اخبار العراق الان

السياسيون يغتالون بيئتنا .. مساحات خضراء تتحول الى ارض سكنية وتجارية

السياسيون يغتالون بيئتنا .. مساحات خضراء تتحول الى ارض سكنية وتجارية
السياسيون يغتالون بيئتنا .. مساحات خضراء تتحول الى ارض سكنية وتجارية

2018-08-15 00:00:00 - المصدر: شبكة اخبار العراق


بقلم:عماد الطيب

تحدث احد الاصدقاء لي ، بعد سفرته السياحية ، التي قام بها مؤخرا ، الى احدى الدول الاوربية . يقول ، وعلامات الانبهار ، تظهر على محياه ، وهو يصف جمال المدن ، التي زائرها خلال رحلته ، واصفا مدنها ، بأن كل مدينة ، تختلف عن المدينة الاخرى ، بطرز معمارها ، ومعالمها الحضارية ، والتاريخية . وكيف تستنفر الطاقات الخدمية للبلديات ، في المحافظة على نظافة شوارعها ، وساحاتها ، وحدائقها كل يوم . وكيف تهتم تلك البلديات ، برموز المدينة ، من مفكرين ، وعلماء ، وقادة عسكريين ، وتضع نصب تذكارية لهم ، لتكون معلما بارزا للمدينة . ويتوقف صديقي عن الكلام لبرهة ، ويعاود حديثه ، بمرارة ، حين يقارن تلك المدن ، بالمدن العراقية ، التي بهتت صورتها ، واسودت الوانها . فلم يبق فيها ، سوى ابنية ، تشكل فوضى بصرية ، ومكانية ، تشترك جميعها ، بصورة تجريدية قاتمة .

مدننا ياصديقي .. فقدت هويتها العمرانية ، التاريخية ، منها ، والثقافية ، ولاتواكب التغييرات ، التي تطرأ عليها . فالمدينة لدى اهل المعمار ، ياصديقي ، حصيلة تفاعل العوامل الاجتماعية ، والاقتصادية ، والسياسية ، والتاريخية ، لتشكل مشهد المدينة الحضرية . وهذه الامور غير موجودة في مدننا ، التي تشترك في شوارع غير منظمة ، وساحات عشوائية ، مليئة بأكداس النفايات ، وارصفة ، متجاوز عليها من قبل البائعين المتجولين ، واصحاب السيارات . فمدننا تعاني ازمة خانقة ، تتجلى بالفوضى العمرانية غير المتجانسة .

انه ياصديقي التلوث البصري ، بكل معانيه السيئة والثقيلة .. فهل رأيت مدينة ، تختلف عن مدينة اخرى ، في بلدنا كلها تشترك ، بصفات معينة ، لاتمت لتاريخها ، وثقافتها بشيء . وهذا التشابه ، اخرج مدننا من التوصيف المعماري .

يقولون ياصديقي ، ان الانسان ابن بيئته ، ونتاجها .. فكيف تريد ان يخرج انساننا العراقي ، بالجمال في ظل بيئة احترفت ، القتل ، والارهاب ، وزرعت في كل شبر ، كتل كونكريتية ، واسلاك شائكة ، وشرطي . لقد اغتيلت البيئة ، في مهدها حين تقاسمتها السياسة ، مع الحروب . فلم يبق لنا شيء نتوسد عليه سوى ذكريات واغاني عن ” نخل السماوة ” و” ياصياد السمج ” والهور، والبادية .

ياصديقي ، يقول اهل البيئة من الاختصاص ، ان كيلو واحدا من الوزن الجاف ، لورق الاشجار، له القدرة على امتصاص الرصاص ، بمعدل 30 – 40 ميلليغرام . كما ان شجرة واحدة بالغة ، لها القدرة على امتصاص الرصاص المنبعث ، من 120 كيلو غراما من البنزين لمحترق . وان حزاما اخضر ، بعرض 30 مترا ، يمكن ان يمتص يوميا 15 كيلو غراما من اكسيد الكاربون . كما ان البكتريا ، تقل بـ 200 مرة في الهواء في ظل الخضرة والاشجار . ولكن ياصديقي ، افتقدنا هذه الميزة ، بسبب استيلاء الاحزاب السياسية ، والمتنفذين من السياسيين ، في مدن العراق ، على معظم الساحات ، داخل المدن ، التي يؤشر التخطيط العمراني ، انها مساحات خضراء ، وتحويل جنس الارض ، لتكون اراض سكنية ، واخرى تجارية . وبيعت ، بالاتفاق مع دوائر البلديات ، بأثمان بخسة لهم . اسألك ياصديقي .. هل وجدت جريمة ، مثل هذه ، في تاريخ البلدان ، حين يجردون الانسان من كل شيء ؟ لاتقول اضغاث احلام ، انها الحقيقية ، بأبشع صورها . الحقيقة ، التي نعيش فصولها كل يوم ، ونشاهد حلقاتها ، كمسلسل درامي . حيث البطل يفاجأنا ، كل حلقة بشيء جديد ، حتى لاتصبح الحلقات مملة للمشاهد . وكذلك السياسيون ، يسرقون كل يوم شيء منا حتى لاتصبح ايامهم مملة ويضعون ، اللوم علينا ، وعلى الاوطان . فكل يوم يظهر شيء جديد ، ومسروق . انها الاحترافية في التمثيل السياسي . !