اخبار العراق الان

فوضى الانتخابات وتظاهرات العراق

فوضى الانتخابات وتظاهرات العراق
فوضى الانتخابات وتظاهرات العراق

2018-07-17 00:00:00 - المصدر: رووداو


منذ أكثر من أسبوع خرج المتظاهرون العراقيون إلى الشوارع في عدد من محافظات جنوب العراق احتجاجاً على غياب الكهرباء وشحة مياه الشرب والبطالة، وباتت البصرة رمزاً للاحتجاجات وبلغ الأمر حد سيطرة المحتجين على مطار النجف، وأبدت كافة الأحزاب والأطراف السياسية في جنوب العراق تأييدها للمتظاهرين، بينما يتعرضون جميعاً، بدرجة ما إلى سخط المحتجين.

قد تقف أسباب يومية متنوعة وراء تظاهرات العراق هذه، لكن الذي يحركها في النهاية، هو تراكم الاستياء والسخط لدى الجماهير على مدى 15 سنة ، وقد بينت انتخابات 12 أيار وعزوف أكثر من 56% من العراقيين، أغلبهم من جنوب العراق، عن المشاركة ذلك الاحتجاج المتراكم.

الأسباب داخلية أم خارجية

يرى البعض أن هناك قاعدة قوية داخل العراق للاحتجاج السياسي ويرى آخرون أن هناك يداً وراءه، وإذا بدأنا من الرأي الثاني فإن بعض المؤشرات يدل على الدور المفترض لإيران في الاحتجاجات العراقية.

هناك مجموعة ترى أن إيران قطعت التيار الكهربائي عن البصرة، متذرعة بمديونية العراق، فأطلق ذلك شرارة الاحتجاجات، وجاء ذلك بعد أيام من إعلان الرئيس الإيراني، حسن روحاني، أنه إذا لم تستطع إيران تصدير نفطها فستعجز دول أخرى عن تصدير نفطها وطرحه في الأسواق العالمية، ولا شك أن بدء الاحتجاجات والمظاهرات من البصرة التي يصدر منها الجزء الأكبر من نفط العراق، يمكن أن يمثل تهديداً جدياً لصادرات النفط العراقية، خاصة بعد توقف تصدير القسم الأكبر من نفط كركوك.

وسواء صدق هذا أم لا، فإنه لن يغير من حقيقة كون الثقل الأكبر للاحتجاجات في الداخل العراقي، ومهما كانت الأسباب اليومية لما يجري، نستطيع القول بأن ما يجري هو نتيجة للاستياء المتراكم لسنوات من الحكم الفاشل.

ما يبقي الدولة العراقية قائمة إلى الآن بصورة شكلية ورسمية، هو حفظ التوازن الدولي، وإلا فإذا كان "توفير الأمن، تعطيل المؤسسات الشرعية، ضعف السلطة والحكومة، أزمة الشرعية، عدم الاستقرار الاقتصادي والعنف" وغياب القدرة على توفير الخدمات العامة وغياب السيطرة على قسم من البلد والاقتتال الداخلي من معايير فشل دولة ما، فإن برنامج عمل الدولة العراقية بعد 2003 يشهد أعظم فشل، ولم تتمكن إرادة التخلص من حكم دكتاتوري لدى العراقيين من توفير بديل أفضل.

التظاهرات وفوضى انتخابات 12 أيار

كشفت لنا انتخابات 12 أيار من هذا العام إشارات على الوضع الحالي، وبموجب فرضية الفوضى فإن تغييراً بسيطاً يمكن أن يمهد لحدث عظيم (عامل التأثير المروحي) لذا فإن العلم المعاصر وخاصة العلوم الاجتماعية لا تمكن المرء من توقع شيء قطعي، وبإمكان دوران مروحة أن يؤدي إلى ريح قوية، فإن تغييراً في نمط تحرك شخص أو مجموعة أو مجتمع في نظام سياسي يمكن أن يؤدي إلى انقلاب أكبر، ولو نظرنا إلى 12 أيار من هذا المنظار وبحثنا عن "العامل المروحي المؤثر" في الانتخابات العراقية، يمكن أن نقول بأن تدني نسبة المشاركة هو العامل الرئيس الذي مهد لتدمير التوقعات التي سبقت الانتخابات والفوضى والتعقيدات الحالية في السياسة العراقية.

ولو ألقينا نظرة عامة على تأثير تدني نسبة المشاركة في الانتخابات، لتبين لنا أن لهذا العامل تأثيراً مروحياً على مجمل العملية السياسية في العراق وإقليم كوردستان، وخلق فوضى في الهياكل المرجوة للعراق وفي مصالح الدول وأفسد الحسابات الداخلية والخارجية. في انتخابات 12 أيار، ورغماً عن المرجعية العليا امتنع قسم كبير من الشيعة عن التصويت، وهذا على غرار مناطق العراق الأخرى، عامل ظهور للاحتجاج السياسي. كان يتوقع لانتخابات 12 أيار أن تحدث تغييراً كبيراً، لكن الذي أحدث التغيير الكبير كان عدم المشاركة في التصويت، إذ أن عدم التصويت بنسبة 56% عرض شرعية الانتخابات للمساءلة وخلق فوضى كبيرة في النظم المرجوة لعراق ما بعد الانتخابات، ولم يكن الكثير من اللاعبين الخارجيين راضياً عن النتائج، وانقسم اللاعبون المحليون فريقين أحدهما رافض والآخر راض، وهناك احتمال قوي أن يكون هذا هو المحرك للاحتجاجات.

وكما أن الشعب لم يلتفت إلى مطالب المرجعية في مسألة المشاركة في الانتخابات وشاركت نسبة ضئيلة منهم، كذلك يستهدف المحتجون أغلب الأحزاب، وهذه هي قوة تلك الجماهير الساخطة التي قاطعت الانتخابات في 12 أيار.

النتيجة

قد تتمكن الحكومة من خلال استخدام الضغط من خفض حدة الاحتجاجات، لكنها لن تتمكن من القضاء على بذرة عدم الاستقرار في العراق، كما أن هناك فراغاً دستورياً وقانونياً إذا طال أمده قد يتطور إلى تصرفات لادستورية من جانب الحكومة قد ترقى إلى انقلاب غير معلن.

انتهى عمر مجلس النواب العراقي، وكما في كل مرة، لم يتمكن العراق من إجراء الانتخابات قبل نهاية عمر مجلس النواب بخمسة وأربعين يوماً وتشكيل حكومة جديدة، ليس هذا فحسب، بل إن الطريق يحفل بالمطبات ولم تنته بعد أزمة الانتخابات السابقة، وليس واضحاً نوع السلطة التي تتمتع بها الحكومة. فهل تستطيع تطبيق بنود الدستور وإعلان حالة الطوارئ، في غياب برلمان يمكن أن يصادق عليه.

ويمكن لمسألة تشكيل الحكومة وتنافس الأحزاب على المزيد من المكاسب أن يعززا ذلك الفراغ، ونتيجة لذلك إما أن تتفق الأطراف السياسية لتهدئة الوضع أو يواصل حيدر العبادي إدارة البلد بطريقة استثنائية.

مظاهرات العراق تضعف حكومة بغداد، وهذا سيعزز موقف إقليم كوردستان في ملف العودة إلى المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم، وفي مسألة تصدير النفط عبر أنبوب كوردستان إلى تركيا. إن انسحاب قسم من القوات العراقية من أجل السيطرة على الوضع الأمني في محافظات جنوب العراق، يمكن أن يؤدي إلى فراغ في المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم فيستغل داعش الفرصة ويتسلل منها. هذا الظرف موات ليصر إقليم كوردستان من خلال التحالف الدولي على عودة البيشمركة إلى المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم.

أضف إلى ذلك، يمكن أن تشكل تظاهرات البصرة تهديداً لسوق النفط، وقد يؤدي ذلك بالدول التي تبتاع النفط والشركات النفطية إلى دعم فكرة تصدير نفط كركوك عبر كوردستان ويضغطوا على حكومة بغداد في هذا الاتجاه وقد تذعن لهم الحكومة العراقية.

وقد يكون لهذا الوضع في العراق آثار أخرى، كأن يمهد لتعزيز قوة داعش، ولانقلاب غير معلن أو أحكام عرفية وانتقال الاحتجاجات إلى مناطق العراق الأخرى.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية‬‬‬