اخبار العراق الان

يوسف برازي "بيبهار".. شاعر التنوير والحماسة الكوردية

يوسف برازي
يوسف برازي "بيبهار".. شاعر التنوير والحماسة الكوردية

2018-07-14 00:00:00 - المصدر: رووداو


إن مثقفينا وشعراؤنا أمانة في أعناقنا، ومن واجبنا ألا ننساهم ونصون ميراثهم ونحفظه من التلف والضياع، ليتسنى بشكل خاص لأبناء الأجيال الجديدة من شعبنا الكوردي الاضطلاع على ما قدمه هؤلاء التنويريون الكبار لشعبهم، لقد أفنوا حياتهم في سبيل إحياء الثقافة والكلمة الكوردية، لذا يجب عدم إهمال تعبهم وجهدهم وعلينا تذكرهم بشكل دائم. 

وباعتباري عضواً في شبكة رووداو الإعلامية، أحاول دائماً بالتعاون مع زملائي وأصدقائي الأعزاء في "رووداو" من خلال تقاريري التلفزيونية الخاصة، أن ألقي بعض الضوء على أولئك الأشخاص الذين لم يألوا جهداً في سبيل إغناء وإثراء الثقافة الكوردية في كل أجزاء كوردستان وفي "غرب كوردستان" على وجه الخصوص، ويعتبر الشاعر الكوردي الكبير يوسف برازي "بيبهار" واحداً من هؤلاء.

كما هو معلوم، رحل عنا الشاعر القدير يوسف برازي "1931-2009"، في يوم 15/1/2009، وفي ذكرى رحيله الثامنة، أي في يوم 15/1/2017، قمت مع زملائي بإعداد تقرير خاص عن الشاعر المرحوم "بيبهار"، نُشر على شاشة رووداو.

وفي ذلك الوقت، كان زميلي العزيز، عمر كالو، يقدم نشرة غرب كوردستان عبر إذاعة رووداو، واختار عمر تقريري عن "بيبهار" ملفاً لنشرته في ذلك اليوم، واستضاف حفيد الشاعر الراحل، آزاد برازي من مدينة سري كانيه "رأس العين" في نشرته تلك.

وفي النشرة قام كل من عمر وآزاد بالتحدث بشكل موسع عن أعمال ونضال وسيرة حياة ونتاجات الشاعر الراحل بيبهار، وأثارا الانتباه إلى أن الكثير من أعمال "بيبهار" ما زالت مخطوطات لم تلق سبيلها إلى النشر حتى الآن.

أوضح السيد آزاد أنهم كعائلة الشاعر الراحل حافظوا رغم التحديات والمصاعب الجمة والظروف الصعبة على مخطوطات "بيبهار"، وذكر أنهم وبسبب الحرب الدائرة منذ سنوات في سوريا وغرب كوردستان نقلوا الأعمال غير المطبوعة لـ"بيبهار" من مدينة إلى مدينة أخرى وصانوها من الضياع والتلف بصعوبة كبيرة، وهكذا تنقلت هذه المخطوطات بين أماكن عدة مثل سري كانيه، الرقة، كوباني، رحا، سويريك، آمد "دياربكر"، وقوسر، لتعود من جديد بعد ذلك إلى سري كانيه، ليبعثها إلي آزاد مع عمر كالو الذي سلمني إياها في هولير.

تابع السيد آكو محمد، المدير العام لشبكة رووداو الإعلامية، تلك النشرة التي قدمها عمر كالو عبر إذاعة رووداو، وبعد انتهاء النشرة اتصل مباشرة مع عمر كالو وطلب منه الاتصال بآزاد مرة جديدة ليخبره أن يرسل إلينا كل مخطوطات وأعمال "بيبهار" وسنقوم نحن كشبكة رووداو بطباعة أعماله غير المطبوعة، وإعادة طبع أعماله المطبوعة، أي أعماله الكاملة، ونهديها لعائلته. 

وفي نفس اليوم، اتصل معي الأخ آكو محمد وطرح علي فكرته ليعرف رأيي بالموضوع، فقلت له عبر الهاتف: "أنت ككوردي من جنوب كوردستان تقوم بعمل كهذا، فكيف أستطيع التنصل من هذه المهمة الجبارة والصعبة، وأنا كوردي من غرب كوردستان، كشاعرنا الراحل بيبهار؟!"، بإيجاز خرجت الفكرة العملية لطباعة هذه الأعمال الكاملة للشاعر "بيبهار" بهذا الشكل.

كان الشاعر الكوردي الراحل يوسف برازي "بيبهار" واحداً من الشعراء المعروفين في غرب كوردستان، ولاقت أشعاره وقصائده رواجاً بين أبناء شعبه، واحتلت مكاناً بارزاً في أفئدتهم ووجدانهم، فضلاً عن أن الكثير من الفنانين والمغنين الكورد الكبار قاموا بغناء الكثير من قصائده التي لاقت صدى عند الجماهير الغفيرة التي عشقوها وما زالوا.

كغيره من مبدعي وشعراء شعبه، لاقى يوسف برازي في حياته الكثير من المصاعب وعانى من الفقر والظلم، وفي فترات كثيرة من حياته الصعبة دفع ثمن مبادئه وأفكاره القومية وتعرض للتعذيب والظلم في سجون وزنازين أعداء الشعب الكوردي، وكما هو معروف فإنه كتب قصيدته الخالدة "حبس وزندان" أي "السجن والزنزانة" التي غناها فيما بعد كل من الفنانين الشهيرين محمود عزيز شاكر، والخالد محمد شيخو، في إحدى سجون سوريا وبواسطة أعواد الثقاب على الجدار الداخلي للسجن.

كما ذكرت آنفاً، رحل "بيبهار" عن دنيانا الفانية عام 2009، وكان حتى ذلك الوقت قد طبع ونشر خمسة دواوين شعرية كوردية: "الزنزانة – نداء – الانتفاضة – الاستقلال والتقدم"، لكن وللأسف الشديد وبسبب تدني مستوى الطبع والجودة السيئة لتلك الكتب والأخطاء التقنية والمطبعية الكثيرة التي تتواجد فيها، كان ضرورياً ولا مفر من إعادة طبع كل أعمال "بيبهار" المطبوعة وغير المطبوعة بجودة عالية وطباعة جيدة وأنيقة.

وما عدا الكتب الخمسة المطبوعة والمنشورة سابقاً، كان الراحل "بيبهار" قد دون سيرة ذاتية قصيرة بشكل نثري وثلاث دواوين شعرية أخرى وهي "الانتصار – الحرية والاستقرار"، بالإضافة إلى جزأين من قصائد النصيحة، وهذه الأعمال الكاملة تضم بين دفتيها وفي مجلدين أنيقين، كل هذه الأعمال.

"بيبهار" هو شاعر الحماسة والرجولة الكوردية، شاعر المقاومة وعدم التخلي عن الحقوق المشروعة للشعب الكوردي مهما زادت الضغوط والعذابات، بشكل عام يتركز محتوى قصائد "بيبهار" على آلام ومآسي وطموحات شعبه الكوردي المضطهد، ويهاجم بيبهار "الآغاوات والبكوات والصوفيين والملالي الكورد الزائفين" الذين كانوا يستغلون الدين لمصالحهم الخاصة والضيقة، ويمارسون الدين الحنيف بشكل خاطئ وغير قويم، ويتحايلون بهذا الشكل على فقراء الكورد وينتقدهم بشكل لاذع.

في هذا الصدد نلاحظ أن "بيبهار" كان متأثراً بالشاعر الخالد "جكرخوين" الذي كان يعتبر نفسه أحد تلاميذه وممن ساروا على خطاه في تجربتهم الأدبية والشعرية، وحتى الحياتية، "بيبهار" يصرخ بأعلى صوته ويتألم وينادي على شعبه الكوردي ويطالبهم بالاتفاق والوحدة، كما يطالب من أبناء وبنات شعبه أن يتجهوا صوب العلم والقراءة.

"بيبهار" شاعر كوردستاني، يدون القصائد عن جميع أجزاء كوردستان ويخلد القادة والزعماء والشهداء الكورد أينما كانوا، وفي ذات الوقت، لا ينسى "بيبهار" قلبه الناعم ويخصص الكثير من قصائده عن العشق والمحبة ويتغنى بمحبوبته.

بالفعل، كان إعداد وتصحيح جميع أعمال ونتاجات "بيبهار" متعباً وصعباً للغاية، ولكني أتمنى أن يجد هذا العمل بجزأيه مكاناً له ضمن المكتبة الكوردية، ويصبح مصدراً ومرجعاً مفيداً لكل محبي الشعر والأدب الكوردي والعالم الأدبي لـ"بيبهار".

وأنتهز الفرصة هنا لأقدم امتناني وشكري الجزيلين للأخ العزيز آكو محمد، ولشبكة رووداو الإعلامية، الذين تكفلوا بطباعة هذا العمل، كما أشكر حفيد بيبهار الأخ آزاد برازي، وزميلي وصديقي العزيز عمر كالو، وزوجتي الغالية لورين جتو، الذين ساهموا في إكمال هذا الكتاب وقدموا المساعدة لي، كما أقدم شكري للأستاذ والأخ خالد جميل محمد، لدوره في مراجعة الكتاب.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.