قصر الأمير محمد علي .. تحفة معمارية وجامعة للفنون الإسلامية
على شاطئ النيل، وعلى مشارف جزيرة الروضة تقع تحفة معمارية إسلامية، تعكس صورة حية لما كانت عليه حياة أمراء الأسرة الملكية المصرية السابقة؛ وهو قصر الأمير محمد علي المعروف بمتحف قصر "محمد علي" ليسجل حقبة مهمة من تاريخ مصر الحديث؛ حيث تظهر في عمارته فن العمارة الإسلامية الفاطمية المملوكية والروح الفارسية والسورية والمغربية، وتشيع فيه الزخارف المعمارية جامعة لعناصر الفنون الإسلامية.
والأمير محمد علي توفيق بن الخديوي توفيق، وعمه عباس حلمي الثاني والذي ولد بالقاهرة عام 1875 وتوفي خارج مصر عام 1954، وكان وصيًا على العرش في الفترة ما بين وفاة عمه الملك فؤاد الأول وجلوس ابن عمه الملك فاروق الأول على عرش مصر بعد بلوغه السن القانونية في عام 1936، ثم صار وليًا للعهد إلى أن أنجب الملك فؤاد ابنه الأمير فاروق، وقد اشتهر محمد علي بتدينه وحبه للفنون الرفيعة خاصة الإسلامية منها، وكان شغوفًا بجولاته حول العالم كما كان من أشهر هواة تربية الخيول في مصر، وكان أيضًا شغوفًا بجمع التحف الثمينة.
وتعرض في حياته لحادثة إذ وقع من فوق حصانه فحرم من نعمة الإنجاب لذا ركز كل جهوده على قصره، كي يحمل اسمه وأوصى أن يتحول بعد وفاته إلى متحف للزائرين المصريين والأجانب، وأن تعين الدولة ناظرًا له يهتم به وأوقف له أراضي وأطيانًا زراعية للصرف عليه والوفاء بمتطلباته والاهتمام به.
• يد الإهمال
بعد ثورة يوليو 1952 اقتحمت مصلحة السياحة جزءًا من حرمته، وهي الحديقة التي تعتبر متحفًا للنباتات، كما اعتدت على جزء من متحف القصر وبنت فيه شاليهات فندقية على حساب المزروعات، وقيل وقتها إنه حدثت مذبحة لنباتات القصر، وهذه الشاليهات سميت بشاليهات "عمر الخيام"، ثم قامت السياحة بتأجير الشاليهات لشركة فرنسية ، وحين آلت المتاحف التاريخية لمصلحة الآثار في الستينيات ترك وضع الفندق كما هو عليه وبالتالي استولى الفندق على القاعة الذهبية وسراي استقبال الزوار، وبجهود الآثار تركوا قصر الاستقبال في عام 1969 للمتحف، كما تركوا القاعة الذهبية عام 1979 للآثار.
وفيما انتهى عقد الشركة الفرنسية، نشطت الآثار لضم الحديقة الكبيرة بعد أن أعلن في الصحف أن شركة فرنسية ستبني مكان الشاليهات فندقًا، ولكن الرأي العام المصري انتصر للقصر التاريخي الذي يختلف عن قصور نظرائه من أمراء وأفراد الأسرة العلوية.
• مواصفات القصر
تبلغ مساحة القصر 61711 مترًا مربعًا ومساحة السرايات البنايات خمسة آلاف متر مربع، أما الحديقة فبلغ مساحتها 34 ألف متر مربع ومساحة الطرق والمنشآت الخاصة بالحديقة 22711 مترًا مربعًا، ويتكون القصر من: سراي الإقامة وهي السراي الرئيسية وأول المباني التي أقيمت داخل القصر عام 1901 وهي تتكون من طابقين الأرضي فيه قاعات الاستقبال الخاص وحجرة الطعام ومكتب الأمير ومكتبته، وتقع حجرات النوم في الدور العلوي وملحق به حجرة خاصة للتحف الثمينة والمجوهرات وملحق بالسراي برج يشرف من أعلى على كل القصر والحديقة والنيل والأهرامات والمقطم وجزء من القاهرة.
أما سراي الاستقبال وتقع فوق المدخل الرئيسي للقصر وهي تتكون أيضا من طابقين .. الأرضي وبه قاعتان واحدة للتشريفات والأخرى لاستقبال الشخصيات المهمة التي كانت تأتي لصلاة الجمعة مع الأمير في مسجده، أما الطابق العلوي فيتكون من قاعتين كبيرتين إحداهما على الطراز المغربي والأخرى على الطراز الشامي.
وقد شيد الأمير محمد علي برج الساعة على طراز أبراج المغرب الأقصى ووضع في أعلاه ساعة من نفس طراز الساعة التي وضعها عباس حلمي في متحف مصر الموجودة حتي الآن في ميدان باب الحديد بالقاهرة.
ويعتبر المسجد آية من الفن الإسلامي رغم صغر مساحته، ويعتبر كنزًا من كنوز الخط العربي بكل أنواعه وأشكاله، ولأن الأمير محمد علي لم يعترف بجلوس عمه السلطان حسين كامل وعمه الملك فؤاد وابن عمه الملك فاروق على عرش مصر واعتبره اغتصابًا بعد إقصاء أخيه عباس حلمي وإحياءً لهذه الذكرى فقد شيد سراي للعرش خاصة به على نفس الخط والطراز الذي شيده جده محمد علي الكبير بقصر الجوهرة في قلعة صلاح الدين، وزين القاعة بصور الذين حكموا مصر من أسرته ولم يضع صورًا لمن جاء بعد أخيه، وفوق قاعة العرش هذه يوجد طابق ثان عبارة عن قاعات جلوس شرقية وشتوية تطل على فرع النيل.
كما أنشأ الأمير متحفًا خاصًا به وجمع فيه كل تحفه ومقتنياته الثمينة ويمتلئ بأنواع نادرة من السجاد والمنسوجات والمخطوطات، وأعداد نادرة ومتنوعة من المصحف الشريف ولوحات زيتية وتحف كريستال وفضة وذهب بجانب التحف الزجاجية والعاج والخشب المشغول والمطعم وغيرها.
ونأتي إلى القاعة الذهبية وهي تحفة قائمة بذاتها في سقفها وجدرانها وأعمدتها المحلاة بالزخارف البديعة المذهبة، بالإضافة إلى الآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى وبردة البوصيري في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم التي تزين الأسقف والجدران، وكانت تبرز أبهتها في الاحتفالات الرسمية التي كان يقيمها الأمير.
يضاف إلى ذلك متحف الصعيد وقد بني بعد تاريخ بناء السراي ملاصقًا للسور الشمالي للقصر، وهو متحف حقيقي معروض فيه الحيوانات والطيور والزواحف المحنطة، وكلها مجموعات خاصة بالملك فاروق جلبت من استراحته بأنشاص، وكانت خاصة بالأمير يوسف كمال، ويتميز هذا المتحف بمجموعة من الفراشات والحشرات النادرة.
• النص التأسيسي
وذكر الأمير في النص التأسيسي الخاص بالقصر أنه شيده لإحياء الفنون الإسلامية والذي نقشه على الباب الشمالي المجاور لفرع النيل ومازال منقوشًا حتى الآن، ونصه كالآتي "أنشأ هذا القصر الأمير محمد علي باشا نجل المغفور له محمد توفيق إحياء للفنون الإسلامية وإجلالًا لها ابتكر هندسة البناء وزخرفته سمو الأمير وقام بالتنفيذ المعلم محمد عفيفي في سنة 1348 هجرية".
والقصر يحيطه سور على نمط أسوار الحصون في القرون الوسطى وهو مبني من الحجر الجيري، أما مدخل القصر فتشبه واجهته واجهات مداخل المساجد والمدارس الإيرانية في القرن الرابع عشر. (خدمة وكالة الصحافة العربية).