قانون عقاري جديد يسلب ممتلكات النازحين واللاجئين السوريين
بيروت - دقّ محامون ومنظمات حقوقية ناقوس الخطر بعد صدور قانون جديد للتنظيم العمراني في سوريا قد يحرم ملايين النازحين واللاجئين من العودة إلى منازلهم في حال لم يتمكنوا من إثبات ملكيتهم.
ويتيح القانون رقم 10 الذي وقعه الرئيس السوري بشار الاسد في ابريل/نيسان 2018، للحكومة "إحداث منطقة تنظيمية أو أكثر"، ما يعني إقامة مشاريع عمرانية في هذه المناطق، على أن يُعوَّض أصحاب الممتلكات بحصص في هذه المشاريع.
والقانون الجديد ليس سوى تعديل موسع للقانون رقم 66 الصادر في العام 2012 والمتعلق بإنشاء مجمعين في مناطق مدمرة جراء الحرب في ضواحي دمشق فقط.
وبات القانون الجديد يشمل كافة المناطق السورية. ويُعد صدور قوانين تنظيمية جديدة بهذا الشكل أمرا متعارفا عليه في المناطق التي تشهد حروبا مدمرة حول العالم.
لكن في سوريا التي شهدت تشريد أكثر من نصف السكان خارج البلاد وداخلها، يخشى خبراء ألا يتمكن الكثيرون من إثبات ملكيتهم لعقارات معينة، لجهة عدم تمكنهم من العودة إلى مدنهم أو حتى إلى سوريا كلها أو لفقدانهم الوثائق الخاصة بالممتلكات، لا بل وثائقهم الشخصية أيضا. ويضاف إلى ذلك عدم توفر الإمكانات المادية لديهم.
وتقول الباحثة في منظمة هيومن رايتس ووتش سارة كيالي "الهاجس الأساسي الذي نسمعه من الأشخاص الذين قد يتأثرون بالقانون هو أنهم فعلا لا يعرفون إذا كانوا سيتمكنون من العودة".
"كأن شيئا لم يكن"
وبحسب القانون، يجدر بالجهات المعنية إبلاغ المالكين وأصحاب الحقوق خلال مهلة شهر من تحديدها منطقة معينة سيتم العمل فيها.
وخلال شهر من هذا الإعلان، يجدر بأصحاب الممتلكات أن يتقدموا مباشرة أو عبر وكيل بالوثائق التي تثبت ملكيتهم أو إثباتها عن طريق تحديد تفاصيل معينة في حال غابت المستندات المطلوبة. وفي حال لم يتمكنوا منذ ذلك، فإنهم سيفقدون ممتلكاتهم.
ولا يذكر القانون ملايين النازحين واللاجئين، ما يشكل بحد ذاته خطرا كبيرا، بحسب الباحثة في منظمة العفو الدولية ديانا سمعان.
وتقول سمعان "يعالج القانون القضية وكـأن شيئا لم يكن وكأن بإمكان الجميع في سوريا توكيل محامين أو الذهاب بأنفسهم لإثبات ملكياتهم".
وحتى قبل الحرب السورية، لم يكن الكثيرون يملكون وثائق عقارية، وفق تقرير صادر في العام 2016، عن المجلس النروجي للاجئين.
وبات من الصعب أيضا على الكثيرين الحصول على الأوراق اللازمة من المراكز الرسمية كون الكثير منها تدمر جراء الحرب، مثلما حصل في مدينة حمص.
وجاء في تقرير المجلس النروجي أن "خسارة تلك الوثائق قد تتيح لأشخاص آخرين السكن في تلك الممتلكات أو نقلها لغيرهم أو استخدامها تجاريا".
ولم يتمكن الكثير من النازحين أو اللاجئين الفرار بأوراقهم الثبوتية وحتى جوازات سفرهم أو هوياتهم أو أي فواتير قديمة أو مستندات تثبت ملكيتهم.
وقال عشرون بالمئة فقط من اللاجئين السوريين الذين تحدث معهم المجلس النروجي في الأردن، إنهم يحملون معهم تلك الوثائق.
ولم يتمكن على سبيل المثال سوى أقل من 40 بالمئة من الذين خرجوا من الغوطة الشرقية قرب دمشق إثر اتفاق إجلاء الفصائل المعارضة والمدنيين، من الحفاظ على وثائقهم الضرورية، وفق منظمة "اليوم التالي"، إحدى منظمات المجتمع المدني المعارضة للنظام.
وكان قد صدر في العام 2017 قانون لـ"إعادة تكوين الوثائق العقارية المفقودة أو التالفة". لكن كيالي تشير إلى الكثير من العوائق البيروقراطية والمالية التي تجعل تطبيقه صعبا.
وتقول "بالنظر إلى حجم النزوح والخسائر في الوثائق، لا يمنح القانون المواطنين الوقت الكافي لتقديم طلباتهم".
وتحذر سمعان بدورها من أن حتى هؤلاء الذين ينجحون في إثبات ملكياتهم، سيحصلون على حصص في المشاريع الجديدة "أقل بكثير" من القيمة الفعلية لأراضيهم.
وتقول إن "تخمين الممتلكات بحسب القانون لم يُحسب بشكل جيد أو عادل بالنسبة للأشخاص المعنيين".
"لا أمل بالعودة"
وتتهم المعارضة الحكومة السورية بـ"التهجير القسري" والتغيير الديموغرافي عبر اتفاقات الإجلاء التي تفرضها على الفصائل المعارضة وشرائح واسعة من السكان، غالبا إثر عمليات عسكرية أو حصار خانق.
وفي العام 2012، صدر قانون يتيح للحكومة مصادرة أراض إذا ثبت أن مالكيها "إرهابيون"، وهو مصطلح يستخدمه النظام في وصف كل معارضيه.
وتحذر منظمتا هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية (امنستي) من أن يحرم القانون رقم 10 السوريين من حقوقهم لأسباب سياسية ومالية.
ولن يتجرأ سوريون في مناطق سيطرة الحكومة على التقدم بطلبات إثبات ملكية باسم معارضين خارج البلاد، وفق ما يقول المحامي السوري حسين بكري، كاتب تقرير "اليوم التالي" حول القانون الجديد.
ويقول بكري إن "السطوة الأمنية للنظام تجعل من غير المنطقي إنابة الأقرباء، لاحتمال تعرضهم للملاحقة بشكل شبه مؤكد".
وسيؤدي القانون بالنتيجة في كل المناطق المدمرة "إلى ضياع حقوق أصحاب العقارات فيها، وسلب ممتلكاتهم لصالح مؤيدي النظام وداعميه".
ويرى رئيس تحرير النشرة الاقتصادية الالكترونية "سيريا ريبورت" جهاد يازجي أن الهدف من نزع الملكية قد يكون ماليا فضلا عن كونه سياسيا.
وتُظهر الزيادة في القوانين المتعلقة بالأملاك عزم الحكومة السورية على ايجاد مصادر مالية جديدة لاقتصادها.
ويقول يازجي "للأراضي فوائد كثيرة. ما عساهم أن يفعلوا غير ذلك؟ الاستثمار في التصنيع، الزراعة، المصارف؟ بالطبع لا، الأراضي هي الهدف بشكل واضح".
ويخلص يازجي إلى القول "إنها دلالة على نهاية أي أمل" للعديد من الموجودين خارج مناطق سيطرة البلاد "بالعودة. إن كان لديهم بعض الأمل، فقد انتهى الآن".