لبنان ينتخب بحثا عن وجوه جديدة في البرلمان
بيروت - بدأت صباح الأحد عملية الاقتراع في لبنان تمهيداً لانتخاب برلمان جديد هو الأول منذ نحو عقد، في عملية لا يتوقع أن تغير من طبيعة التوازنات بين القوى التقليدية في بلد يخضع باستمرار لأهواء التجاذبات الاقليمية.
ويقول محللون إن حكومة ائتلافية جديدة ستتشكل على الأرجح تشمل معظم الأحزاب الرئيسية أيا كانت نتيجة الانتخابات.
وتشكيل حكومة جديدة سريعا من شأنه طمأنة المستثمرين على الاستقرار الاقتصادي في لبنان بعد أن تعهد المانحون بتقديم 11 مليار دولار في صورة قروض ميسرة لبرنامج استثمار رأسمالي الشهر الماضي مقابل إجراء إصلاحات مالية وغيرها من الإصلاحات.
ويتابع اللبنانيون عن كثب آداء تيار المستقبل الذي يتزعمه رئيس الوزراء السني سعد الحريري وحزب الله الشيعي المدعوم من إيران وحلفائه.
وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها عند السابعة صباحاً أمام الناخبين البالغ عددهم وفق لوائح الشطب أكثر من 3.7 ملايين شخص، ليبدأ بعدها ظهور النتائج تباعاً.
وانتشر مندوبو الأحزاب والمرشحين منذ الصباح الباكر أمام مراكز الاقتراع البالغ عددها 1880 موزعين على 15 دائرة انتخابية. وشهد بعضها اقبالاً كثيفاً من الناخبين. وأحاطت بها اجراءات أمنية مشددة مع وضع الأجهزة الأمنية والعسكرية ما بين 20 و30 ألف عنصر في حالة جهوزية، وفق وزارة الداخلية اللبنانية.
وقالت تيريز (60 عاماً) قبل دخولها الى مركز اقتراع في بيروت "هذه أول مرة أنتخب فيها. وجئت لأشجع دماً جديداً لأن أحداً لا يعجبني في هذا البلد".
ويتنافس 597 مرشحاً بينهم 86 امرأة، منضوين في 77 لائحة، للوصول الى البرلمان الموزع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين في البلد الصغير ذي التركيبة الطائفية الهشة والموارد المحدودة.
وتجري الانتخابات للمرة الاولى منذ العام 2009، بعدما مدد البرلمان الحالي ولايته ثلاث مرات متتالية بحجة الانقسامات السياسية في البلاد والخشية من مخاطر أمنية على خلفية النزاع في سوريا المجاورة.
واذا كانت الصور والشعارات الانتخابية تملأ الشوارع، فلا يعرف بالتحديد إن كانت نسبة الاقتراع ستكون مرتفعة اكثر من سابقاتها. وسجلت نسبة الاقتراع في آخر انتخابات نحو 54 في المئة.
وفي منطقة صور في جنوب لبنان، قال جلال نعنوع (26 عاماً) "جئت لانتخب من أجل التغيير ولنأتي بنواب جدد الى البرلمان لأنه اذا لم تغير الناس سيبقى وضعنا كما هو وربما أسوأ".
وتعبر شرائح واسعة من اللبنانيين عن خيبة أمل من تكرار الوجوه ذاتها وخوض القوى التقليدية نفسها المعركة، علما انها لم تنجح على مدى عقود في تقديم حلول للانقسامات السياسية والمشاكل الاقتصادية والمعيشية التي يعاني منها لبنان.
لكن قانون الانتخاب الجديد أعطى فرصة للناشطين في المجتمع المدني أو الاحزاب الصغيرة للترشح، ما أثار حماسة عدد كبير من الناخبين، وإن كان خبراء ومحللون يتوقعون ألا يتخطى عدد المقاعد التي سيحصدها هؤلاء أصابع اليد الواحدة.
تحالفات منفعية
تظهر اللوائح التي تخوض الانتخابات زوال التحالفات التقليدية التي طبعت الساحة السياسية منذ العام 2005، لجهة الانقسام بين فريقي 8 آذار الذي يعد حزب الله المدعوم من ايران أبرز أركانه، و14 آذار بقيادة رئيس تيار المستقبل ورئيس الحكومة الحالية سعد الحريري.
وتجري الانتخابات في ظل توافق سياسي بدأت مفاعيله في تشرين الاول/اكتوبر 2016 مع تولي ميشال عون، حليف حزب الله، رئاسة الجمهورية بعد حوالي سنتين من الفراغ في سدة الرئاسة، والحريري رئيسا للحكومة. وكان الرجلان على طرفي نقيض منذ أكثر من عشر سنوات.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت عماد سلامة "التحالفات البرلمانية بعد الانتخابات ستشبه التحالفات الانتخابية الحاصلة اليوم، بمعنى انه ليس لها طابع ايديولوجي محدد بقدر ما هي قائمة على أساس المنفعية".
ويضيف "المنفعية ستشكل التحالفات المختلفة بدلاً عن فريقي 8 و14 آذار، لن يكون هناك تكتلات واضحة المعالم أو تحالفات طويلة أو ثابتة، بل بلوكات متحركة يتم اعتمادها بحسب كل موضوع".
ويقول الخبير في الشؤون الانتخابية سعيد صناديقي "لن يكون هناك تغيير جذري في نتائج الانتخابات عن العام 2009، أو كتلة طاغية على أخرى لأن الانقسام العامودي بين 8 و14 آذار لم يعد موجودأ".
وأبدى الرئيس اللبناني السبت رضاه عن القانون الانتخابي الجديد عشية الانتخابات التشريعية التي تُجرى الأحد.
وفي مقابلة مع قناة بي بي سي العربية بُثت السبت أكد عون أنه "راض عن القانون بالمطلق".
وأضاف الرئيس اللبناني البالغ الرابعة والثمانين "أعرف أن هذا القانون قد يؤدي إلى خسارة بعض المقاعد النيابية هي في المطلق عائدة للتيار، لكن ما يهمني هو أن تتحقق عدالة التمثيل ليربح الوطن والشعب وتكون له كلمته في اختيار ممثليه".
وقال عون "سنواصل العمل وفق الأسلوب الذي اعتمدناه والذي يقوم على الإجماع في اتخاذ القرارات، وهذه وسيلة قد تعاني من بعض البطء إلا أنها تعفينا من الخلافات". وأضاف "إذا ربحنا في لبنان نربح جميعا، وإذا ما خسر أحدنا فإننا جميعا خاسرون".
وقال الرئيس اللبناني إن "قضية حزب الله صارت قضية متعلقة بالشرق الأوسط ولم يعد حزب الله يقدر أن يخرج من المعركة، لأنه أصبح جزءا من توازن القوة".
وهكذا يتحالف التيار الوطني الحر الذي ينتمي اليه الرئيس عون، على سبيل المثال، مع حزب الله وحركة أمل برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، في منطقة بعبدا قرب بيروت (الاطراف الثلاثة من فريق 8 آذار)، فيما يخوض الانتخابات ضدهما متحالفاً مع تيار المستقبل في إحدى دوائر الجنوب.
ويتنافس التيار وحزب الله في كل من جبيل (شمال بيروت) وبعلبك (شرق) التي تعد احدى مناطق نفوذ الحزب.
والثابتة الوحيدة في التحالفات الانتخابية هي اللوائح المشتركة بين حزب الله وحركة امل، بما يكرس الى حد بعيد احتكارهما للتمثيل الشيعي في البلاد.
ولطالما شكل سلاح حزب الله المدعوم من ايران والذي يقاتل الى جانب قوات النظام في سوريا، مادة خلافية بين الفرقاء اللبنانيين. لكن الجدل حول سلاحه تراجع الى حد كبير قبل الانتخابات بفعل "التوافق السياسي" القائم حاليا.
وخلال مقابلة مع وكالة الأنباء الايرانية "ارنا" قبل أيام، قال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم "أستطيع القول بان كتلتنا نحن وحركة امل والحلفاء ستكون وازنة. ووضعنا سيكون أفضل في البرلمان القادم".