اخبار العراق الان

الخبز والكرامة

الخبز والكرامة
الخبز والكرامة

2018-07-16 00:00:00 - المصدر: رووداو


  
اصبحت تظاهرات شرائح واسعة من ابناء شعبنا العراقي محل اهتمام الجميع والراي العام الداخلي والدولي والتي اندلعت منذ ايام في محافظات الوسط والجنوب. بدأت في محافظة البصرة ومستمرة لحد الان، ثم امتدت الى محافظات ميسان وذي قار والنجف وكربلاء وبابل وواسط والمثنى والقادسية ووصلت لبغداد ايضا، ويتوقع ان تمتد لمحافظات اخرى. هذه التظاهرات التي بدأت في البصرة من قبل الفئات ذوي الدخل الاوطأ وفي محافظة تقع على بحر من النفط وتعتبر المحافظة العراقية التي عن طريقها يتصل العراق بالمياه الدولية والبحار. هذه التظاهرات اندلعت بسبب فقدان الخدمات وانقطاع الكهرباء وانعدام الماء الصالح للشرب وتفشي البطالة بين ابناءها وغيرها من المحافظات واضمحلال دور الدولة واحلال العشيرة كتنظيم اجتماعي بالي والاحزاب محل مؤسسات الدولة والقضاء، كل هذا في ظل وجود فساد مستشري بين اعضاء الاحزاب الاسلامية الحاكمة. هذه التظاهرات هي ضد فشل الحكومات العراقية المتعاقبة وخاصة بعد 2003، اي هي ضد فشل حكومات اياد العلاوي وابراهيم الجعفري ونوري المالكي وايضا حيدر العبادي. هذه التظاهرات هي ضد ضياع مئات مليارات من الدولار من الموازنات السنوية التي بدل ان تصب في نهر الدولة العراقية ولتنفق على تحسين الخدمات وتوفير الكهرباء والماء وجعل العراقي يعيش في ظروف معيشية اقل مافيها ان تحفظ كرامته بدل ان يصبح وقودا لنار واهواء احزاب الاسلام السياسي، فان تلك الموازنات قد ضاعت وتبخرت لتصب في جداول وسواقي الاحزاب الحاكمة وتستقر في حسابات ومصالح قياداتها في الخارج. هذه التظاهرات هي ضد فشل الحكومات المحلية ومجالس المحافظات والذي كان مصير محافظ البصرة هو الهرب الى الجارة الشرقية مثلما كان مصير اخرين هو الهروب الى دول اخرى.

ونسمع الان كالعادة من المسؤولين الامنيين والحزبيين بان البعثيين والارهاب يقفون وراء هذه التظاهرات، وليس ببعيد ان يخرج علينا الاعلام الرسمي للحكومة واعلام احزاب الاسلام السياسي بسيناريوهات واعترافات على شاشات فضائياتها للبرهان بان الارهاب وبعض دول الجوار والبعثيون هم من وقفوا ودعموا هذه التظاهرات، واعنبارها مؤامرة دولية وطبعا فان الامبريالية والصهيونية والشيوعية والماسونية والوهابية واالمثليون وغيرهم هم المستفيدون من ذلك !!!! وهذا دائما هو موقف اعلام السلطة ومن والاها حيث يتهربون من الاسباب الحقيقية لاندلاع الغضب الشعبي تجاه فشل الحكومة وادائها الفاسد وتوجيه دفة الحكم لتحقيق المصالح الحزبية للاحزاب الحاكمة التي في العراق تختزل بعد ذلك الى مصالح عشائرية ومن ثم الى مصالح فردية فقط.

والمعروف ان حق التظاهر كفله الدستور العراقي وفق الفقرة الثالثة من المادة (38) منه وكما قال السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء عبر حسابه الخاص في التويتر، لدى انظلاق التظاهرات في محافظات الاقليم ضد تاخر دفع الرواتب واستقطاع نسب منها، والذي كان من   ضمن اسبابها هو سبب قطع تمويلها من قبل الحكومة العراقية الحالية والسابقة ، حينما قال (واجب القوات الامنية هو حماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة وليس اطلاق النار على المواطنين. حماية المواطنين في كل بقعة من العراق هي مسؤولية الحكومة الاتحادية، والتجاوز على الاملاك العامة والخاصة مرفوض). ونحن نكرر ذلك بان على الحكومة العراقية والمحافظين تامين حياة المتظاهرين وعدم استخدام القوة ضدهم ومن الضروري المحافظة على سلمية التظاهرات وايضا حماية المال العام والخاص سواء كان في البصرة ام النجف ام في بغداد، وهذا اولا وقبل تلبية مطالب المتظاهرين والتي فشلت الحكومات العراقية في ضمان حياة حرة وامنة للمواطن العراقي التي نصت عليها المادة الخامسة عشر من الدستور وهي ايضا ضمن تجاوزاتها الكثيرة على الدستور والتي تصدح حناجر رجال السلطة صباحا ومساءا بالعمل وفق احكام الدستور ويدعون الاخرين للالتزام به. 

كما نسمع بان بعض زعامات الاحزاب الاسلامية تحاول ركوب موجة التظاهرات وتوجيه دفتها نحو تحقيق مصالحهم السياسية، لكن مسار هذه التظاهرات واضحة بانها ضد اداء احزاب الاسلام السياسي منذ خمسة عشر سنة وان توجيه غضبها ضد مقار تلك الاحزاب بدون تمييز سواء من كان في الحكومة او خارجها، وبدون تمييز بين من يدعي محاربة الفساد او من يتشبث بالسلطة باي سبيل كان . 

هنالك مثل كردي يقول (اكر ده رسه حه رفه ك به سه) اي (اذا كان درسا فان حرفا واحدا يكفي )، ونتمنى ان تفهم الحكومة المركزية والحكومات المحلية هذا الحرف من الدرس حتى لا تضطر الجماهير الى القاء الدرس كاملا وتتحول التظاهرات الى ثورة شعبية واسعة تحرق الاخضر واليابس. وان تتوجه الحكومة لتلبية مطالب المتظاهرين المباشرة وتعمل بجد لتحقيق مطالب جميع العراقيين وهي رفع يد الاحزاب عن رقاب الدولة ومؤسساتها، ويكون توجه رئيس الوزراء الحالي والقادم هو انهاء الفساد فعلا لا قولا وشعارات، وتوفير فرص العمل لابناء الشعب العراقي والكف للنظر الى المواطن من قبل الاحزاب الحاكمة كرقم انتخابي يستفدون منهم فقط في يوم الانتخاب للاستمرار بعد ذلك في غيهم وفسادهم في السلطة، ويغيب بعد ذلك المواطن في دهاليز الزمن يعاني الفقر والمرض والجهل والاهمال.

وهنا قد يتسائل البعض لماذا كانت نسبة التصويت متدنية في الانتخابات حيث كان حرفا بسيطا لكن واضحا من الدرس الذي اراد الشعب العراقي توجيهها لاحزاب الاسلام السياسي الحاكمة ، ولكن يبدو انها لم تفهمها واخذت تبحث عن الحجج الواهية لذلك ولم تجد غير جهاز العد والفرز الالكتروني الصماء هدفا لصب جل غضبها عليه الذي وضع كل حزب في حجمه الحقيقي. هذه الرسالة كانت واضحة بان الشعب العراقي لم يعد يتحمل الاهمال وانعدام ابسط وسائل الحياة، اما الخدمات فقد اصبحت اشياء.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية‬‬‬.