء في جنيف "آمل في أن يكون الاتفاق الايراني انقذ في اطار التحديات التي يطرحها الرئيس ترامب"، لكن كبير مفاوضي الولايات المتحدة بريان هوك بدا أكثر حذرا.
وقال للإذاعة العامة الأميركية "من المبكر جدا القول ما إذا كنا سنتمكن من التوصل إلى اتفاق مع الأوروبيين، لا تزال هناك خلافات".
ما هي فرص النجاح؟
وتبقى الضرورة الملحة الآن هي التوصل إلى اتفاق بين الأوروبيين والأميركيين. ومن أجل هذا الأمر يجب أن تتفق دول الاتحاد الأوروبي في ما بينها أولا.
وقال لويجي سكازييري "انها الحال بالنسبة للندن وبرلين وباريس" فيما تزور المستشارة الالمانية انغيلا ميركل واشنطن الجمعة أيضا.
وأضاف "ايطاليا أقل حماسة" لفكرة فرض عقوبات جديدة تشمل برنامج الصواريخ الايرانية "لكن يمكن تجاوز عقبة معارضتها".
وبعد ذلك سيكون كل شيء رهنا بقرار ترامب في 12 مايو/ايار، لكن حتى في حال اعادة فرض العقوبات فإن الاطار الجديد الذي اقترحه ماكرون "يتجنب" بحسب قوله "السقوط في المجهول في حال كان القرار الأميركي مشددا". وباتت واشنطن تلمح الآن إلى أن الدبلوماسية ستواصل طريقها.
وقال بهنام بن تالبلو "12 مايو لن يشكل النهاية"، مضيفا "لا يزال بإمكان ترامب اختيار اعادة فرض العقوبات بدون تطبيقها فورا أو ايجاد سبل قانونية أخرى لتحسين أثرها".
لكن اقناع روسيا والصين وإلى حد كبير إيران بالتفاوض على "اتفاق جديد" يبدو في هذه المرحلة مهمة مستحيلة.
وترى الباحثة الفرنسية سيليا بيلين من معهد بروكينغز للأبحاث في واشنطن أن "اقتراح ماكرون طموح إلى حد يبدو من غير الممكن تطبيقه على الاطلاق".
وأضافت على تويتر "من الصعب تصور كيف يمكن أن ينجح هذا الرهان شديد الطموح".
وخلص لويجي سكازييري إلى القول "إنه جهد طويل الأمد، بالتالي في الوقت الراهن يتعلق الأمر خصوصا بكسب الوقت".