مليارات اهدرها العراق في قطاع الكهرباء كانت تكفي لشراء شركات كهرباء عالمية بالكامل
الحلول الحكومية في ملف الكهرباء "غير مسؤولة"...
لم يكن في وارد العراقيين أن تتحول الكهرباء الإيرانية المستوردة، على قلتها، إلى سيف مسلط على رقابهم وورقة ضغط سياسية تنتقل من يد طهران إلى يد بغداد، وبالعكس، في محاولة لتبادل الأدوار في معركة ضحيتها ملايين العراقيين.
ويتبدى ذلك جليا في أن ما تقدمه إيران للعراق من كهرباء مقابل مليارات الدولارات منذ سنوات لا ولن يوقف معاناة بغداد مع نقص الكهرباء، وأنها تحولت إلى ورقة ضغط بيد إيران ليس إلا، وفق ما يقول محللون ومسؤولون .
وقال السياسي العراقي المستقل، غانم العابد، إن الحكومات العراقية المتعاقبة أنفقت حوالي 40 مليار دولار أميركي على الكهرباء، قائلا "إنه بهذا المبلغ كان من الممكن شراء أصول شركات كهربائية كاملة، مثل سيمنز الألمانية".
وأكد مراقبون أن إيران، وعبر أذرعها في العراق، عرقلت بناء محطات الكهرباء، لتظل ممسكة بهذه الورقة الحساسة بغية استخدامها كورقة ضغط على الشعب العراقي حين تشعر أن مصالحها باتت مهددة.
وهذا ما كشقته الأزمة الأخيرة في البصرة، حين افتعلت إيران أزمة كهرباء في محاولة للضغط على رئيس الوزراء حيدر العبادي وتيارات عراقية تسعى لتشكيل حكومة جديدة، عقب انتخابات برلمانية أسفرت عن تراجع الجماعات المرتبطة عضويا بطهران.
في قبضة إيران
وقال العابد إن تكلفة محطة كهربائية بخارية يبلغ 300 مليون دولار أميركي، وأن 10 محطات منها كافية لإنتاج 3 آلاف ميغاواط، مستدركا بأن "الطبقة السياسية الحاكمة في العراق تريد أن تساعد إيران في ظل حصارها، ولذلك تغض الطرف عن إنشاء محطات محلية".
وأكد العابد أن "الفساد الحكومي وعدم المحاسبة وغياب الرقابة كلها عوامل تعيق تقدم الحكومة العراقية باتجاه تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء"، واصفا الحلول الحكومية في هذه القضية بأنها "غير مسؤولة".
ودلل على ذلك بلجوء الحكومة مؤخرا، في محاولة لتهدئة الاحتجاجات، إلى اقتطاع 400 من أصل 750 ميغاواط من حصة الموصل من الكهرباء لحل مشكلة الكهرباء المتفاقمة في مدن الجنوب.
وتغذي إيران العراق منذ عام 2007 بأربعة خطوط كهربائية تصل إلى البصرة والعمارة وديالى وخانقين، مزودة هذه المناطق بـ1200 ميغاواط فقط، وفق عقود أبرمتها بغداد مع طهران في 2007 و2011 و2013.
إلا أن هذه الكمية من الكهرباء لا تعالج النقص الذي يعاني منه العراق من الكهرباء، إذ أن البلاد تحتاج إلى 8 آلاف ميغاواط إضافية لسد العجز في شبكاتها. ويحتاج العراق إلى 23 ألف ميغاواط لتحقيق الاكتفاء الكامل، ينتج منها حاليا 15 ألف ميغاواط.
تحت رحمة طهران
وقال المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، مصعب المدرس، إن بغداد تعكف حاليا على إنشاء محطات ستدخل الخدمة خلال العامين المقبلين لإنتاج الثمانية آلاف ميغاواط التي من المتوقع أن تنهي الأزمة.
لكن المدرس أبدى تخوفا كبيرا من "مشكلة الهدر" التي تبقى حجر عثرة ، حتى إن وصلت البلاد للاكتفاء الذاتي من الكهرباء ، إذ قال إن نسبة الفاقد حاليا تصل إلى 65 بالمئة، تتمثل في سرقات وسوء استخدام وتوصيلات بدون عدادات وغيرها من التجاوزات.
وعلى الرغم من أن بغداد جددت عقود التزود بالكهرباء مع طهران مطلع هذا العام ، وفق ما أفاد المدرس، فإن هذه العقود تنص على إعطاء الأولوية للمدن الإيرانية في حال حصل نقص داخلي، الأمر الذي يجعل العراق تحت رحمة إيران في أي وقت.