مقبرة اليهود شاهدة على طائفة على وشك الانقراض في بغداد
بغداد - خلف أسوار أسمنتية عالية حول مقبرة الطائفة اليهودية في بغداد ترقد فيوليت شاؤول طويق تحت شاهد قبر تبدو عليه آثار العوامل الجوية والشروخ ليمثل واحدا من آخر تذكارات طائفة قديمة أوشكت على الانقراض.
ودُفنت فيوليت الممرضة العراقية قبل عشر سنوات إلى جانب آلاف آخرين في رمال العراق الذي ازدهرت فيه طائفتها لأكثر من 2500 عام.
ومما لا شك فيه أن انتقال تلك الطائفة المتعلمة والنشطة والمبدعة أثرت على إسرائيل التي تحتفل حاليا بالذكرى السنوية السبعين لتأسيسها.
لكن هذا جرد العراق أيضا من أقلية كان لها مساهمتها على مر السنين في هويته السياسية والاقتصادية والثقافية.
ففي عام 1947 وقبل عام واحد من قيام إسرائيل بلغ عدد أفراد الطائفة اليهودية في العراق نحو 150 ألفا. أما الآن فعددهم يقل عن العشرة.
ويقول زياد البياتي، العراقي المسلم راعي مقبرة اليهود، والتي نادرا ما يزورها أحد في مدينة الصدر بشرق بغداد إن والده اعتاد أن يتحدث عن ذكرياته عن الأيام التي كانت تتعايش فيها طوائف عرقية مختلفة.
وأوضح البياتي أن تلك الفترة سبقت الاضطرابات التي صاحبت قيام إسرائيل والحروب التي نشبت في السنوات التالية وكذلك الغزو الذي أطاح في 2003 بصدام حسين وأطلق العنان لسنوات من الصراع الطائفي.
وقال زياد البياتي (48 عاما)، الذي تتولى أُسرته مسؤولية حراسة المقبرة منذ عام 1980، "كانوا (اليهود) يجون (يأتون) يديروها. كان بها فلاح ييجي، أكو تنظيف، أكو عمال مال تنظيف تأتي تنظف بها لحد 2003، لحد ما يسقط النظام. ولما سقط النظام لا، انهملت، انهملت ظلت هاي القبور، تشوف هذا حالها قدامك. وظليت أني محافظ عليها من ذاك اليوم. محافظ عليها والمقبرة مهمولة، لا فلاح يجيني، لا واحد ييجي ينظفها، لا أقدر أني أسيطر عليها، مقبرة كبيرة، وحدي ما أسيطر. وقاعد أنا وعائلتي فيها ها القدر قدرنا نحافظ عليها من ذاك اليوم كأمان. بس كنظافة وكهم مدفونين شخصيات بها. مقبرة هاي أثرية، لازم ينراد لها إدامة، زين صيانة، أنا ما أقدر أسوي صيانة أني".
ويرجع تاريخ اليهود في العراق إلى نحو 4000 عام وإلى أيام الملك نبوخذنصر الذي حكم بابل ونفى اليهود منذ أكثر من 2500 عام.
وترقد في مقبرة بغداد شخصيات رئيسية منها ساسون أفندي حسقيل أول وزير مالية للعراق.
وتسبب قيام دولة إسرائيل في 1948 وما ألحقته من هزائم متعاقبة بالجيوش العربية في موجات أخرى من الغضب الشعبي والعنف الذي استهدف اليهود، وهذا فصل من التاريخ مكتوب في شواهد هذه المقبرة حيث يرقد فيها جنبا إلى جنب خمسة من يهود العراق اتهموا بالتجسس لصالح إسرائيل.
وفيما بين العامين 1950 و1952 نُقل حوالي 125 ألف يهودي عراقي جوا إلى إسرائيل. جاء كل منهم بحقيبة واحدة واضطروا جميعا للتخلي عن الجنسية العراقية.
وقال حارس مقبرة اليهود في بغداد زياد البياتي "سنة 1947-1948 صار التهجير لحد 1953 صار التهجير مال اليهود. من صار التهجير كان وزير المالية السابق يهودي من الطائفة الموسوية، يمكن اسمه ساسون، القبر مالته موجود هناك عندي، بس مو هنا اندفن، لا، المقبرة مالتهم كانت بالنهضة، حولوه من النهضة جاء هنا. القبر وحده مميز لأنه كان شخصية، بس هو الوحيد في ذاك الوقت القبر مالته شوية يختلف عن باقي القبور".
وأضاف "عندنا بالعراق الآن باقين، شيء قليل باقين، ظلوا يراجعون مقبرتهم كل أعياد، مناسبات مالتهم يجون، يمكن بالسنة نوبة، نوبتين، يقيمون الصلاة مالتهم، اللي هو التوراة، يقيمون الصلاة ويطلعون، يجون غبشة الصبح إذا كانت مناسبة، أيام أعياد هم عيدهم، عندهم بالسنة عيدين، ييجوا على موتاهم، يقيمون الصلاة عليهم بالتوراة ويطلعون يعني هم".
وأردف البياتي "المقبرة بها أربعة آلاف قبر بها، أربعة آلاف قبر شلون أحافظ عليها بأي طريقة أني وحدي. ولا أشوف دعم من عندهم حتى أني أقدر بنفس الوقت أساعدهم ويساعدوني وأنت تشوف الحالة قدامك تصورها وتشوفها. وشوف القبور كلها تهدمت، صح سويت صيانة أي. يمكن 2002، 2003 سوينا صيانة بس رجعت تفلشت نوبة أخرى لأن القاع مالحة والأسمنت مالها كله وقع وانعافت (هُجرت) من ذاك اليوم لهذا اليوم انعافت".
ولا يزال بعض الإسرائيليين المنحدرين من أصل عراقي يكنون بعض المشاعر الإيجابية للعراق. فقد قام إدوين شكر الذي ولد في العراق بعدة زيارات لمقبرة بغداد في السنوات الأخيرة وفي بعض الأحيان نقل أفرادا يريدون الصلاة على الموتى عند القبور.
ويقول إن العراقيين يرحبون به عندما يزور العراق ويصادف حنينا لتلك الأيام عندما كان العراق يضم "لوحة فسيفساء" من الأقليات.