اخبار العراق الان

السيد مهاتير، هذا الرَّجل المُتواضِع الزَّاهِد في الحُكم والمال، الذي جَعل من بلاده أحد أبرز النُّمور الاقتصاديّة في شَرق آسيا، وقادها علي مَدي عشرين عامًا من حُكمِه نحو الأمن والاستقرار والتَّنمية بِشَقَّيها الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وَضع الخِلافات الشخصيّة جانِبًا، وعقد صَفقةً مع خَصمِه السَّابِق أنور إبراهيم، وأخرَجَهُ من السِّجن في إطارِ صَفقةٍ سِياسيّةٍ تُعيدُه إلي مِقعَد القِيادة، كل هذا لأنّه يضع مصلحة بِلادِه وشَعبِه فوق كُل الاعتبارات الأُخري، ويتسامَي فوق “الأحقاد”، ويُحَقِّق أبرز الأمثلة في التَّسامُح.
رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق كان فاسِدًا، وأظهر شَرَهًا غير مسبوق، وأُسرَته والمُقَرَّبون مِنه في تكديس الأموال والمُجوهرات، وحياة البَذَخ، فانتهي نِهايةً مُعيبةً يستحقِّها، وكُل من يَسير علي دَربِه.
الشرطة الماليزيّة أعلنت أمس الجمعة أنّها ضبطت أكثر من 400 حقيبة يدويّة، ومبالِغ نقديّة تَصِل إلي 30 مليون دولار أثناء مُداهَمتها لمَنزِله وشُقق فاخِرة تابِعة له ولأفراد أُسرَتِه.
السَّخَط الشَّعبيٍ من استفحال الفساد وبُلوغِه مُعدَّلات غير مَسبوقة في أوساط السيد عبد الرزاق هو الذي أدَّي إلي عَودة السيد مهاتير إلي الحُكم عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة التي أطاحَت بالحِزب الحاكِم بطَريقةٍ مُهينة، لأنّ الشَّعب الماليزي يَثِق بباني نهضته، ويُريد الإصلاح مُجدَّدًا علي يَديه، واجتثاث الفَساد من جُذورِه.
نجيب عبد الرزاق ابن أحد الآباء المُؤسِّسين لماليزيا مَرَّغ اسم أبيه وعائِلته في التُّراب نتيجة فَسادِه وجَشعِه، وسيطرة حُب المال عليه، مِثلما دمَّر حِزبه الذي حَكم البِلاد ستَّة عُقود، وباتَ يُواجِه وأُسرته والمُقرَّبون مِنه اتِّهامات بنَهب مِليارات الدُّولارات في فَضيحةٍ ماليّةٍ تعود إلي عام 2015 مُرتَبِطة بالصُّندوق السِّيادي الذي أسَّسُه بعد تَولِّيه الحُكم عام 2009 تحت عُنوان تَحديث ماليزيا.
تخيَّلوا.. خمس شاحِنات جري جلبها لنَقل هذا المَخزون الضَّخم من الصناديق المَحشُوَّة بمَلايين الدُّولارات والمُجوهرات، ومِئات الحقائِب النسائيّة اليدويّة الفاخِرة، والتُّحَف الثَّمينة من منزل عبد الرزاق وأقارِبه، 35 حقيبة يدويّة مليئة بالأموال في وِحدَةٍ سكنيّة، و37 حَقيبة في أُخري تَضُم 26 عُملة أجنبيّة مُختَلفة مِثل الدولار واليورو والإسترليني تَبلُغ قيمَتها مُجتَمِعة 114 مليون رينغيت (العُملة المحليّة)، أو يُعادِل 29 مليون دولار.
إميلدا ماركوس زعيمة ديكتاتور الفلبين السَّابق دخلت التَّاريخ لأنّها كانَت تَملُك أكثر من ألفيّ زوج من الأحذِية في غُرفَة ملابِسها، وزوجة عبد الرزاق وابنته ستَدخُلان من زاوِية امتلاكهما 150 حقيبة يدويّة من الماركات الفاخِرة من نوع “ايرمس” “ولوي فيتون” وهي الماركات المُفضَّلة للأُم السيدة روسمة منصور المَكروهة من الشَّعب الماليزي الذي يُشَكِّل الفُقَراء نِسبَةً لا بأس بها في صُفوفِه، وهي المَعروفة بِبَذَخِها، ورحلات تَسوُّقِها في أسواق باريس ولندن ونيويورك.
ما يجري في ماليزيا يُشكِّل دَرسًا ليس فقط لزُعَماء الفساد في بُلدانِنا العربيّة وأتباعِهم، وإنّما أيضًا لزوجاتِهم اللَّواتي يَسِرن علي خُطَي السيدة روسمه في اقتناء الملابِس والأحذية والحقائِب الفاخِرة، ويتسوَّقن في أفخم الأسواق الأوروبيّة والأمريكيّة، بينما أبناء شَعبِهم لا يَجِدون لُقمَة الخُبز ولا الدَّواء لمَرضاهُم.
شُكرًا للسيد مهاتير الذي لم يَتردَّد مُطلَقًا في العَودة إلي رِئاسة مجلس الوزراء ليس شَغفًا في الحُكم، ولا لِجَمع المال، والعَودة إلي الأضواء، وإنّما تَلبيةَ نِداء أبناء شَعبِه، لإنقاذ البِلاد من الانهيار واجتثاثِ الفاسِد وعصاباتِه وقِطَطِه السِّمان.
كم نحن في الدُّول العربيّة، جميعًا، ودون استثناء، نَحتاج إلي رجالٍ مِثله، وفتح فُروعٍ لمَدرسته، لتَعليم مناهِجه في الحُكم، بعد أن طفح الكَيل، وباتَ الفُقراء المَسحوقون هَدفًا للضَّرائِب والرُّسوم لتَمويل جشع الأغنياء وعصاباتِهم من الوُصوليين والانتهازيين، ومَصَّاصي الدِّماء، تَري كم من الحقائِب الفاخِرة، والمُجوهرات الثَّمينة، والتُّحَف النَّادِرة في قُصورِ قِطَطِنا السِّمان؟
راي اليوم
إنتهي**1110** 1837