عملية شراء أصوات الناخبين تهدد نزاهة الانتخابات في العراق
بغداد ـ ترتفع أسعار بطاقات الناخب الالكترونية تدريجيا في "بورصة" شراء الأصوات في العراق كلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 أيار/مايو المقبل، بحسب عضو في مجلس المفوضين بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات.
ورغم التطمينات التي تبعث بها مفوضية الانتخابات (مستقلة مرتبطة بالبرلمان) ومفادها بأن إمكانية تزوير الانتخابات تكاد تكون مستحيلة، إلا أن كثرة الحديث المتداول في الوقت الحالي عن شراء البطاقات الإلكترونية للناخبين باتت تخيم على مدى نزاهة الانتخابات.
وفي نهاية آذار/مارس المنصرم، وقبل بدء الحملة الدعائية للانتخابات في العاشر من الشهر الجاري، توعدت مفوضية الانتخابات بملاحقة من يثبت تورطه في بيع وشراء بطاقة الناخب الإلكترونية.
وقالت المفوضية حينها إنها ستسحب المصادقة من أي مرشح أو حزب أو تحالف سياسي يثبت رسميا وبالأدلة القاطعة حصوله على بطاقات الناخبين بطريقة غير شرعية وملتوية وسيتم إحالته فضلا عن الناخبين الذين يثبت تورطهم ببيع البطاقة إلى القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
وأشارت إلى أنها ستسلم أي شخص يثبت حمله بطاقة الكترونية غير بطاقته الانتخابية الخاصة به في يوم الاقتراع إلى الجهات الأمنية لإحالته إلى القضاء لغرض اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه.
إلا أن تحذيرات وتهديدات المفوضية لم تجد على ما يبدو صدى لدى الجميع، حيث تنشط أسواق سوداء لشراء وبيع البطاقات وخاصة في مخيمات النازحين حيث يشكو سكانها من العوز.
ويقول عضو مجلس المفوضين في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فاضل الغراوي إن سعر بطاقة الناخب الإلكترونية في تزايد مع اقتراب موعد الانتخابات.
ويضيف أن "سعر البطاقة تتراوح (في تلك الأسواق) بين 200 و800 دولار، والمبلغ الأخير لا يسلم كاملا بل يذهب جزء منه إلى أمور لوجستية تتعلق بوعود متمثلة بعملية نقل النازحين إلى مناطقهم".
ويؤكد الغراوي أن "أغلب المخيمات شهدت هذه المساومات، وعرض بيع الأصوات وتحديدا في مخيمات صلاح الدين والسليمانية ونينوى (شمال) والأنبار (غرب)". وتسببت الحرب الطاحنة ضد تنظيم داعش الإرهابي على مدى ثلاث سنوات (2014-2017) في تشريد ما يصل إلى 5.7 مليون عراقي، لا يزال نحو نصفهم يقطنون في مخيمات تفتقر عادة إلى مقومات الحياة الأساسية.
وحذر الغراوي "من التلاعب بإرادة الناخبين واستغلال ظروفهم الاستثنائية أو المعيشية"، مشيرا إلى أن "المفوضية وثقت هذه العمليات، وكل جهة أو شخص تم إدانته سيتم إرسال التوثيق الخاص به وإحالة ملفه إلى محكمة حقوق الإنسان المختصة في العراق".
إلا أن الغراوي استدرك بالقول إن "هناك وعيا كبيرا لدى المواطنين والنازحين، ومن خلال مقابلاتنا معهم اكتشفنا أنه رغم حاجتهم المادية الفائقة إلا أن كثيرا من الإغراءات قابلوها بالرفض".
مخاوف من انحراف العملية الديمقراطية
ويذهب رئيس منظمة عين لمراقبة الانتخابات (محلية) مهند نعيم إلى أن "مثل هذه الظاهرة (بيع وشراء البطاقات)، وإن لم تحدد نسبيا حتى الآن بسبب عدم وجود إحصاءات دقيقة لعدد البطاقات الانتخابية المباعة، قد تشكل تأثيرا أو انحرافا بشكل ما في العملية الديمقراطية برمتها في البلاد".
ويضيف نعيم أن "الأحزاب تتجه إلى الفئات الفقيرة التي تكون هي المستهدفة بالعادة بعملية شراء الأصوات، وهذه السياسة متردية لأن تجويع الناس وشراء ذممهم يعد أمرا كارثيا ومعرقلا للديمقراطية إضافة إلى أن إرادة الناخب ستكون مزيفة وبالتالي البناء الديمقراطي سينحرف".
والانتخابات البرلمانية العراقية 2018 هي أول انتخابات تجري بعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي نهاية العام الماضي، وثاني انتخابات عراقية منذ الانسحاب الأميركي من العراق عام 2011.
كما أنها رابع انتخابات منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، والتي ستجري في 12 مايو/أيار المقبل لانتخاب 328 عضواً في مجلس النواب (البرلمان) الذي بدوره ينتخب رئيسي الوزراء والجمهورية.
ويتنافس في الانتخابات 320 حزبا سياسيا وائتلافا وقائمة انتخابية موزعة على النحو التالي: 88 قائمة انتخابية و205 كيانات سياسية و27 تحالفًا انتخابياً، وذلك من خلال 7367 مرشحا، وهو أقل من مرشحي انتخابات عام 2014 الماضية الذين تجاوز عددهم 9 آلاف.
ويحق لـ24 مليون عراقي الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات من أصل 37 مليون نسمة. ويختلف إلى حد ما الناشط الحقوقي كامل أمين عضو المجلس العراقي للسلم والتضامن (منظمة مدنية محلية) عما سبقه من آراء وبدا متفائلا بما يملك من مؤشرات.
ويقول أمين "من خلال متابعتنا نلاحظ أن عملية البيع ليست بسيطة وهينة بل هناك صعوبة في اتمامها وصعوبة حتى في استخدام البطاقة الالكترونية دون موافقة الناخب". ويضيف أن "حدوث بعض عمليات بيع الأصوات هو نسبي ولن يغير من المعادلة أو الخارطة السياسية بشيء والتي نعتقد أنها مبنية على خيار المواطن في هذه الانتخابات تحديدا".
ويختم حديثه بالقول "لا خيار أمام العراق إلا الاستمرار في النهج الديمقراطي وآلياته. نعم هناك تحديات لكن نلاحظ أن هذه الانتخابات هي الأكثر اطمئنانا".
وبعكس البطاقات الإلكترونية التي استخدمت للمرة الأولى في انتخابات 2014، ولم تكن تحوي صورة شخصية أو بصمة للناخب، فإن البطاقات الإلكترونية الحالية تتضمن بصمة العين والأصابع وصورة شخصية للناخب ومرتبطة بقاعدة بيانات، في مسعى لإضفاء المزيد من الشفافية على عملية الاقتراع، ما يجعل من عملية التزوير أمرا صعبا لا يحدث إلا إذا توافرت نية التزوير لدى طرفين؛ الناخب من جهة والقائمين على العملية الانتخابية، بحسب مراقبين.
ووفق أرقام أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات (مؤسسة تعني بتنظيم الانتخابات) في التاسع من أبريل/ نيسان الجاري، فإنها اختارت من خلال القرعة 245 ألفا و392 موظف اقتراع للإشراف على الانتخابات من أصل أكثر من 445 ألفا تقدموا لشغل تلك الوظائف.