اخبار العراق الان

عاجل

حشود نينوى الفضائية:معسكرات تدريب على الورق ومقاتلون بلا أثر

حشود نينوى الفضائية:معسكرات تدريب على الورق ومقاتلون بلا أثر
حشود نينوى الفضائية:معسكرات تدريب على الورق ومقاتلون بلا أثر

2018-05-05 00:00:00 - المصدر: الموقف العراقي


حشود نينوى الفضائية:معسكرات تدريب على الورق ومقاتلون بلا أثر

في قرية عوينات التي تتبع ناحية العياضية غربي محافظة نينوى في شمال العراق، وعند حاجز ترابي يحيط بأرض مستوية لا تتجاوز مساحتها الألفي متر مربع، يطل معسكر يفترض أن العديد من «الحشود العشائرية» تجري تدريبات فيه، بدا المكان خالياً تماماً ولا أثر لمقاتلين فيه ولا لتجهيزات. المشهد ذاته يتكرر في مواقع أخرى يفترض أنها معسكرات أو مواقع تنتشر فيها الحشود المقاتلة.

ووفق تصريحات قادة حشود، وبينهم عبد الكريم الشطري نائب قائد الحشد الشعبي، ينتشر في المنطقة التي تقع على بعد 80 كم غرب الموصل، حشد «عبد الله أسعد باشا» (رقم الفوج 60، القوة المسجلة 77 مقاتل)، وحشد فنر أحمد صفوك (رقم الفوج 63، القوة المسجلة 291 مقاتل). لكن معدَّيْ هذا التحقيق لم يجدا أثراً قريباً لوجود عسكري في المكان. والأرض التي يفترض أنها مكان تدريب وتعداد للمقاتلين في المعسكرات، كانت مغطاة بالدغل ولا توحي أن آثار التدريب قد لامستها منذ زمن.

شيخ عشيرة من قرية مجاورة يدعى شهاب العيسى، علّق قائلاً إن «الحشود تتبخر حالما تجد لاسمها وتعدادها مكاناً في قوائم الرواتب». وأضاف «الرواتب تصل لقادة الحشود ولقلّة فقط من المقربين منهم». وأوضح أن العديد من أبناء قريته وقرى المنطقة وجلها زراعية، يشكون البطالة ومستعدون للانخراط في الحشود بشرط أن تضمن حقوقهم.

ضمان الحقوق، شكا منه «سليم مطر عناد» ( من سكان عوينات) وكان منخرطاً في حشد يتبع قبيلة شمر وتدرب في معسكر عوينات قبل أكثر من سنة ونصف. لكن عدم تسلمه راتباً جعله يتخلى عن فكرة المواصلة. «كثيرون فعلوا مثلي» يقول وهو ينظر إلى جهة المعسكر «لا يمكنك أن تضمن شيئاً منهم».

عملياً لا وجود لمكان معين يضم أي حشد، ولا لساحة عرضات كما لدى القوات النظامية في عموم هذه المنطقة. ولدى التجوال بين القرى سواءً في غرب الموصل أو جنوبها تسمع عبارة تكاد تكون موحدة: «الحشد الفلاني يمسك الأرض في المنطقة الفلانية». وعند الوصول إلى المواقع المشار إليها لا تجد سوى أعلام مرفرفة على بعض المقار أو قرب نقطة تفتيش ترمز للحشد وبضعة أنفار في أحسن تقدير بأسلحة خفيفة، حديثهم بنحو عام يتركز على الرواتب، بعضهم شكا من قلتها وطالب بمساواتها بما يتقاضاه منتسبو الجيش كونهم يؤدون واجباتهم ذاتها.

«عايد غلب» الذي أقلنا بسيارته في جولة في تلك المناطق، أكد عدم تسلم رواتبه عن أربعة أشهر «لذا سرحت نفسي من الخدمة»، قال ممازحاً، وأشار إلى أن انتهاء الحرب على «داعش» جعل الحكومة غير جادة في دعم الحشود العشائرية «وربما سيتم حلها قريبا».

«عايد» يعمل الآن سائقاً بأجر يومي، لسيارة أجرة بين الموصل وبغداد. وكان واحداً من مقاتلي «فوج شمر» في تلول الباج جنوب الموصل. وشارك في دعم القوات الأمنية ومساندتها مع زملائه خلال عمليات تحرير الموصل. ويؤكد أنه مستعد للعودة وحمل السلاح مرة أخرى إذا أمن راتباً شهرياً ثابتاً.

عشرات الجولات الميدانية تؤكد أن ما هو على الأرض بالنسبة لعناصر هذه الحشود يختلف تماماً عما هو على الورق، وأن التهمة التي تطاول حشد أثيل النجيفي، بكونه فضائياً، تنطبق على جميع الحشود العشائرية في نينوى بلا استثناء، إذ إن هيئة الحشد الشعبي والحكومة العراقية أعلنت بأن الحشود العشائرية في نينوى تضم (15000) مقاتل وهو ما لا يتطابق مع التواجد الفعلي للمقاتلين.

فهناك مثلاً «حشد علي جاسم المتيوتي» يزعم أنه «يمسك الأرض» في حي يقع غربي الموصل، لكن لا أثر له على الإطلاق سواء في شرق الموصل أو في غربها. الأمر نفسه ينطبق على «حشد نوار نايف حماد»، فالقوة المسجلة في القوائم تبلغ (113) مقاتلا، ولا تواجد فعلي لها ولو بمقاتل واحد.

بالمثل هناك حشد «رضوان نافع محمد» وتعداده الرسمي (275) مقاتلاً، الموجود منه لا يتجاوز المائة، وحشد يتبع رئيس مجلس المحافظة الأسبق هاشم الحمداني والقوة المسجلة فيه تعدادها حسب القوائم (300) عنصر بينما لا يتجاوز عدد المقاتلين الفعلي الثلاثين فقط.

كما أن هناك حشدان لنائبين في البرلمان لعراقي عن مدينة الموصل هما وهميّان بالكامل بحسب تأكيدات أهالي المناطق التي يزعم النائبان تواجد الحشدان فيها. أكثر من ذلك، هنالك حشد تحت اسم «الفوج 14» قوامه خمسون مقاتلاً، كان يفترض أن يمسك الأرض في منطقة حي العربي شمالي الموصل، تبين لنا خلال البحث أن قائده «ع. م. ف.» صدرت مذكرة قبض بحقه من القضاء بعد اتهامه بسرقة ستة كليوغرامات من الذهب من محلات صاغة في المدينة، ولا يوجد أي أثر أيضاً لفصيله على الأرض.

ومن خلال مطابقة أعداد كل واحد من الحشود الـ42 مع أكثر من مصدر محلّي أمني وعشائري في مختلف مناطق تواجدهم، فإن أقل من خمسة آلاف عنصر فقط من الحشود السنيّة متواجدون فعلياً في محافظة نينوى بينما البقية (6370 مقاتلاً) هم عبارة عن وظائف وهميّة.

من دون احتساب تكاليف التسليح والنقل والإقامة في المعسكرات، تصل قيمة المبالغ عن المتطوعين «الفضائيين» في الشهر الواحد إلى ثلاثة ملايين و350 ألف دولار أميركي تذهب إلى قادة الحشود، باحتساب مرتب (625) ألف دينار عراقي لكل عنصر مع تكاليف الإطعام.

بعلم الحكومة

سبق للحكومة المحلية في نينوى أن أقرّت بغياب أكثر من نصف المقاتلين المتطوعين، وجاء ذلك على لسان عضو مجلس محافظة نينوى بنيان الجربا الذي قال إن العدد الكلي لقوات الحشد على الأرض لا يتجاوز السبعة آلاف مقاتل وعزا الأمر إلى «عدم تجهيز البقية بالمستلزمات العسكرية المطلوبة».

ويتهم البعض حكومة بغداد نفسها بالتورط في هذا الملف من خلال علمها المسبق بوجود أعداد كبيرة من «الفضائيين» ليس فقط في نينوى بل في محافظتي الأنبار وصلاح الدين أيضاً، وذلك بهدف الحصول على ولاء قادة هذه الحشود وهم بمجملهم رؤساء عشائر أو سياسيون بينهم أعضاء في مجلس النواب ووزراء سنّة.

يبدو عملياً أنّ هذا ما دفع البرلمان العراقي إلى سن قانون هيئة الحشد الشعبي رقم (40) لسنة 2016 الذي عززه رئيس الوزراء حيدر العبادي في العاشر من آذار (مارس) الماضي بتعليمات تهدف إلى تنظيم عمل وخدمة وتقاعد الحشد الشعبي مع تأكيد مستمر على أن هذه القوات جزء من القوات الأمنية العراقية.

يزن الجبوري، الذي يتزعم أحد الحشود العشائرية السنيّة في محافظة صلاح الدين، قال في تصريحات صحافية إن «أغلب هذه الأعداد (للحشود العشائرية السنية) منحت على شكل حصص من قبل رئيس الوزراء إلى سياسيين سنة ولم تمنح للجهات الحقيقية التي قاتلت داعش».

وأضاف الجبوري الذي يرشح نفسه هو الآخر للانتخابات البرلمانية المقبلة أن «الحشود العشائرية ليست قوات قتالية حقيقية بل إن أغلبها هي عبارة عن مجاملات من قبل العبادي لأسباب سياسية وتسويات وغيرها حيث لو تم حل الحشد العشائري لما تغير شيء على أرض الواقع لأن هذه الحشود لم تشترك في معركة واحدة على الأرض رغم بعض أسمائها الرنانة وكذلك أسماء السياسيين المسجلة بأسمائهم».

ذلك الأمر أكده ضباط عسكريون، واعتبروه حقيقة يعلمها الجميع، يقول خليل حسن «الحشود العشائرية في النهاية مقاتلون مبعثرون، تتقاطع ولاءاتهم، بلا تدريب حقيقي ولا تنظيم دقيق، ولا يمكن الاعتماد عليهم أمنيا وعسكرياً، هم جزء من عملية سياسية لكسب تأييد الزعامات السنية المحلية.

يشير إلى ذلك أيضاً الباحث غزوان جاسم كريم الذي يعكف على إنجاز كتاب عن عشائر نينوى بعد 2003. كان يقلب أوراقاً إلى جواره، حين استقبلنا في مكتبه المنزلي في حي الوحدة شرقي الموصل، وعلّق قائلاً: «إنها السياسة ذاتها التي انتهجها نظام صدام حسين حين شكل ما كان يعرف بالأفواج الوطنية الكردية لمواجهة قوات البيشمركة وقتها». وأضاف: «كان قوام تلك الأفواج مقاتلون أكراد عرفوا باسم «الفرسان» بقيادة زعماء عشائر وقبائل كردية. وكان هؤلاء القادة يقدمون قوائم لمقاتلين وهميين وكان النظام على علم بذلك ويعدّ الأموال الطائلة التي يستحوذ عليها رؤساء العشائر ثمناً لولائهم».

عاد مرة أخرى لتقليب الأوراق التي كانت قد ارتاحت في حضنه ليضيف: «استنسخ رئيس الوزراء حيدر العبادي تلك التجربة إدراكاً منه أن حاضنة داعش والداعم الرئيسي له إنما هي العشائر المحيطة بنينوى، وبتحييدها يكون قد ضمن ظهر القوات العراقية في حربها ضد التنظيمات الجهادية».

ويلاحظ الباحث العراقي أن القسم الأكبر من قادة الحشود ينحدرون من مناطق تقع جنوبي المحافظة وغربها. «إنها نفس مناطق التواجد العشائري، وهي الحاضنة المفترضة لتنظيم داعش».

وكانت الحشود العشائرية قد أبعدت عن نطاق نيران حرب تحرير الموصل ولم يسمح لها بالدخول أو الانتشار إلا بعد طرد «داعش» تماماً. وأسندت إليها مهمات رمزية كإقامة حواجز تفتيش في مناطق محدودة داخل الموصل وبلدات في نينوى، في حين أن السيطرة الفعلية بقيت لفصائل الحشد الشعبي (الشيعي) وقوات الشرطة الاتحادية (الفرقة الخامسة والثالثة).

ممر لصناديق الاقتراع

مع انتشار صور قادة الحشود، المرشحين لانتخابات البرلمان العراقي، في مختلف مناطق نينوى، ترسخت القناعة بأن الهدف الرئيسي لتشكيلها بالنسبة للقادة المحليين السنة، كان تمويل وضمان الوصول إلى المناصب السياسية أو البقاء فيها. أفصح عن هذا رئيس كتلة «صادقون» النيابية حسن سالم إذ قال: «جميع الكتل السياسية تمتلك أجنحة مسلحة، على الرغم من أن قانون الأحزاب لا يسمح لأي حزب أو جهة سياسية بأن يكون له جناح مسلّح».

وتضييقا لنطاق التعميم، توجه النائب الآخر مطشر حسين بحديث إلى زملاء له في البرلمان قائلاً «إننا منتخبون من قبل آلاف المواطنين لأداء مهمات في البرلمان وليس في ساحات القتال كما يفعل اليوم الكثير من النواب، فهناك المئات من الضباط الأكْفاء الذين يمكنهم تشكيل الفصائل المسلحة، وخوض المعارك ضد تنظيم داعش وإبعاد النواب عن تلك المهام التي أخذت بعداً آخر في الحصول على مكاسب مادية ودعاية انتخابية».

ضمت القوائم التي حصل عليها معدو التحقيق، أسماء واحد وعشرين نائباً حالياً من المحافظات السنية يقودون الحشود العشائرية أو على صلة مباشرة بها، ستة منهم من نينوى، هم حنين القدو (حشد شبكي)، وطالب المعماري، وأحمد الجبوري (حشد فرسان الجبور)، ويونادم كنا (حشد سهل نينوى)، وعبد الرحيم الشمري (حشد النوادر)، وعبد الرحمن اللويزي، وجميعهم حصل على إجازات مفتوحة من البرلمان لقيادة الحشود وتدريبها.

وتظهر القوائم، أن جميع الفصائل يقودها نائب أو سياسي مرشح للانتخابات البرلمانية المقبلة أو قدّمت في أقل تقدير شخصية عسكرية في صراع الوصول إلى هذا المجلس. ولعل أبرز مثال على ذلك ترشيح حشد «حرس نينوى» لقائده العسكري يحيى الطالب ضمن قائمة «القرار العراقي» التي يتزعمها أسامة النجيفي. وستجري الانتخابات البرلمانية في 12 أيار (مايو) بمشاركة (7180) مرشح، بينهم (947) من محافظة نينوى. وشهد يوم بدء حملات الترويج الانتخابية في 15 نيسان (أبريل) ظهور عناصر مسلحة في شوارع وأماكن عامة داخل الموصل وفي البلدات المجاورة وهم يعلقون صور قادة الحشود المرشحين للانتخابات. وقد حصلوا لهم على أماكن مميزة على طول الشوارع الرئيسية وفي التقاطعات والساحات، بخلاف بقية المرشحين غير المسنودين بعناصر مسلحة. وتجاوز المرشحون على الأملاك العامة، بحسب تصريح لمدير بلدية الموصل عبر فيه عن عجز البلدية عن رفع التجاوزات.

نائب عن نينوى، أبدى ارتياحه لفكرة عدم تجديد حزبه الثقة به في الانتخابات، قال إن النواب والساسة تحصنوا بالحشود، بسبب فقدانهم لامتيازات مالية نتيجة خفض رواتبهم الاسمية في البرلمان وتقليص أعداد أفراد حماياتهم، وكذلك لضمان دعاية إعلامية مجانية للانتخابات «ظهورهم بسحنات متربة وبزي عسكري حاملين بنادق كلاشنكوف سيخفف حسب اعتقادهم فورة الغضب الشعبي على الشخصيات السياسية في نينوى». وأضاف النائب السابق: «هؤلاء يملكون الأرض والسلاح، وحتى أنا لا يمكنني انتقادهم علانية وباسمي الصريح».

مطالبات بحل الحشد

مع تأخر عمليات إعمار نينوى وتزايد الشكوك في شأنها بوجود آلاف البيوت المدمرة وعشرات آلاف العاطلين عن العلم، وفي ظل الحديث الذي يتداوله نشطاء نقلاً عن ضباط أمنين بأن التنظيمات التكفيرية بدأت بإعادة تنظيم صفوفها، يتصاعد القلق في نينوى بدخول مرحلة جديدة من الاستقرار وحتى العنف، في ظل إمكان ترسخ وجود الحشود داخل المدينة وخارجها لتحلّ محل الأجهزة الأمنية النظامية وتزايد التقاطعات والمنازعات في ما بينها، لتعيد نينوى إلى مرحلة ما قبل «داعش».

فقد وقعت مواجهات مسلحة محدودة بين حشود مسيحية في بلدة قرقوش وإيزيدية في سنجار، ومواجهات أخرى وقعت في مطلع العام 2017 بين حشد «فرسان نينوى» وعناصر من «الحشد الشعبي» أدت إلى سقوط جرحى وتوتّر مذهبيّ في الجانب الأيسر للموصل المحرر للتوّ وقتها.

بل إن اشتباكاً بالأيدي وقع بين طلاب داخل حرم جامعة الموصل في آذار 2018 تطوّر في اليوم التالي إلى قتال بين عناصر الحشود العشائرية من أقرباء الطرفين لم تتوقف إلا بعد تدخل القوات العراقية بناء على ضغط شعبي وحملة قام بها ناشطون في وسائل التواصل الاجتماعي.

لمنع الانزلاق مجدداً في العنف، يطالب نشطاء من نينوى بسيطرة مركزية على جميع الحشود. يقول الطالب في كلية الآداب بجامعة الموصل عماد خضر «مع هزيمة داعش لم يبق هنالك مسوغ لبقاء هذه القوات، يجب دمجها بالأجهزة الأمنية الرسمية وسحبها إلى خارج حدود المدن». ذات الشيء اقترحه النائب عن محافظة نينوى نايف الشمري، مطالباً بضمّها إلى الأجهزة العسكرية «وتغير أسمائها العشائرية الحالية لتحمل أسماءً رسمية».

بدوره يحذر الناشط كامل سعد، من استمرار تواجد الحشود المتعددة الولاءات داخل المدينة وفي محيطها «هذا يعني حدوث احتكاكات وخروقات قد يؤدي تصاعدها في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية إلى تكرار سيطرة الإرهاب على المدينة ليحكمها من تحت الأرض كما كان الحال خلال سنوات حكم تنظيم القاعدة».

ولا يكتفي عضو مجلس محافظة نينوى علي خضير، بالمطالبة بإبعاد الحشود العشائرية، بل بحلها فوراً «لعدم أهميتها وقيامها بعرقلة عمل الجهات الأمنية النظامية»، عازياً دعوته أيضاً إلى الاستقرار النسبي الذي تشهده المحافظة.

معضلة متعددة الأوجه

لكن ضابطاً أمنياً سابقاً رفض الكشف عن اسمه، يرسم صورة أكثر تعقيداً للمشهد، ويرى أن نينوى أمام معضلة كبيرة «إذا استمر الحشد الشعبي الشيعي بالتواجد في نقاط بالمدينة ومحيطها فستحدث مشكلات مع الأهالي وغالبيتهم من السنة، وإذا انسحب ذلك الحشد وفي ظل عدم توفر القوات الأمنية الكافية فسيترك الميدان للحشد العشائري الذي يعاني من التشتت وتعدد الولاءات وغياب القيادة الموحدة، ومع حقيقة أن جزءاً كبيراً من مقاتليه فضائيون والجزء الموجود ضعيف التدريب والتسليح، ومع الشك بإمكان قيامهم بواجباتهم، سيتم تسليم مصير المدينة مجدداً للإرهاب».

ويخلص إلى القول: زعماء نينوى السياسيون والعشائريون، شكلوا الحشود كمعبر لضمان امتيازاتهم ونفوذهم ودورهم السياسي، وليس لتحرير أو حماية المحافظة «ها هم يتسابقون للترشيح للبرلمان بدعايات ضخمة تكلف ملايين الدولارات وبنحو ألف مرشح مساند، كان يمكن أن يشكلوا معاً جيشاً كبيراً لتنظيف المدينة المنكوبة وتأهيلها».

في الطرق القليلة السالكة إلى أحياء المدينة القديمة المدمرة، والتي ينتظر عشرات الآلاف من سكانها النازحين في المخيمات العودة إليها، تناثرت صور بعض المرشحين على ركام البيوت المهدمة. وقرب مدخل مسجد كان البناء الوحيد الذي يتم تأهيله في المنطقة التي تفوح منها رائحة الجثث المتفسخة التي تنتظر من ينتشلها، انهمك ثلاثة عمال بنصب صورة لأحد المرشحين من قادة الحشود. قال أحدهم مبتسما وهو يمسح وجهه بأطراف قميصه «قلنا له لا أحد يعيش في المكان إنه مدمر بالكامل، فقال لا مشكلة علقوا لافتة صغيرة… نحن مقاتلون في حشده ولا يمكننا أن نرفض ما يطلبه».

حشود نينوى الفضائية:معسكرات تدريب على الورق ومقاتلون بلا أثر